فلاش بريس = محمد الأشهب
حدود للتوتر لا التعايش
هكذا بدأت حرب الرمال. استفزازات عسكرية على الحدود، وتوغل قوات جزائرية داخل الأراضي المغربية، وتلويح بـ «حرب ثورية على نظام رجعي» غذتها نزاعات سادت الساحة العربية وقتذاك. وما على المرء إلا أن يحذر مجاراة الاستفزازات الجزائرية التي لا تتوقف بمزيد من رباطة الجأش وضبط النفس والتحلي بالحكمة والصبر واليقظة.
الفارق شاسع بين توجهات البلدين الجارين، المغرب والجزائر. وفي الوقت الذي يمضي المغرب قدما نحو بناء مؤسسات الدولة العصرية وربح رهان الديمقراطية في ارتباطها بالتنمية المتوازنة والمتكافئة. مع ما يتطلبه الموقف من إصلاحات عميقة وجوهرية في البناء العام والسلوك الديمقراطي. تبدو الجزائر حائرة أمام استفحال مأزقها الداخلي والإقليمي. وحين تلتفت إلى حصيلتها تعود إلى العزف على أسطوانة «المخاطر» القادمة من جوارها الغربي، على رغم انكشاف شروخ اللعبة التي لم تعد تقنع أحدا.
منذ أن كانت الحدود، وهي أصل الداء في تأزيم العلاقات المغربية – الجزائرية. وبعد أن شكلت وعاء نضاليا في سبر أغوار التلاحم والتضامن والتآزر في فترات الكفاح من أجل الاستقلال، حيث امتزج الدم المغربي والجزائري في تسطير ملاحم مشرقة، مكنت من اقتلاع جذور الاستعمار الذي أراد الانفراد بالشعب الجزائري الشقيق، أغرقها نظام الحكم العسكري في البلد الجار في تناقضات مبدئية وجوهرية، جعلت المنطقة تخلف مواعد تاريخية في البناء الوحدوي. فقد تمسكت الجزائر دائما بأطروحة احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار، مع أنها تناقض مبدأ الاستقلال والتحرر من الهيمنة الأجنبية، بخاصة وأن الجزائر تعرضت لتشويه بنيانها، فيما اقتطع الاستعمار الفرنسي أراض مغربية، ضمها إلى حدود الجزائر، اعتقادا منه أنه لن يترك بلد المليون شهيد أبدا.
كان من نتاج هذا التمسك المغلوط بواقع متعسف أن الحدود بين غالبية الدول العربية والإفريقية، تحولت إلى بؤر توتر قابلة للانفجار في أي لحظة. غير أن الجزائر لم تكتف بذلك، بل تسللت إلى ذلك المفهوم، كما في «حصان طروادة» لتجعله أداة لاقتطاع أجزاء من الحدود التاريخية والقانونية للمغرب، وافتعال وإذكاء التوتر حول مسألة الوحدة الترابية. وحين ووجهت بصلابة الموقف المغربي الذي تعززه أوفاق الشرعية، عمدت إلى محاولات عدة لزعزعة الأمن والاستقرار، كما حدث في التخطيط للهجوم الإرهابي على فندق أطلس – أسني، أو من خلال توجيه مزاعم اتهامات حول إيواء المغرب نشطاء إسلاميين جزائريين، والمثال واضح في قضية «بني ونيف» التي انفجرت ولم ينقض على تسلم الملك محمد السادس مقاليد الحكم إلا بضعة أسابيع.
زادت الأمور استفحالا، عبر تسهيل تسلل وعبور أفواج المهاجرين غير الشرعيين المتحدرين من أصول إفريقية، عبر الشريط الحدودي، كما وصلت الوقاحة بالجزائر الرسمية إلى مستوى ترحيل لاجئين سوريين إلى الأراضي المغربية، من دون إغفال الدعوات المتكررة التي تزعم بضلوع المغرب في تسهيل تهريب المخدرات. مع أن الوقائع المشهودة تؤكد تورط الجزائر في تصدير مخدرات الهلوسة لإغراق الأسواق المغربية وتحطيم معنويات الشباب. ولم يقتصر الأمر على المحور الثنائي، بل تعداه في اتجاه معاكسة كافة مساعي المغرب لإحلال الوئام بين فصائل متناحرة في مالي، وجهوده المتواصلة في الحرب على الإرهاب والتطرف في مثلث الموت الذي يهدد بلدان جوار الساحل برمتها.
حادث تعرض مواطن مغربي لإطلاق الرصاص من طرف قوات الجيش الجزائري، لا ينفصل عن مجمل هذه الاستفزازات التي ترغب في جر المغرب إلى دائرة عقيمة. فهو يستنسخ جزءا من حالة النرفزة الجزائرية، يوم أقدمت سلطات هواري بومدين على طرد عشرات الآلاف من المغاربة المقيمين في الجزائر. ورحلتهم في ظروف مأساوية بعد حجز ممتلكاتهم وتفريق شمل عائلاتهم، كما أنه يلتقي ومحاولات إغراق الأراضي المغربية بأفواج المهاجرين غير الشرعيين، من دون إغفال السعي الحثيث للسلطات الجزائرية في زرع بذور الفتن والاضطرابات والقلاقل في الأقاليم الجنوبية. وتحديدا من خلال تأطير نشطاء موالين للجبهة الانفصالية.
الأكيد أن من يسخر معسكراته لتدريب المناوئين للوحدة الترابية لن تعوزه الحيل في تبرير أعماله العدوانية، كونها تنم عن مأزق حقيقي. غير أن الرد المغربي يتعين أن ينصرف إلى تعبئة وحدة الصف واليقظة، والاستمرار في البناء الديمقراطي، ذلك أن ما يغيظ الجزائر أكثر هو هذه النبرة السلمية التي يتبناها المغرب في معالجة إشكالياته. وفي الوقت الذي تزيد فيه الشواهد على قوة الاستقرار المغربي، لا يمكن انتظار أن تأتينا من الحكم الجزائري العسكري غير المزيد من «الهدايا المسمومة» التي تريد تحويل الشريط الحدودي إلى مرتع توتر، بدل أن يكون فضاء للتعايش والتساكن والتعاون.
ساحة النقاش