http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

فلاش بريس= رشيد نيني

«مطايفة» حكومية

لعله من غرائب الصدف أن تناقش وزيرة التضامن والأسرة موضوع العنف مباشرة بعد نزولها إلى مسقط رأسها بمنطقة الدروة، للوقوف بجانب أخيها الذي عنف وعض شيخا في الثمانين من عمره.
وحتى قبل أن تبرد حملة بسيمة حقاوي التي اختارت لها عنوانا براقا «الناس الكبار كنز فكل دار»، جاءنا ما يكذب هذا الشعار من عائلة الوزيرة نفسها.
ويبدو أن أخ الوزيرة وزوجته يعتقدان أن حملة وزارة التضامن والأسرة لا تعنيهما في شيء، لذلك عندما مل جارهم الشيخ الذي يبلغ الثمانين من عمره، عتاب أخ الوزيرة المتكرر بسبب صوت يحدثه صنبور مياه كلما فتحه الشيخ لكي يتوضأ، وجد أسنان أخ الوزيرة بانتظاره، فعضه في يده وأحدث له جرحا عميقا، بعدما احتجزه وأشبعه شتما وسبا.
وعندما جاءت حفيدة الشيخ لكي تخلص جدها من قبضة أخ الوزيرة، تكلفت بها زوجة هذا الأخير و«ريشتها» كما ينبغي. أما عندما سمع أحد المارة استغاثة الشيخ وهب لتخليصه من قبضة أخ الوزيرة، سدد له هذا الأخير لكمات في وجهه جعلته يتراجع إلى الخلف.
وبمجرد ما سمعت الوزيرة بالواقعة، ركبت سيارة «الأودي» التابعة للمصلحة، وطارت إلى منطقة «الدروة» نواحي الدار البيضاء، حيث يوجد بيت والدتها، لكي تستطلع الأمر. 
والنتيجة أن الدرك الملكي بالدروة استمع إلى كل أطراف «المطايفة» باستثناء هشام حقاوي أخ الوزيرة، علما أنه الفاعل الرئيسي في القضية التي نتج عنها منح الضحية شهادة طبية تثبت مدة العجز في 21 يوما. فهل تدخلت الوزيرة لدى وزير العدل لكي يتم استثناء أخيها من المتابعة؟
لنعد من الدروة إلى الرباط، لكي نكتشف ماذا وقع في ندوة الاحتفال بعيد المرأة ببنك المغرب، فقضية العنف ضد المرأة ليست قضية ترف حقوقي كما يحلو للبعض وصفها، وليست قضية يمكن التلاعب بها واستغلالها سياسيا.
فقد حاولت نزهة الصقلي، الوزيرة السابقة للمرأة، والتي تركت قضايا النساء اليوم وبدأت تبحث لها عن مكان تحت الشمس، بتناولها لقضية مناهضة عقوبة الإعدام، وهي التي أعدمت الكثير من القضايا التي تهم النساء، حاولت أن تتلاعب بها عندما فتحت مكاتب ديوانها إحدى الجمعيات التي تحمل بها صفة عضوة، وأغلقت عليها لتحضر مشروع قانون أقل ما قالت في حقه الأمانة العامة للحكومة آنذاك، تحت إمرة الراحل عبد الصادق ربيع، إنه مشروع لا يليق بأن تتم برمجته، لأنه يحمل في طياته تجريم العنف واستصدار حرية الشهود إن هم رفضوا الإدلاء بشهاداتهم، ومررت تحت سطوره تجريم الاغتصاب الزوجي وشيطنة الرجل بشكل سيجعل الأسر بهذا المشروع قاب قوسين من التشتت والتفسخ، لأن «فقيهات» ذلك القانون من النساء هن من اللواتي يعتبرن الأسرة مجالا اجتماعيا «أهان المرأة المغربية» وحرمها من «كينونتها الحداثية التحررية».
وقد كنا من السباقين إلى دق ناقوس خطر السقوط في مثالب حركة نسوية ذات طابع خاص، وهو الطابع الفرنسي التحرري الذي نقف اليوم على أفوله فلسفيا ومجتمعيا. ففرنسا اليوم تجدد مشروعها الاجتماعي والمجتمعي بتغيير شروط الحياة التفردية المتفردة للنساء.
وبالتالي فمحاولات «الرفيقة» الصقلي اصطدمت بقساوسة الأمانة العامة للحكومة الذين يضبطون، وهذه هي نواة مهامهم، كل الفلتات الممكنة لمشاريع قوانين الحكومة التي تخرج عن مضامين التوازنات الاجتماعية المطلوبة، وخصوصا في مجال التشريعات ذات الطابع الاجتماعي.
مرت مياه كثيرة تحت الجسر وجاءت العدالة والتنمية لتدبير ملف المرأة والملف الشائك للعنف ضد النساء، والذي أعدت له المندوبية السامية للتخطيط بحثا لقياس مدى انتشار الظاهرة، ووقفت عند العتبة الحمراء  التي تقول إن أكثر من 68 في المائة من النساء المغربيات صرحن بكونهن ضحايا عنف بشتى أنواعه.
والواقع أن السياسة جعلت هذا الملف يركع تحت وطأة «منطق التوازنات» الحزبية للعدالة والتنمية.
وكل من شارك في تغطية اللقاء الذي دعت إليه السيدة بسيمة وزيرة المرأة في بنك المغرب، لتحتفي بعيد المرأة المغربي يوم السبت الماضي، انتظر حسب برنامج اللقاء أن يتم التوقيع على بروتوكول مهم يسمح للوزارة ووزارة العدل والدرك والأمن الوطني ووزارة الصحة، بتبادل المعلومات بين هذه الأطراف حول حالات العنف.
فالحكومة من جانبها محرجة كثيرا أنها لا تتوفر على أرقام، وهي الأرقام والإحصائيات التي تتوفر عليها اليوم مراكز الاستماع التابعة للجمعيات. وهي الأرقام ذاتها التي ستمكن هذه الجمعيات من تقديم شكاوٍ فردية وجماعية ضد الدولة تقدمها النساء ضحايا العنف لمجلس حقوق الإنسان مباشرة، إذا لم تجب الحكومة على هذه الشكاوى ولم توفر آليات المعالجة والتناول.
فالحكومة بكل بساطة وقعت على البروتوكول الاختياري المرفق للاتفاقية الدولية لمناهضة التمييز ضد المرأة، والمعروف باسم «السيداو»، بدون أن تحضر له آلياته المناسبة للمتابعة.
الغريب في الأمر، والذي لم ينتبه إليه أحد بما فيها الجمعيات التي شاركت في اللقاء، أن وزير العدل والحريات مصطفى الرميد أعطى تعليماته الصارمة بعدم المشاركة في هذا اللقاء، بل ومقاطعة عملية التوقيع على البروتوكول.
رفض الرميد التوقيع على هذا البروتوكول أثار استغراب الاتحاد الأوربي، لأن الاتحاد وفر مبلغ 45 مليون أورو لدعم برنامج «إكرام»، وفي حالة رفض وزارة العدل التوقيع فإن المبلغ سيتبخر.
والواقع أن السيد الرميد، وزير العدل والحريات، من أشرس مناهضي خروج قانون محاربة العنف ضد النساء، لأنه لا يعترف للعدالة إلا بإمكانية تناولها للعنف داخل الأسر، أما العنف الممارس على النساء خارج الأسر فلا يلقى اعترافا من سيادته، بدعوى أن المسطرة الجنائية الحالية كفيلة به.
ولكم أن تتأملوا التناقضات الجنائية الخطيرة التي تضيع ببساطة كبيرة حقوق المغتصبات في الشارع وضحايا العنف والعاملات ضحايا التحرشات والعنف الاقتصادي والجنسي، ولكم أن تبحثوا في المنظومة الجنائية، التي تمت كتابتها في الستينات من القرن الماضي، عن المقتضيات التي تحمي الطالبة والتلميذة من التحرش والمهاجرة والنادلة من الاعتداء و«التشرميل» أمام أنظار المغاربة وبشكل يومي . وللسيد الرميد أن يتأمل الخبر الذي أذاعته قناة قناة «إم بي سي»، مساء الثلاثاء الماضي، والذي مفاده أن خمسة خليجيين أبعدوا من الكويت بسبب اتهامهم بمعاكسة البنات، مع منعهم من دخول البلاد مستقبلا. والمدهش أن الأمر القضائي صادر عن محكمة بلاد تنتمي إلى دول الخليج التي لازال المغرب يرسل إليها قضاته للعمل في محاكمها. 
السيد الرميد لم يكفه الدخول في صراع مع القضاة والمحامين وسائر مهنيي قطاع العدل، لذلك قرر الدخول اليوم في «صراع تناقض سياسي» مع الحقاوي التي توجد معه في الحكومة والحزب نفسه. فالسيدة اليوم محرجة بضرورة إخراج مشروع القانون الذي طبلت له ووعدت به قبل متم السنة. وكنا نعتقد أن من يعارض المشروع هي الأمانة العامة للحكومة، غير أنها فاجأت الجميع بالتأشير عليه وبرمجته لمجالس حكومية فارطة.
وكنا اعتقدنا أن رفاق نبيل بنعبد الله، الحلفاء الشيوعيين لبنكيران، هم الذين يعارضون المشروع في كواليس الحكومة. لكننا اصطدمنا بأن العدالة والتنمية منقسمة لقسمين حول قانون العنف. وقد تم «توبيخ» الحقاوي على هرولتها المسرعة لإخراج هذا القانون، والذي يحرج الحزب كثيرا لتناوله مقتضيات جد «حداثية»، ربما ستؤجج «التوازنات المحافظة» للعلاقات بين الجنسين في البيت وفي الشارع وفي مكان العمل.
«ربيع الكرامة» الذي لا يفوت الصياح في وجه الحقاوي صباح مساء، عن تقاعسها في إخراج المشروع، ربما تناسى أصحابه أن وزارة العدل، وبالأخص شخصا مثل الرميد، هو الذي يقلم أظافر وزيرة المرأة اليوم ويقاطع مشاريعها التي لا تباركها جماعة التوحيد والإصلاح. 
وما يسري على قانون العنف يسري على قانون ربما أهم منه، لأن الدستور يشير إليه، وهو المتعلق بقانون إحداث هيئة المناصفة ومحاربة كل أشكال التمييز. فبعد أن وضعت الحقاوي مشروعها بعد مباحثات طويلة مع لجان علمية ولجان أوروبية وقطاعات حكومية، وحضرت نصا «متوازنا» إلى حد ما،  جاء السيد بنكيران والسيد باها في اجتماع مغلق للجنة الوزارية المعهود لها تنزيل مقتضيات الفصل 19 من الدستور، ليتهكما معا على مبدأ «المناصفة»، ويتهكما على المبدأ المجتمعي للرقي بوضعية المرأة المغربية ومواكبة خروجها «المشروع والدستوري والحقوقي» لسوق الشغل.
وأجاب جوابا ذكوريا محافظا بأن مكان المرأة المغربية هو البيت، كما لو كان يقطر الشمع على الحقاوي ويلمح لها أن تعود إلى «دارها»، مع بعلها الأستاذ «الدون خواني» الإخواني الذي يؤلف الكتب بالسطو على الخطب الملكية وبيعها.  
وما لا تعرفه قياديات الحركة النسائية، هو أن معركتهن مع العدالة والتنمية هي معركة سياسية بامتياز، وليست فقط قضية إقصاء من إشراك مجتمعي. ولذلك فعليهن العودة إلى أحزابهن ومؤسساتهن السياسية والنقابية، مع الكف عن الأكل من خبز «وكالات التعاون الدولي» وخبز وحلوى الدراسات وندوات الكافيار.
على الجمعويات اللواتي يدعين التقدمية والاشتراكية والليبرالية، أن يعدن لأحزابهن. أما بكائيات الوقفات أمام البرلمان فلن تزيدهن من طرف بنكيران إلا تهكما واستهزاء.
يشتكي رئيس الحكومة من الجمعيات النسائية التي نظمت وقفة أمام البرلمان احتجاجا عليه سنة 2013، وينسى أنني شخصيا تعرضت لشعارات ظالمة في وقفة احتجاجية قامت بها جمعيات نسائية ضدي أمام البرلمان سنة 2006 رفعت فيها لافتات باسمي، مع أنني لا أمارس السياسة وليست لدي مطامع في الوصول إلى السلطة.
لقد لمتم رشيد نيني في السابق واتهمتموه بأنه ضد الحركة النسائية، لكني اليوم أقف في صفكن ولو بالنصيحة، لأن قضيتكن مع بنكيران يجب أن تصفى في قنوات غير قنوات الصياح في الشارع. فمكان تدبيرها الحقيقي يوجد في هيئات أقوى من الجمعيات، وإلا سيزيد من تعنيفكن رمزيا وسياسيا.

 

المصدر: فلاش بريس= رشيد نيني
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 19 مشاهدة
نشرت فى 19 أكتوبر 2014 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

281,989