فلاش بريس= رشيد نيني
عنف في وزارة الأسرة
هل أصبح المغاربة أكثر عنفا وعدوانية من ذي قبل؟
يكفي للإجابة على هذا السؤال التنقل ليلة عاشوراء إلى أي قسم مستعجلات للوقوف على ضحايا العنف المجاني و«الضحك الباسل» لبعض المغاربة.
في مستعجلات ابن سينا في الرباط لوحده، استقبل قسم الأطفال عشرات الحالات لأطفال ومراهقين تعرضوا لإصابات خطيرة بسبب المفرقعات. أكثر الحالات عدوانية حالة طفل دس زملاؤه أصبعي مفرقعات في أذنيه وفجروهما له بداخلهما، ومزقوا طبلتي أذنيه. طفل آخر فقد عينه بسبب أصبع مفرقعات انفجر داخلها، حتى أن هناك سيدة جاءت إلى المستعجلات بعدما وقعت لها حادثة بسيارتها بسبب فزعها من صوت المفرقعات التي رماها الأطفال في طريقها.
العدوانية ظهرت أكثر في استغلال عادة «زمزم» في رش النساء بالماء والماء القاطع والبيض الفاسد، وإضرام النار بشكل عشوائي.
ولولا أن السماء «زمزمت» الجميع بالأمطار، لكانت الحرائق في كل مكان بسبب أطنان المفرقعات التي يرميها الصغار والكبار أينما اتفق و«الشعالات» التي يضرمونها في الأمكنة العامة وممتلكات الناس.
وإذا كان الاعتراف باستفحال العنف والعدوانية متوافقا حوله، فإننا نختلف في الاتفاق حول مسببات العنف، أو بالأحرى نختلف حول تصنيف هذه المسببات من الأكثر أثرا إلى أقله. هل يتعلق الأمر بالوازع الأخلاقي كما يحلو للإسلاميين جزمه وتبسيطه؟
هل هو العوز والفقر والبطالة والتهميش؟
هل هو «القرقوبي» الجزائري كما يحلو للبعض أن يقدمه كمسبب رئيسي لكل معضلاتنا الاجتماعية؟
هل هو التهييج الإعلامي «الكروي» الذي جاء ليعوض «الديسيبلين» المدرسي والتربوي؟
هل هو «ترييف» المدن عبر إحداث هذه التجمعات السكنية «الهجينة» حضاريا واجتماعيا، بفعل الفورة التي يعرفها سوق «الإنعاش العقاري» المفتقد للحس الوطني؟
وإذا كانت الأسباب عديدة، فالنتائج واحدة وكارثية وتنذر بـ«تسونامي» اجتماعي حقيقي جد وشيك، بسبب ما يعيشه المجتمع من تفسخ في العلاقات الاجتماعية وإحساس مزمن بانعدام الأمن، وأثر ذلك على ضمان المشاركة الإيجابية المطلوبة من كل واحد فينا لبناء لبنة من لبنات مستقبل هذا الوطن الذي تحيط به مخاطر «عنف» إقليمي وجيو سياسي وبيئي كبير. وللذين تعجبهم التحليلات الاقتصادية، فإننا ننبه إلى أن للعنف كلفة اقتصادية كبيرة لم نصل بعد إلى تعلم حسابها: كلفة تخريب الملاعب وكلفة تخريب البنيات وكلفة تخريب الإنسان والأسر وكلفة تخريب المنظومات وأولها التربوية والصحية.. كلها كلفات لن تسمح للمغرب بأن يحقق نسبة النمو المرجوة، وبالتالي فكل سياسي واعد يأتي ليقول لنا سأحقق كذا رقم في النمو، عليه أن يقول لنا من الآن فصاعدا ما هي احترازاتك لكي تضمن أنه «نمو خال من العنف».
ولعل العنف الذي يحز في النفس هو ذلك الذي يفتك أكثر بفئتين من الضحايا وهما الطفل والمرأة.
ماذا عملت الحكومة لحماية الطفل والمرأة من العنف؟ وهل يعلم الجميع أن الحكومة الحالية وضعت هاتين المعضلتين في سلة واحدة سلمتها «باستخفاف» لقطاع جد صغير لا حول ولا قوة له، حيث يعهد لوزارة التضامن والأسرة أن تتكلف بميزانية لا تتعدى 0.5 من الميزانية التنفيذية العامة بحماية أطفال المغرب ونسائه من العنف.
لنبدأ بقصة العنف ضد الأطفال، وهي قصة تعكس تراجيديا وطنية ربما أخطر من وقع تراجيديا هيروشيما على اليابانيين، فهذه الأخيرة أصبحت موطن فخر واعتزاز الياباني بنفسه، أما نحن فلا نحس بالفخر ونحن نتحدث عن الطفولة المغتصبة أمام أعيننا.
تقول وزيرة الأسرة والضامن، التي لا أحد يعرف مصير الشكاية ضد أخيها الذي عنف شيخا في الثمانين من عمره، إنها ستضع سياسة عمومية لحماية الطفولة، والجدير بالذكر أن قطاعا صغيرا لا يضع السياسات العمومية التي هي من شأن رئيس الحكومة، بل من مهامه تنفيذها عبر مخططات عمل.
وفي عهد الحقاوي تم طمس معالم «مغرب جدير بأطفاله»، وهي الخطة الوطنية للطفولة التي تم تقديمها بين يدي الملك سنة 2006، ووجه بشأنها رسالة توجيهية في مضمون تفعيلها وتبني مؤشراتها.
اليوم لم نعد نسمع بهذه الخطة لدى الحقاوي، ربما لأن الفاعل السياسي يتنصل من منطق تراكم العمل الحكومي، وبالأخص في موضوع حساس كحماية الطفولة من العنف. وجاءت الحقاوي بجعبة أقل ما نقول عنها إنها خاوية، من خلال وعودها بإطلاق سياسة عمومية لحماية الطفولة، وقد تزودنا بمعلومات من قطاعات أخرى كالتربية الوطنية والصحة والداخلية، تؤكد من خلال مراسلاتها للحقاوي أنه لا يمكن العمل وفق سياسة عمومية هي في الأصل موجودة منطقيا في البرنامج الحكومي، ولا يمكن العمل خارج الخطة الوطنية للطفولة، كما لا يمكن أن نتناسى، وهذا ما تفعله حكومة العدالة والتنمية، تراكمات وأوراش المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
وفي موضوع حماية الطفولة، هناك قصة تقاطعات وتصادمات بين الوزارة المعنية بالطفولة والجمعيات الكبرى، كالمرصد الوطني لحقوق الطفل الذي منذ تولي مصطفى دانيال إدارته التنفيذية بعد الصفح الذي استفاد منه من زلاته البروتوكولية القديمة، وهو يقاطع الوزارة، على اعتبار أن الحقاوي داست على تراكمات الشراكة المتينة التي كانت في السابق بين الوزارة والمرصد.
والمدير الحالي لمديرية الطفولة الذي زكته الحقاوي، لا يتردد في التغاضي عن التعامل مع المرصد ولا يتوانى عن تنفيذ توجيهات الحزب الحاكم التي في أساسها أنه لا اعتراف بالعنف ضد الأطفال، وأن هذه الجعجعة الحقوقية حول الطفل هي مجرد «ترف حقوقي» ليس إلا.
واليوم تشتكي الكثير من مراكز حماية الطفولة من تملص الحقاوي من التزاماتها في تعاقدات الدعم، فالسيدة الوزيرة تتملص اليوم من مسؤولية متابعة جودة خدمات مراكز حماية الطفولة وتلقي بها لمدير التعاون الوطني يعبث بها كما يشاء. فهل تظنون أن مؤسسة «مهترئة» خاضعة للأهواء الحزبية، كتبت حولها تقارير سلبية للمجلس الأعلى للحسابات كمؤسسة التعاون الوطني، ستقوم بتملك ملف حماية الطفولة، وكلنا نعلم كم طفلا تعرض للاغتصاب ببعض هذه المراكز والخيريات؟
أما ملف محاربة العنف ضد النساء، فلا جديد حول مشروع القانون الذي أقبرته الحقاوي وحراس الحزب الحاكم وهم السادة الرميد وباها وبنكيران. وإن كانت للوزير الميني شيوعي نبيل بنعبد الله ذرة حداثة لكان انتفض الآن قبل الغد للمطالبة باسترجاع هذا المشروع من براثن الحزب الحاكم، الذين يتمنون أن تنقضي فترتهم من دون إخراج هذا النص المحرج لهم ولسياستهم ومشروعهم المجتمعي.
سبق أن تحدثنا حول رفض وزير العدل مصطفى الرميد الدخول في مخاطرة إخراج نص قانوني أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه سيحرك المجتمع في اتجاه نبذ العنف ضد النساء.
وقد سبق أشرنا إلى رفض وزير العدل التوقيع على بروتوكول تبادل المعطيات حول العنف، وهو البروتوكول الذي قبل الدرك الملكي والأمن الوطني التوقيع عليه.
وعوض أن نسمع توضيحا مسؤولا ومقنعا من وزير العدل حول هذا الرفض، قرأنا تبريرا مقتضبا في جريدة وزير العدل المفضلة التي يمنح سعادة الوزير الأخبار لمديرها في فندق «أونفيتريت»، يقول إن الوزير طالب برفض التوقيع على البروتوكول لأنه مكتوب بالفرنسية بينما اللغة الرسمية للمغرب هي العربية والأمازيغية.
لكن ما لم تقله الجريدة الناطقة باسم وزير العدل ورئيس الحكومة، هو أن وزير العدل رفض البتة التصديق على مشروع القانون المكتوب بالعربية وليس «الشينوية»، وهو رفض خطير سياسيا لأنه سبق أن عين لجنة مختصة للعمل مع الحقاوي في المشروع.
والخطير أيضا هو أن اللجنة التقنية وقعت على محضر توافقي بخصوص المشروع. إذن وزير العدل ليس في تناقض مع حزبه وأخته الحقاوي، وإنما مع لجنته التقنية التي كلفها بتتبع المشروع.
الأخطر، وهذا ما لم يشر إليه «عزمي بشارة المغرب»، أو «حسنين هيكل المغرب» كما وصفه بنعيسى أمام ضيوفه الخليجيين، هو أن الحقاوي نفسها لم توقع على البروتوكول وفوضت ذلك لكاتبها العام، لأنها وقعت ضحية حرج سياسي لم ينتبه إليه أحد.
و«نزيدكم»، الاتحاد الأوروبي وضع لدى خازن المملكة أكثر من 46 مليار درهم مقابل أن ينفذ المغرب كل التزاماته المؤشر عليها في الخطة «إكرام» للمساواة، والتي من بين أهم مؤشراتها خروج قانون محاربة العنف ضد النساء.
ورفض وزير العدل الدخول في هذا المشروع، جعل هذا الممول الدولي قاب قوسين أو أدنى من سحب دعمه المالي وإرجاعه للمواطن الأوروبي الذي هو أجدر به من هذه الحكومة التي ما إن انقضى وميض الربيع العربي وشعرت أنها «قطعات الواد ونشوفو رجليها»، حتى بدأت «تلعب» في الالتزامات الحقوقية التي أخذها المغرب على عاتقه.
ساحة النقاش