المساء = عبد الله الدامون
هيّا بنا نحارب الاستعمار من جديد!
العدد :2517 - 01/11/2014
عندما يريد أي مغربي أن يرى صورا جميلة لمدينته أو قريته فإنه يعود إلى الماضي، إلى صور ولقطات بالأبيض والأسود، وفي الغالب المطلق تكون تلك الصور من زمن الاستعمار.
في الدار البيضاء أو الرباط أو طنجة أو وجدة أو أبي الجعد أو أية مدينة أو بلدة، يدخل الناس عالم الأنترنيت ويبحثون عن ماضي وصور مدينتهم قديما ويتبادلون الصور والمعلومات عن زمن ذهبي، والغريب أن الزمن الذهبي كان زمن الحماية.
وقبل ظهور الأنترنيت، كان الناس يعلقون صورا قديمة في منازلهم ومكاتبهم وهم يتحسرون على أيام زمان، زمن مدنهم أيام الاستعمار. ويمكنك أن تدخل مقهى أو محلبة في أية مدينة لتجد بها صورا قديمة لزمن مضى ولن يعود، زمن مجد المدينة خلال الاستعمار الذي مضى وخلف وراءه مذلة مدن زمن الحرية والاستقلال.
الاستعمار هو أسوأ اختراع بشري، والاستعمار في أي مكان قتـّال ذبّاح سفاح، والشعوب التي تم استعمارها لم تكن سوى قطعان عبيد في خدمة مستعمرها؛ لكن الحقيقة أن مدن ذلك الزمن أفضل بكثير من مدن هذا الزمان، ليس لأن الاستعمار كان أفضل، بل لأن الاستقلال كان سيئا، سيئا جدا، إلى درجة أن الناس يحنون إلى الماضي الاستعماري ولو عبر الصور.
في زمن الحماية، بُنيت مدن عصرية بشوارع فسيحة وإدارات مريحة ومدارس ومستشفيات كافية، وهي أشياء بناها المستعمر لنفسه أكثر مما بناها لـ«الأهالي»، لكن في النهاية خرج الاستعمار، ثم رزحت المدن المغربية تحت حجر الاستعمار الآخر، استعمار الفساد والإهمال والعشوائية وكل ما يخطر أو لا يخطر على بال.
اليوم، بعد قرابة ستين عاما على الاستقلال، لايزال الناس يحنون إلى تلك الصور بالأبيض والأسود لمدنهم قديما، وهو شيء من النادر أن يحدث في مكان آخر، لكنه يحدث عندنا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن العالم يسير قدما إلى الأمام، بينما نحن شعب يسير قهقرة إلى الوراء.
المشكلة أن استقلال المغرب فهمه كل واحد بطريقته الخاصة، فالناس البسطاء والمكافحون من أجل الاستقلال الذين ضحوا أو، على الأقل، رأوا محمد الخامس في القمر، اعتقدوا أن الاستقلال هو غاية المنى والطلب، وأنه الرمز الأكبر للكرامة الإنسانية؛ وما اعتقدوه صحيحٌ مائة في المائة، لكن شتان ما بين الأماني والواقع الذي صدمهم سنوات قليلة، بل شهورا قليلة بعد خروج المستعمر.
هناك فئة أخرى من المغاربة فهمت الاستقلال بطريقتها الخاصة، بل فهمت الفرق بين الاستقلال والاستعمار حتى قبل خروج المستعمرين بزمن طويل.. أفراد هذه الفئة هم الذين كانوا يحضّون الناس العاديين على مقاومة الاستعمار والاستشهاد من أجل الوطن، بينما هم يرسلون أبناءهم إلى كبريات المدارس والجامعات في البلد المستعمر وفي بلدان استعمارية أخرى لكي يعدوهم لحكم البلاد والتصرف فيها كإرث عائلي.. أفراد هذه الطبقة فهموا معنى الاستقلال مبكرا فتزوجوا من فرنسيات أو أجنبيات وربحوا الماضي والحاضر والمستقبل، وأغلبهم حكموا المغرب وتبوؤوا مناصب ومسؤوليات كبيرة وصاروا يشكلون «حكومة فرنسية» للظل بعد المغادرة الظاهرة للحكومة الفرنسية المباشرة.
منذ زمن الاستقلال إلى اليوم، اكتسب أشخاص كثرٌ من هذه الطبقة الجنسية الفرنسية وصاروا محميين مباشرة من فرنسا، وهم نسخة عصرية من أولئك المحميين المغاربة الذين كانوا يكتسبون الجنسيات الأجنبية زمن الاستعمار ويكتسبون الحماية الاستعمارية ويشكلون طابورا خامسا، ذلك ما حدث بالضبط بعد الاستقلال، لذلك استمر الحال على ما هو عليه، بل تردت الأحوال كثيرا إلى درجة صار الناس معها يقولون: ألا ليت الاستعمار ما خرج..
أفراد الطائفة المتجنسة صاروا أكثر عددا وتنوعا مع مرور السنوات، وتراوحت مراتبهم ما بين المناصب الحساسة وبين الوزراء والمستشارين وبين رجال الأعمال والأثرياء وكبار الموظفين ومهربي المخدرات ولصوص المال العام، والذين اكتسبوا جنسيات نصف دول العالم، إلى درجة أصبحت عندنا «أمم متحدة» مصغرة داخل البلاد.
في الأسبوع الماضي، عندما ألقى نائب برلماني سؤالا على وزير العدل حول الوزراء الحاملين لجنسيات أجنبية في حكومة بنكيران، قامت الدنيا ولم تقعد، وكأنه اكتشاف جديد وخطير يعرفه الناس لأول مرة، بينما هو واقع يعرفه الناس جيدا، ولو أن ذلك البرلماني، ومعه حزبه، اكتسبا الشجاعة الفعلية لطالبا بأن يتم الكشف عن كل المسؤولين والوزراء المجنسين الذين تقلدوا مناصب كبرى في البلاد منذ الاستقلال إلى اليوم.
الجنسيات الأجنبية في المغرب تحطم كل الأرقام القاسية؛ ولو أننا عددْنا أصحابها في صفوف حكامنا ومسؤولينا وكبار أغنيائنا ولصوصنا، لنادينا بضرورة محاربة الاستعمار مجددا.
ساحة النقاش