المساء = جمال بدومة
«موطور المرسيديس» و«سروال الداسوكين»!
العدد :2509 - 23/10/2014
عندما فرغت من زيارة معرض «المغرب المعاصر»، الذي افتتح مؤخرا في معهد العالم العربي بباريس، قلت مع نفسي: لحسن الحظ أن عبد العزيز بوانو لم يزر المعرض وإلا حوّل انطباعاته إلى أسئلة آنية في البرلمان، وتخيلته تحت القبة وهو يرفع يديه و»يخرّج» عينيه تنديدا باللوحات التي تحتفل بالعري وبتلك التي تضع الكعبة على رأس تمثال، دون الحديث عن نادية بنسلام، الشابة التي تجولت بالنقاب و»الميني جوب» في شوارع مراكش، في «بيرفورمانس» جريئة، لا يمكن أن تمرّ بأقل من وقفة احتجاجية أمام متحف الفن المعاصر!
بعيدا عن بوانو، أو نكاية فيه، تتسم القطع المعروضة في معهد العالم العربي بالجرأة والطرافة والذكاء، ابتداء من كورميتراج «الحيط» لفوزي بنسعيدي الذي يُعرض كـ»بيرفورمانس» جنب عمل طريف ليطو برادة نشاهد فيه على شاشة صغيرة طرقا تتعبد وبنايات تتنظف وزربيات تفرش وأشجارا تزهر، بالموازاة مع مرور موكب رسمي براياته وسياراته الفارهة، مع عنوان ساخر: «دليل بستنة لفائدة الولاة ومتعهدي الحدائق»، وصولا إلى لوحات أندري الباز، الذي يصر على وضع «مدام بوفاري» في قفص، بكل ما تعنيه الجملة من معنى، في «كولاج» لا يخلو من طرافة. كما تضفي صور هشام بنوهود مسحة سوريالية على المعرض، خصوصا تلك التي التقطها في أحد الفصول الدراسية المهمشة، على طريقة الفنان البلجيكي روني ماغريت، بنكهنة مغربية، بالإضافة إلى أعمال الفنانين المكرسين، وعلى رأسهم محمد المليحي والراحل فريد بلكاهية وماحي بينبين ومنير الفاطمي وخليل الغريب... لكن أهم ما استوقفني في المعرض هو التحفة التي أشرف على إنجازها الفنان البلجيكي إيريك فان هوف مع 56 صانعا تقليديا مراكشيا، نكاية في البورجوازية المغربية. العمل عبارة عن محرك سيارة ميرسيديس في دوز، صممه الصناع التقليديون قطعة قطعة، بلمسة مغربية ساحرة، وقد سمى الفنان البلجيكي عمله» في دوز العراقي» أو « في دوزلاراكي»، تهكما على «السيارة الرياضية» التي أنجزها مصمم مغربي اسمه عبد السلام العراقي وأطلق عليها اسمه، مدعيا أنها «مائة في المائة مغربية»، علما بأن محركها مستورد من ألمانيا... اللب أجنبي والقشور مغربية. المصمم «البورجوازي»، الذي صنع ثروة محترمة عند أمراء الخليج، يفاخر بسيارته «المغربية» التي تساوي 500 مليون، مدعيا أن المحرك يستحيل صنعه في المغرب، قبل أن يرد عليه حرفيون من مراكش بأن «لا مستحيل تحت شمس المملكة»! عمل الفنان البلجيكي يعكس عبقرية شعب تحتقره نخبته، إنه رد اعتبار فني إلى الطبقات المسحوقة تحت أقدام أثرياء مدعين. العراقي أو «لاراكي» يختزل شريحة من المغاربة يحققون نجاحات زائفة باسم بلدهم، رغم أنهم يحتقرونه في العمق، ويستغلون اسمه لأسباب تتعلق بـ»الماركوتينغ». من يقولون إن المغرب لا يمكن أن ينتج محرك سيارة هم أنفسهم من يرددون أن لغته لا يمكن أن تنتج أدبا وأنها ليست «لغة علم» ولا تصلح للكتابة إلا عما هو مقدس. قبل بضعة أشهر، سمعت الكاتب فؤاد العروي في أحد اللقاءات «يشتكي» من الترجمة التي أنجزها الأستاذ إبراهيم الخطيب لمجموعته القصصية «المهبول»، ويقول إنه كان يفضل ترجمة قريبة من الدارجة كي تعكس العالم الذي تدور فيه قصصه، ذات النكهة الدكالية. لم أستطع أن أمسك نفسي وسألت بصراحة من فاز مؤخرا بجائزة «جيونو»: «مادمت منزعجا إلى هذا الحد آسي فؤاد، لماذا لا تترجم أعمالك بنفسك إلى العربية؟ أنت خريج مدرسة «الطرق والقناطر» التي لا يدخل إليها إلا الجهابذة، عمك اسمه عبد الله العروي، ولدت ودرست واشتغلت لسنوات طويلة في المغرب، نجحت في تغيير مسارك المهني أكثر من مرة، بدأت مهندسا في خريبكة وانتهيت أستاذا للأدب في أمستردام... كيف يمكن أن نصدق أنك تعلمت كتابة الشعر بالهولندية وتعجز عن ترجمة قصصك إلى العربية؟ ألا يخفي ذلك احتقارا للغة الشعب الذي تكتب عنه وللبلد الذي تربح الجوائز باسمه؟»... وبدا واضحا أن صاحب «سروال الداسوكين» فوجئ بالسؤال!
ساحة النقاش