http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

authentication required

فلاش بريس = سعيد الباز

الشابي الذي يأبى أن يموت

فصل آخر من فصول التاريخ عاشته تونس أخيرا. تونس التي تأرجح بها موج الأحداث توشك أحيانا أن تغرق، وبإصرار نادر تعود إلى السطح لتلتقط قليلا من الأنفاس، لكنّها في النهاية خرجت سليمة وبمعنويات عالية لمواجهة المستقبل. السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف تأتى لهذا البلد الصغير وذي الأحلام الكبيرة أن يخرج من المستنقع الذي وجدت نفسها فيه بعض بلدان ما يسمّى الربيع العربي؟. كلّ المراقبين والمتتبعين للانتخابات الأخيرة في تونس وما أسفرت عنه من نتائج، قد أجمعوا على أنّ الإرث البورقيبي نسبة إلى الرئيس الراحل، الحبيب بورقيبة، هو الذي كان حاضرا في الذاكرة الجماعية للشعب التونسي، خاصّة وأنّ النسبة الكبيرة من المصوتين كانوا من المتقدمين في العمر ومن الكهول
والنساء، وكلّ هؤلاء ما زال تتردّد في وجدانهم أصداء المرحلة البورقيبية. بورقيبة الذي لم يكن ديمقراطيا، بل أسبغ على نفسه لقب المجاهد الأكبر، وخلق سابقة في تاريخ الدساتير والقوانين بأن جعل نفسه رئيسا مدى الحياة، كان مع ذلك رائدا في خلق صورة مغايرة لوطنه، مستمدة من قيم الانفتاح والعقلانية وتحديث المجتمع على المستوى التعليمي والفكري. لهذا شهدت المرأة في عهده اهتماما كبيرا، واعتبر العديد من العرب مواقفه شاذة وخارجة عن ضوابط ومعايير المجتمعات التقليدية والمحافظة. إنّ محاولات حزب النهضة الإسلامي، في المدة التي استفرد فيها بالحكم رفقة، شريكين ضعيفين، في الدفع بتونس إلى وجهة أخرى تقضي كلية على كل المكاسب السابقة، وتسمح لعناصر هذا التنظيم ذي المرجعية الإخوانية أن يتغلغل في مفاصل الدولة، ويصبح في النهاية المتحكّم في المسار السياسي لتونس، كلّ تلك المحاولات قد باءت بالفشل لعدّة أسباب، لعلّ من أهمّها ضعف الأطر السياسية التابعة له وعجزها عن تدبير المرحلة، اقتصاديا وسياسيا، ثمّ تذبذبه في المواقف تجاه الحركات الإسلامية الأكثر تشدّدا، وما تبع ذلك من اغتيالات سياسية صادمة، وعمليات إرهابية على الحدود التونسية الجزائرية لم يسبق لتونس أن عرفت مثيلا لها. إنّ تلك الأسباب كلّها وفي ظرف وجيز جعلت التونسيين يشيحون بوجوههم عن هذه الهدية المسمومة، التي يبدو أنّ الربيع العربي قد اقترحها على المجتمعات العربية كما لو كانت حلا سحريا، فيما هي بمثابة فيروس معلوماتي ما إن تفتحه في حاسوبك حتى يجرّك مثل الضباع، ليدمّر في النهاية ملفاتك ويصبح حاسوبك معطوبا
وربما إلى الأبد.
مسألة أخرى لها أهمية كبرى، هي في حضور هذا الشاعر العظيم، أبو القاسم الشابي، في خلفية الأحداث التي عاشتها تونس، مجسّدا في شعره وشخصه  الملهم والشعار الذي التفت حوله فئات عريضة من الشعب التوّاقة إلى الحرية والتقدم إلى الأمام، مولية ظهرها لكلّ من يريد أن يكبّل مصيرها الفتيّ بأغلال الأوهام . أبو القاسم الشابي الشاعر الذي مات في ريعان الشباب، الذي تغنّى بالحياة وهو يعاني المرض والألم، ظلّ يحاور شعبه يغضب منه أحيانا ويتمنّى لو كان حطابا ليهوي على جذوع شعبه بالفأس، وأحيانا يعد شعبه بالنصر وبالحياة شريطة الإيمان بالحياة.
أبو القاسم الشابي الذي ردّد مطلع قصيدته مرّات كثيرة، هل كان يعرف في قرارة نفسه أنّ شعبه تونس سيردّد معه أشعاره في النشيد الوطني لبلاده، وفي المظاهرات، ويوم خرجت بلاده الصغيرة خروج البلدان الكبيرة من عنق الزجاجة ومن أصعب محطاتها التاريخية وأخطرها. وهل كان يعرف بأنّ اسمه ارتبط وإلى الأبد ببلده تونس، وأنّ اسمه سيبقى خالدا يأبى أن يموت:
  سأعيش رغم الداء والأعداء
كالنسر فوق القمة الشمّاء. 

 

المصدر: فلاش بريس = سعيد الباز
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 19 مشاهدة
نشرت فى 6 نوفمبر 2014 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

280,051