المساء = عبد الله الدامون
اقتصاد من تبن
العدد :2505 - 18/10/2014
خلال أيام عيد الأضحى، بدا المغرب وكأنه «واقف» على اقتصاد «الحولي» لا غير، فالأسواق ازدحمت بالأكباش، وهذه الأكباش تنقلها مئات الشاحنات، والمشترون يحملون أكباشهم على متن آلاف سيارات «هوندا» الصغيرة أو دراجات «التريبورتور».. وبين هذا وذاك نشأ اقتصادٌ كاملٌ محورُه «الحولي».. فقط لا غير.
في الأحياء الشعبية، زاول مئات الشباب والمراهقين والأطفال عملا واحدا لا غير، بيع التبن.. هكذا صار التبن ثروة وطنية، إذ ظهرت، فجأة، كميات هائلة من التبن وكأن البلاد صارت كلها أكباشا. في الأزقة والدروب، تجد خمسة شبان أو أكثر يتجمعون حول كومة تبن واحدة وينتظرون المشتري، وفي نهاية اليوم يكون الربح دراهم معدودات. باعة التبن أرادوا أن يثبتوا لأنفسهم ولغيرهم أنهم يفعلون شيئا، وأرادوا أيضا أن يمنحوا أنفسهم إحساسا بالكرامة، وهذه الكرامة منحهم إياها «الحولي».. فقط لا غير.
وفي رمضان، يتحول عدد كبير من الناس إلى مزاولة مهن رمضانية، بدءا بالغياط والطبال والنفار، وانتهاء ببيع التمور والعصير، فيبدو المغرب وكأنه لن تقوم له قائمة بدون رمضان، ثم ينتهي اقتصاد رمضان ويعود الجميع إلى قواعدهم.. شبه سالمين.
في رمضان كما في العيد الكْبير، يحاول مئات الآلاف من الشبان أن يمنحوا أنفسهم كرامة يفتقدونها طوال العام، عبر خلق مهن يحاولون من خالها إثبات ذواتهم أمام أنفسهم وأمام الآخرين، رغم أن الربح قد يكون منعدما.
في عاشوراء أو مناسبات أخرى، تنشأ الكثير من المهن المؤقتة التي يقتات من ورائها الكثير من المغاربة، وعندما تنتهي المناسبات يعودون مرة أخرى إلى وضعهم السابق، وهو وضع ما بين البطالة والعمل.. والفقر والكفاف.
في المغرب عدد لا يُحصى من الشوارع، وفي كل شارع تقف عشرات السيارات، وأيضا أشخاص جعلوا من حراسة السيارات مهنة قائمة الذات. اليوم، لو أن الحكومة أحصت حراس السيارات في البلاد لأصبنا بالذهول، لأننا قد نصل قريبا إلى وضع حارس لكل سيارة، وهناك شوارع يقتتل عليها حراس شداد غلاظ، وأحيانا يقتسمون الشارع الواحد، بل صارت هناك مناطق كاملة تحكمها «عصابات» من حراس السيارات، هم في الغالب «شمكارة» يُشبـِعون كلَّ صاحب سيارة يمنحهم درهما واحدا، فقط لا غير، بوابل من الشتائم الغليظة.
في المغرب اقتصاد آخر لا أحد يضعه في الحسبان، وهو اقتصاد التسول، إلى درجة أن متسولين كثيرين يفخرون بأنهم اشتروا أراضي وبنوا عليها منازل من وراء هذه المهنة المقيتة.
الإحصائيات الرسمية تقول إن عدد المتسولين يزيد على نصف مليون متسول، وإذا مارسنا بعض المنطق فسنجد أن عددهم يقارب المليون، وكل هؤلاء يقتاتون من جيوب أشخاص يشبهونهم، مع أن المتصدق يكون أحيانا أفقر من المتسول.
في المغرب مئات الآلاف من الناس يقتاتون من «كْتامة» وما جاورها، واقتصاد كتامة غير معترف به من طرف الدولة، بل إن الدولة تطارد صغار مزارعي الحشيش، لكنها تـُكرّم كبار أباطرة الحشيش. هكذا ينقذ اقتصاد الحشيش قطاعا عريضا من المغاربة من الفقر، ويغني كثيرين آخرين، وهو اقتصاد غير رسمي، بل محرم.
في المغرب عدد كبير من العائلات ليس لها أي فرد يشتغل أو يمارس مهنة أو نشاطا ما، لكن هذه العائلات تعيش، ليس بفضل البركة، بل بفضل ما يرسله إليها أفرادها ومعارفها في الخارج، إلى درجة أن مهاجرا واحدا في أوربا يمكنه أن يطعم عائلته هناك وعائلته في المغرب، وفوق هذا وذاك تستفيد الدولة من تحويل كميات كبيرة من العملة الصعبة، والدولة دائما مثل المنشار.. هي الرابحة في كل شيء، لأنها تطرد مواطنيها للبحث عن عمل في أصقاع القارات، ثم تستفيد منهم ماديا واجتماعيا، وفي كل صيف ترسل إليهم الكاميرات إلى الموانئ والمطارات لكي يشكرها المهاجرون.
في سبتة ومليلية يتحرك كل صباح قرابة 50 ألف شخص لجلب البضائع المهربة وتوزيعها في كل قرية ومدينة مغربية، وفي كل حركة يتركون في النقاط الحدودية كميات هائلة من أموال الرشوة، وهي رشوة شبه رسمية.
في المغرب ملايين الناس يعيشون بوسائلهم الخاصة في إطار اقتصاد هلامي غريب، بدءا ببيع التبن و»تشويط» الرؤوس في عيد الأضحى وليس انتهاء بحراسة السيارات وجلب الجبن من سبتة، حتى إننا صرنا نشك في ما إن كانت الدولة موجودة، وإذا كانت فعلا موجودة فإننا نريد أن نعرف فقط ما هو دورها؟
ساحة النقاش