فلاش بريس = حسن البصري
لا توصي يتيم على بوكر
ما زال محمد يتيم، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، يؤدي فاتورة مشاركة ابنه في مسابقة دولية للعبة البوكر واحتلاله الصف الثالث، مع تدفئة جيبه بجائزة مالية قدرها 45 ألف دولار فقط لا غير.
تناولت إحدى المحطات الإذاعية الخاصة، الموضوع واستدعت خبراء في «تاقمارت»، اعتبر أحدهم مشاركة صلاح الدين يتيم، أصلحه الله، في مسابقة دولية، شرفا للمغرب الذي غاب مدة طويلة عن منصات التتويج. وتصدى محلل آخر لهذا الطرح ونبه إلى تحريم القمار وتجريمه. وحين ارتفعت وتيرة النقاش، طالب منشط البرنامج مهلة ليزيد الطين بلة ويحيل المستمعين على وصلة دعائية خاصة بلعبة الرهان الرياضي التي لا تقل جدلا عن قمار الفنادق المصنفة والمقاهي الشعبية.
في أغلب ملاعب الكرة هناك لوحات إشهارية «تحرض المغاربة» على تخصيص جزء من ميزانيتهم لقمار كروي، من خلال المراهنة على نتائج الفرق الرياضية المغربية والعالمية، دون نيل موافقة الفرق ذاتها. وحين احتج الكوكب المراكشي يوما على الإدارة العامة للقمار الكروي، وطالب بسحب اسمه من لعبة الرهان الأسبوعي، تم اختزال الكوكب المراكشي في مراكش والدفاع الجديدي في الجديدة، لتستمر اللعبة المربحة برعاية من وزارة الشباب والرياضة.
تقول الوصلات الإشهارية التلفزيونية للرهان الرياضي، إن مداخيل اللعبة تصب في صندوق لتنمية الرياضة المغربية، والحال أن الجزء الأكبر منها يتحول إلى الصندوق الأسود لوزارة الشباب والرياضة التي ترأس المجلس الإداري للشركة، فالربح آخر انشغالات مؤسسة تحثنا على «الحك» من أجل الفوز، و«التخمين» من أجل الظفر بملايين السنتيمات.
هكذا يبرر المقامرون انخراطهم في اللعبة، وهكذا حاول نجل القيادي يتيم إقناع المغاربة بأن الكسب المالي ليس رهانه، وأن هاجسه هو اختبار دهائه، بعد أن حقق بطولات في مباريات افتراضية على شبكة الأنترنيت، قبل أن يدخل ميدان التباري في الملاعب الحمراء.
لا يلج ملاعب البوكر المصنفة عالميا إلا من ظهرت على ملامحه أعراض الثراء الفاحش، ففي ملاعب مزاغان ولونفيتريت والسعدي، حراس أشداء يحرصون على سلامة اللعبة ويوفرون للاعبين الحد الأقصى من التركيز، حتى تخلو المباريات من الشغب وتنتهي المواجهات على مائدة النزاع، بغالب تحفه النسوة من كل جانب، ومنهزم شارب حتى الثمالة ثقافة الفوز والخسارة. وغير بعيد عن الملعب مراقب مباراة وموثق مستعد لتسهيل إجراءات البيع والرهن عند الحاجة، ومستخدمون يوزعون الابتسامات على اللاعبين ما دامت المباريات تجرى بدون جماهير في ما بات يعرف بـ«الوي كلو». سيكون من المفيد لنجل يتيم استقطاب عمال هذه الفنادق لنقابة والده، الذي يشغل منصب الكاتب العام للاتحاد الوطني للشغل، ويخوض جلسات الحوار الاجتماعي بهذه الصفة النقابية.
لكن البوكر لا يمارس في هذه المنشآت التي لا يلجها إلا الراسخون في الثراء، بل يمكن ممارسته عبر النت، كما حصل مرارا تحت قبة البرلمان حين شوهد بعد ممثلي الأمة المحترمين جدا، وهم منشغلون بلعبة البوكر الإلكتروني، ومنهم من وجدها فرصة لتدبير روتين السين والجيم وصخب التراشق بين السلطة التنفيذية والتشريعية، باللجوء إلى حاسوب صغير ينقله مباشرة إلى ملاعب الرهان الورقي، قبل أن يستفيق على عبارة «رفعت الجلسة»، فيغادر برلمانا تحول إلى باحة استراحة.
من سوء الطالع أن البرلماني الذي يتأبط حاسوبه مصنف في خانة المعارضة التي حمل ألوانها حين أصبحت المعارضة مجانية أو بريع سري، لذا لا يتردد في مصادرة نوبات الضحك التي تجتاحه حين يتذكر خطابات حملته الانتخابية ووعوده بالدفاع عن مصالح الدائرة، و«رهانه» على أن يكون ممثل الأمة وليس ممثلا للأمية.
اتصل رجل بأحد رجال الإفتاء الذين ينشطون برنامجا للدين والدنيا، وسأله عن قوله في اقتحام بيته من طرف شاحنة تقل على متنها قارورات الخمر، إثر حادثة سير تحول معها جزء من البيت إلى بركة نبيذ، وما إذا كانت للحادث مخلفات على سلوكه وعيشه.
أوقفه المفتي طالبا توضيحات، قبل أن يحسم في القضية ويطالبه بهدم البيت عن كامله وبناء منزل جديد، لتجفيف النجاسة المترتبة عن الخمور. استغرب الرجل وقال للمفتي متسائلا:
هل سيكون لك نفس الموقف لو كان البيت في ملكيتك؟
في هذه الحالة سأكتفي بطلاء الحائط الخارجي.
ساحة النقاش