http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

فلاش بريس= رشيد نيني

العشق الممنوع

هناك مشكل عويص سيواجه المسؤولين عن بعض المؤسسات العمومية عندما سيزورهم قضاة المجلس الأعلى للحسابات، خصوصا عندما سيسألونهم عن مبررات صرفهم لميزانيات لنشر إعلاناتهم على صفحات جرائد لا تكاد تبيع شيئا، في وقت كان حريا بهم نشر هذه الإعلانات في الجرائد التي توجد في المراتب الأولى من حيث عدد المبيعات.
فهم بهذا الاختيار يبددون المال العام لأنهم ينشرون إعلانات في جرائد محدودة الانتشار، وبالتالي يحرمون المعنيين بهذه الإعلانات من رؤيتها، طالما أن الهدف من نشر إعلان هو أن يطلع عليه أكبر عدد من القراء. 
ولو أن الأمر تعلق بمؤسسات خاصة لما علقنا على الأمر، ففي هذه الحالة الخسارة يتحملها صاحب الشركة الخاصة من ماله الخاص، أما عندما يتعلق الأمر بمؤسسات عمومية، فالأمر يتعلق بأموال دافعي الضرائب، ولذلك فمن حقنا أن نسأل هؤلاء المدراء عن سبب تبذيرهم للمال العام في نشر إعلانات عمومية لن يقرأها أحد.
أحد هؤلاء المسؤولين العموميين الذين سيجدون أنفسهم في حال ما إذا زارهم قضاة المجلس الأعلى للحسابات، أمام هذا السؤال المحرج، هو مدير الشركة الوطنية للطرق السيارة، فالرجل صرف في يوم واحد ميزانية تقترب من خمسة عشر مليون سنتيم، فقط لكي يشتري مساحات إعلانية في الجرائد لنشر بيان حول التحقيقات التي نشرناها بخصوص لجوء شركة «نورول» التركية لاستعمال مواد غير منصوص عليها في دفتر التحملات لبناء الطريق السيار بآسفي.
والواقع أن البلاغ الذي صرف من أجله السيد أنور بنعزوز، الذي أخرجه الرباح وزير التجهيز من منصب مدير ديوانه ووضعه على رأس شركة الطرق السيارة لكي يطبق تعليماته بالحرف، كل هذه الملايين، توصلنا به في «الأخبار» ونشرناه مجانا في هذا العدد، رفقة الوثائق التي تبين أن بنعزوز نفسه يشاطرنا الرأي بخصوص مخالفات شركة «نورول» التركية. فبالأمس كان السيد بنعزوز يوقع في مكتبه على تقارير تنتقد ممارسات الشركة التركية، فأصبح اليوم يصدر بلاغات تدافع عن سمعتها، مع أنه اعترف في الوثائق التي ننشر كاملة (أنظر الصفحة الثانية)، بممارسة الشركة التركية لمخالفات في إنجاز طريق آسفي السيار، إلا أنه اليوم لا يجد حرجا في تكذيب نفسه وتهديدنا بالمتابعة القضائية.
والظاهر أن الحزب الحاكم وبعض الوزراء «المشارطين» معه في الحكومة، وجدوا في موضة اللجوء إلى القضاء ضد هذه الجريدة، مخرجا ومتنفسا لهم من الضيق الذي يحشرهم فيه بنكيران كلما كتبنا شيئا حولهم، فأصبح يهددهم إما بمقاضاتنا أو تقديم استقالتهم.
وهو بالضبط ما حدث مع مدير بوزارة العدل  خيره الرميد بعد نشرنا لعمود «فساد العدل»، بين نفي ما نشرته ومقاضاتي وبين الإعفاء، فاختار هذا الأخير الإعفاء، وهو ما نفذه الرميد حالا.
والغريب في بلاغ بنعزوز، مدير شركة الطرق السيارة بالمغرب، والمدير السابق لديوان الوزير عزيز الرباح، المؤدى أنه يقول إن الوثائق الرسمية التي اعتمدت عليها «الأخبار» في نشر سلسلة من التحقيقات حول استعمال شركة «نورول» التركية لمواد أولية غير مطابقة لكناش التحملات ولشروط الجودة والسلامة، هي وثائق «رسمية تخص أوامر خدمة موجهة للمقاولة وتقارير صادرة عن المختبر العمومي للتجارب والدراسات، تتعلق بمطابقة المواد المعروضة على الخبرة لمعايير الجودة والمزمع استعمالها في تشييد الطريق السيار لآسفي»، بحسب نص البلاغ المؤدى عنه والصادر عن شركة الطرق السيارة بالمغرب.
وقد فضل كاتب البلاغ تقمص دور أستاذ في  الصحافة واتهم «الأخبار» بإخبار المغاربة بفحوى ومضامين هذه الوثائق الرسمية الخطيرة، والتي تؤكد كلها (تقدر بالعشرات)، أن الشركة التركية التي عهد إليها بصفقة الطريق السيار لآسفي استعملت مواد مغشوشة ومخالفة لما هو منصوص عليه في كناش التحملات، ومن ذلك أن نتائج التحليلات العلمية التي جرت على ثلاث عينات، أظهرت أنها لا تستجيب لمعايير وشروط الصفقة التي تحدد سمك 20 سنتمترا للخرسانة المستعملة، في حين أن شركة «نورول» التركية استعملت سماكة أقل من المحددة في شروط العقد، إذ أثبتت الاختبارات العلمية أن الشركة التركية استعملت خرسانة تتراوح سماكتها ما بين 16 و18 سنتمترا، مما يعتبر غشا وتلاعبا في الأشغال يهدد سلامة وأمن مستعملي الطريق السيار.
وعوض أن توضح شركة بنعزوز للرأي العام ما قامت به تجاه ما تضمنته هذه الوثائق الرسمية الصادرة عنها وعن المختبر العمومي للتجارب والدراسات، والتي تثبت علميا أن بناء الطريق السيار لآسفي تعترضه عيوب واختلالات في مواصفات الجودة والسلامة، فإنها في المقابل فضلت الاعتراف بصحة الوثائق التي نشرتها «الأخبار»، لكنها في المقابل التزمت الصمت حول مضامين هذه الوثائق، ومن بينها تقرير يحمل توقيع أنور بنعزوز، مدير الطرق السيارة نفسه، الذي يدافع اليوم في بلاغ مؤدى عنه عن «سمعة» الشركة التركية، في وقت يوقع فيه بخط يده على وثيقة رسمية، تفيد أن التحليلات العلمية المضادة أثبتت أن شركة «نورول» التركية تستعمل مواد هشة ومخلوطة وغير صلبة في فرشة طريق آسفي السيار، وهي المواد التي يقول عنها التقرير الموقع بخط يد مدير شركة الطرق السيارة في المغرب، بكونها «لا تستجيب للمواصفات المتعاقد بشأنها».
البلاغ الأخير لشركة الطرق السيارة في المغرب، والذي وجه اتهامات صريحة وغريبة لجريدة «الأخبار»، لا لشيء سوى لقيامها بواجبها المهني بإخبار المغاربة بما يقع في إحدى أكبر الصفقات العمومية لحكومة بنكيران، لم يمتلك كاتبه الشجاعة والمسؤولية بأن يوضح للرأي العام كيف ينفي اليوم أنور بنعزوز، مدير الطرق السيارة في المغرب، علانية وجود أي غش أو تلاعب في تنفيذ أشغال بناء الطريق السيار لآسفي، وهو نفسه الذي وضع توقيعه بصفته مديرا عاما لشركة الطرق السيارة، على تقرير موجه لشركة «نورول» التركية بتاريخ 23 أبريل 2014 مرقم بمرجع إس/ آ  جّي/018112/235-236، يقول فيه بالحرف إن الشركة التركية استعملت «مواد غير مطابقة لشروط الصفقة»، وإن «التعريفات العلمية التي قامت بها مختبرات على عينات من ورش آسفي السيار، أثبتت عبر النتائج أن المواد المستعملة في فرشة الطريق السيار لآسفي غير متجانسة وغير مطابقة لالتزامات الصفقة ولا تستجيب للمواصفات المتعاقد بشأنها».
والغريب في بلاغ شركة الطرق السيارة بالمغرب، هو أنه يستصغر ذكاء الرأي العام إزاء أحد أكبر مشاريع حكومة بنكيران العمومية، فهو يعترف بصحة الوثائق التي اعتمدت عليها «الأخبار» في إنجاز تحقيقاتها، لكن في الآن نفسه لا يعترف بمضامين تلك الوثائق التي تشير كلها إلى أن ما يقع في ورش طريق آسفي السيار هو غش على أعلى مستوى، والذي لم تخبرنا شركة الطرق السيارة ولا وزارة التجهيز بما قامت به إزاء هذه المخالفات التي تهدد أمن وحياة مستعملي الطريق السيار، وأيضا في الشق المتعلق بالتلاعب في معايير الجودة والسلامة، حين تقوم شركة «نورول» التركية باستعمال خلطات هجينة من 3 مقالع لإنجاز فرشة الطريق السيار.
وليس هذا فحسب، بل ويتضح بعد عملية مراقبة نتائج عينات الفرشة التحتية المستعملة في طريق آسفي السيار، وجود اختلالات كبيرة في عملية طلاء الفرشة التحتية بالزفت، والأخطر من ذلك، تقول الوثيقة تحت مرجع دّي تّي إس إس 631/14/1355 الصادرة عن شركة الطرق السيارة في المغرب، والحاملة لتوقيع رئيس قسم الأشغال في الطريق السيار لمقطع آسفي سيدي إسماعيل، إنه «جرى ملاحظة أن ولوج مادة الزفت السائل المطلية على فرشة الطريق السيار شبه منعدمة»، وإن «سطح فرشة الطريق السيار أكثر صلابة لدرجة أن كل الكمية المطلية من الزفت بقيت على السطح ولم تنفذ إلى العمق».
وقد كان حريا بالنسبة لشركة الطرق السيارة بالمغرب أن تختصر «الطريق»، وعوض أن تحرر بلاغا مؤدى عنه تكذب فيه ما جاء في يومية «الأخبار»، كان عليها أن توجه بلاغها إلى مديرها أنور بنعزوز، الذي يكذب غش الشركة التركية ويدافع عن سمعة شركة «نورول» في بلاغاته الصحفية، في حين يقوم بالعكس داخل مكتبه وفي تقاريره الرسمية الموجهة للشركة التركية، والتي يتهمها بخط يده بأنها استعملت مواد في طريق آسفي السيار «لا تستجيب للمواصفات المتعاقد بشأنها».
لقد أثبت بلاغ شركة الطرق السيارة بالمغرب أن هناك غشا على أعلى المستويات، ثابتا في تقارير علمية صادرة عن خيرة المهندسين والتقنيين والخبراء المغاربة، وفي الآن نفسه هناك إرادة سياسية للحكومة الحالية في إبقاء هذا الغش داخل الرفوف حفاظا على مصالح عليا جد غامضة، تتصل بالرغبة في عدم إغضاب «الإخوة الأتراك» في إطار مسلسل «العشق الممنوع» بين نورسيي العدالة والتنمية التركي وإخوان العدالة والتنمية المغربي.
ويمكن أن نتفهم الرغبة الحكومية في طي هذا الملف، لكننا صراحة لا نفهم صمت المعارضة البرلمانية عن التقصي بصدد هذا الملف وطرحه تحت قبة البرلمان. فهل أصبحت المعارضة خرساء إلى هذا الحد، أم أن هناك صفقات انتخابية تعقد في السر؟
وصدق الساخر كوليش عندما قال «لكي تمارس السياسة يكفي أن يكون لديك ضمير مرتاح، ومن أجل أن تكون سياسيا بضمير مرتاح، يكفي أن تكون لديك ذاكرة سيئة».
إن التهمة الموجهة اليوم ليومية «الأخبار» هي إخراج هذا الغش من الظلمة إلى النور، وهذا شرف لنا، لأن هذه هي مهمتنا بالضبط.
لذلك لا المحاكمات ستخيفنا ولا السجن سيرهبنا. لقد جربنا الاثنين معا ووجدنا أنهما أرحم من بيع الضمير في سوق النخاسة الإعلامية.

 

المصدر: فلاش بريس= رشيد نيني
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 56 مشاهدة
نشرت فى 19 نوفمبر 2014 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

280,059