فلاش بريس = عبد العزيز الرماني
«رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا»
كم مرة دعا جلالة الملك في خطبه بالبرلمان إلى تخليق العمل السياسي والبرلماني، وإلى تطهير الانتخابات، وتأهيل البرلمان. فهل نحن في حاجة للتذكير بكل الخطب الملكية التي دعت إلى اعتماد ميثاق حقيقي لأخلاقيات العمل السياسي.
وفي الميثاق دعا الملك إلى التحلي بروح الوطنية الصادقة، وإلى احترام إرادة الناخبين، وانتقد النواب الذين يعتبرون أن مقاعدهم ريعا أو إرثا خالدا إلى الأبد.
وقال الملك أيضا إن الانتخابات لا ينبغي أن تكون حلبة للمزايدات والصراعات السياسوية. .
ولقد سمع النواب أن الملك يدعو إلى إعادة الاعتبار للعمل السياسي النبيل، وإرساء ممارسة سياسية جديدة، وسمعوه يحث الفاعلين السياسيين على تحمل مسؤولياتهم كاملة ومواصلة الجهود لإنجاح الانتخابات المقبلة من خلال الالتزام بنزاهتها.
نعم سمعوا كل هذا فماذا كان جواب جماعة منهم؟
لقد جسدوا مضامين الميثاق الأخلاقي في الرفس والركل والعض والملاكمة. ولا بأس، فهم ترجموا دعوة الملك إلى عدم جعل الانتخابات حلبة للمزايدات والصراعات السياسوية، فحولوا البرلمان إلى حلبة للمبارزة والملاكمة، حتى قالت عنا قناة تلفزية مصرية: «إن البرلمان المغربي سيحقق بالعض ما لم يحققه بالعمل».
ولعل صورة الملك وهو يدعو مرارا وتكرارا أعضاء البرلمان إلى الممارسة السياسية النبيلة، فيجيبه البعض منهم بمهازل كثيرة، تذكرني بالآية الكريمة في سورة نوح: «قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً، وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً، ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً».
لقد رأت العرب في السياسة عملا لقيادة الدواب وجاء في «المحيط» و«لسان العرب»: «ساس الدواب أي راضها، ومنها ساس الراعي رَعِيَّتَه؛ أي تولى أمرها ودبرها».
لكن المفهوم الغربي للسياسة مختلف جدا إذ مفهوم «بوليس» أو «بوليتيك» منذ عهد اليونان، هو المدينة والمدنية، وهو والمواطنة والتسيير المدني. لكن البرلمان المغربي وإن كان يجسد المفهوم الديمقراطي من حيث الوسيلة فهو لا يجسده من حيث الحقيقة والفعل. هذا الكلام يمكن أن يترجمه مواطن قروي بالجملة التالية: «راه ماشي لعمامة بيضا هي اللي كترد الراس عامرعلم وحكمة»؛ ولذلك قال المغاربة في أمثالهم : «راه وخا تلبس السلهام والعمامة، غا تبقى قليل الفهامة».
رحم الله الزميل العزيز عبد الجبار السحيمي المدير السابق لجريدة «العلم» الذي قال يوما: «حمدا لله أن البرلمان لم يلوث أجواء الرباط رغم تواجده في قلب العاصمة».
قرأت يوما أنه بتاريخ 16 أبريل 1981 قام الوزير خليهنا ولد الرشيد بتوجيه صفعة قوية على خد رئيس مجلس النواب حينها الداي ولد سيدي بابا.
وقرأت عن برلماننا الجميل أن بداخله حاول برلماني عن الفريق الاستقلالي ضرب الوزير محمد الوفا، الذي كان ينتمي لنفس الحزب، إثر نشوب مشادات حول أسئلة شفوية تتعلق بالزيادات الأخيرة في الأسعار وصندوق المقاصة.
ونقلت بعض وسائل الإعلام أن الوزير الوفا نفسه قال كلاما مشينا في حق نائب برلماني، وإن الوزير الوردي نال حقه من السباب داخل قبة البرلمان من طرف جهة غير منتخبة بداخله.
وفي بداية هذا الأسبوع نقلت الصحافة أن البرلماني عبد القادر الكيحل خاطب الحكومة قائلا: «اللهم إن هذا منكر كذبتم على المواطنين، يا حكومة الكذابة»، وهو ما دفع برلماني العدالة والتنمية عبد الصمد حيكر، إلى الرد عليه «علاش أنتما كاتعرفو الله يالشفارة؟.
منذ أسبوع فقط، تحدثت في هذا الرأي عن نوع مغربي خاص من اللصوص الوطنيين، وقبله تحدثت عن نوع مغربي يمتلك شهادة «إيزو» في جودة الكذب، وهاهم من داخل نفس القبة المنتخبة يتبادلون نفس التهم.
فلمن غيرك، يا جلالة الملك، نشتكي حال برلماننا، وحال وجه الديمقراطية في المغرب؟ أحزاب مشتتة ومنكسرة، ومعارضة ضعيفة، وكراسي فارغة، وأفواه فاغرة.
دخلت امرأة على السلطان العثماني سليمان القانوني تشكو إليه رجاله الذين سرقوا مواشيها بينما كانت هي نائمة. فقال لها السلطان: وأين كنت يا امرأة؟ كان عليك أن تسهري على مواشيك عوض أن تنامي. فأجابته السيدة في الحين: «ظننتك أنت الساهر يا سيدي؛ فنمت لأستريح».
ساحة النقاش