فلاش بريس= رشيد نيني
محاولة من أجل الفهم (4) «المنبوذون»
من يتأمل جيدا خرجات مولاي هشام الإعلامية، يستنتج بما لا يدع مجالا للشك أن الرجل لديه طموح جامح لتقمص دور البديل الأنسب لتسيير أمور البلاد، وأنه يعرض خدماته على القوى العظمى التي تبحث لكي تتدخل في الشأن المغربي بأي ثمن، ليكون مخلب القط الذي تمزق به أوصال البلاد.
فقد أظهر ذلك من خلال طعنه المستمر في شرعية انتقال الحكم للملك المغربي، عبر انتقاد المبدأ الدستوري الذي ينص على أحقية الابن البكر للملك بخلافة العرش، مقترحا بالمقابل إنشاء مجلس للعائلة الملكية يتكلف باختيار المرشح الأكثر كفاءة لتحمل مسؤولية الحكم.
وعندما فشلت هذه المحاولة، التي عاتبه بسببها حتى أقرب مقربيه، بوبكر الجامعي ومجموعة «لوجورنال»، حاول أن يجرب زرع البلبلة في صفوف القوات المسلحة الملكية عبر استغلاله لقضية الضابط السابق مصطفى أديب.
فقد دفع الأمير لمصطفى أديب لاتباع مبلغ 20 ألف أورو واعدا إياه بمده بـ 80 ألف أورو أخرى، لكن الأمير لم يف بوعده مما دفع أديب إلى فضح مناوراته على أعمدة مجلة «جون أفريك» شهر شتنبر 2008.
وفي إطار نفس المخطط، حاول الأمير مولاي هشام الإيحاء بوجود مجموعة من العسكريين المتمردين عن المؤسسة العسكرية، منضوين تحت ما يسمى «حركة الضباط الأحرار»، مستعدين للتحالف مع ما يسمى بـ«الديمقراطيين» المغاربة من أجل «إصلاح النظام الملكي»، وذلك باللجوء إلى مجموعة من المنابر الإعلامية الدولية والوطنية المعروفة بتحاملها على المغرب.
ومن أجل تغطية ضلوعه في هذه المؤامرة، أوعز مولاي هشام للصحفي سيمون ماليه، مدير مجلة « أفريك-أزي » الشهرية، بنشر مقال يتهم المؤسسة الملكية بالمغرب بمحاولة تصفيته جسديا عبر أجهزة مخابراتها.
مولاي هشام لم يتردد في إطلاق إشاعات تهدف إلى تشويه صورة الدولة المغربية في الخارج، كما فعل بعد مقتل المحتال هشام المنضري بإسبانيا، موحيا بضلوع السلطات المغربية في هذه القضية للحيلولة دون قيام هذا الأخير بإفشاء أسرار تلطخ سمعة المؤسسة الملكية، كما أن مولاي هشام لم يتردد في تشبيه تصفية المنضري بحالة المهدي بن بركة.
حاول مولاي هشام الإضرار بصورة المؤسسة الملكية بالمغرب عبر استغلاله العلني لقضية الإسباني دانييل كالفان، معتبرا أن هذه الحالة تكتسي خطورة قصوى على غرار أزمة جزيرة «ليلى» التي اندلعت بين المغرب وإسبانيا.
ومن أجل الانتقام لنفسه من الأجهزة الأمنية، قام مولاي هشام بفبركة مجموعة من السيناريوهات للظهور بصورة الضحية المستهدفة، مثل ذلك ادعاؤه بأن المخابرات المغربية ضالعة في محاولة توريطه في قضية ظرف «الأنتراكس»، ذلك المسحوق المشبوه الذي توصل به في 16 أكتوبر 2001، رجل الأعمال المغربي «عبد القادر لعلج» من طرف أحد أصدقاء الأمير مولاي هشام. فيما القضية هي في واقع الأمر مقلب طفولي من تدبير مولاي هشام الذي استغل حالة الرعب السائدة آنذاك المرتبطة بأحداث 11 شتنبر وبروز استعمال مسحوق «الأنتراكس» من طرف المجموعات الإرهابية، من أجل إيهام عبد القادر لعلج السابق الذكر بأنه مستهدف بسبب شراكته مع رجل الأعمال اليهودي المغربي «روبير أسراف».
ولا يتورع مولاي هشام عن استغلال بعض الأشخاص لتصفية حساباته مع الدولة المغربية عموما،والمؤسسة الملكية ورجالاتها على وجه الخصوص، كما فعل مع المدعو زكرياء المومني، الذي استفاد من عفو ملكي بعد أن قضى جزءا من عقوبة حبسية، والذي كان قد استفاد من مأذونيتين للنقل العمومي في ضاحية الدار البيضاء، دفعه جشعه إلى أن يطمع في أكثر من ذلك، وعندما فقد الأمل في الحصول على مبتغاه الذي حدده في ستة مليارات، تقدم أمام القضاء الفرنسي بشكاية ضد المدير العام للمخابرات المدنية المغربية، مدعيا أنه تم اختطافه وتعذيبه في المغرب.
تحركات زكرياء المومني وشكايته التي تقدم بها أمام القضاء الفرنسي، ونوعية المحامين الذين تنصبوا للدفاع عنه، أظهرت منذ البداية أن جهة ما تتحكم فيه وترتب له أمر الادعاءات الكاذبة، وهو ما تبين بجلاء بعد أن نشرت أسبوعية « جون أفريك» مؤخرا تفاصيل لقاء جمع الأمير مولاي هشام وعقيلته مع زكرياء المومني في مطعم «مارتا لوبار» التابع لفندق «لوفوكيت» بباريس يوم 26 /06 /2014. حدوث هذا اللقاء الذي دام حوالي نصف ساعة أكده زكرياء المومني نفسه في أحد بياناته مع تكتمه عن التفاصيل.
وخلال اللقاء المذكور، شدد الأمير مولاي هشام على رفع شكاية جديدة ضد محمد منير الماجدي، رئيس الكتابة الخاصة للملك، من أجل التهديد بالقتل، وطلب من المومني التكتم عليها لتحقيق عنصر المفاجأة على أمل إعادة تكرار سيناريو 22 فبراير 2014 ضد مدير المخابرات المدنية المغربية، والذي لم يبلغ الهدف المتوخى منه.
ولكي يظهر بمظهر الأكاديمي والباحث لا يتردد مولاي هشام في فتح دفتر شيكاته للمعاهد والجامعات الأمريكية، فقد منح هبة بقيمة 6 ملايين دولار لجامعة برينستون، من أجل إحداث مركز للأبحاث في العالم العربي والإسلامي، وهو في حقيقة الأمر مجرد واجهة لتمرير خطابات وأفكار مولاي هشام،التي يهدف من خلالها إلى الظهور في صورة المثقف المتنور والسياسي الإصلاحي، وبالتالي إعطاء مصداقية لأطروحاته المنتقدة للأوضاع بالمملكة المغربية عموما والنظام الملكي على وجه الخصوص.
وبعد ذلك أنشأ «مؤسسة مولاي هشام» وعين لجنة «علمية» تؤطر عملها، مكونة من باحثين من جنسيات مختلفة يتقاسم معهم نفس التصورات المتحاملة على الأنظمة الملكية بالعالم العربي، مع جعل مقر هذه المؤسسة بإمارة ليشتنشتاين، التي تعتبر جنة ضريبية، وذلك من أجل إخفاء التحويلات المالية المشبوهة.
واستعمل مولاي هشام هذه المؤسسة ووظفها للتنظير لأحداث الربيع العربي وسياقاته التاريخية والسوسيولوجية، مع محاولة تكريس فكرة أن موجة أخرى من هذه الاضطرابات مرشحة للحدوث في المستقبل القريب في البلدان التي لم تشملها الموجة الأولى.
هذه التخمينات «الكامونية» يحاول الأمير مولاي هشام أن يجد لها تجليات في الواقع المغربي، باتخاذه لحركة «20 فبراير» نموذجا للحركات الموعودة بالنجاح رغم فشلها لاعتبارات ذاتية وموضوعية في الوصول إلى هدفها.
بعد عدم تحقق توقعاته بحدوث انتفاضة دامية في المغرب، كما صرح بذلك شهر يناير 2011 في مجلة «لونوبيل أوبسيرباتور»، لم يتردد الأمير في التكهن بحدوث «ثورة الكمون» في المغرب مع حلول سنة 2018.
غير أن ضلوع مولاي هشام في أنشطة أخرى بعيدة كل البعد عن البحث العلمي والأكاديمي، تلقي بظلال من الشك حول نواياه الحقيقية. فعلى هامش مشاركته ضمن الفريق الأممي المكلف بعملية السلام بالكوسوفو، تورط الأمير في تهريب أسلحة قادمة من منطقة الشرق الأوسط لفائدة أحد أطراف النزاع في حرب البلقان، وهو الأمر الذي ساهم في عرقلة التوصل إلى اتفاق سلام بين الأطراف المتنازعة، وكان وراء طرده من جميع جهود الوساطة التي تقوم بها الأمم المتحدة عبر العالم.
مولاي هشام أورد في كتابه «يوميات أمير منبوذ» معطيات تشي بضلوعه في تجارة السلاح، من خلال تأكيد تعاونه مع مجموعة «أوفسيت كروب» المتمركزة بأبو ظبي والمختصة في صفقات شراء الأسلحة لفائدة دولة الأمارات العربية المتحدة، وذلك دون أن يصرح بطبيعة الحال أنه توسط بذلك في هذا النوع من التجارة التي تحصل من خلالها على عمولات مهمة.
ورغم الثروة الهائلة التي يملكها مولاي هشام، فإن هذا الأخير اختار أن لا يستثمر أمواله بالمملكة، مفضلا أن يقوم بذلك في بلدان أخرى كالتايلاند والإمارات العربية المتحدة وانجلترا، مع اللجوء لخدمات مكتب سويسري (كلارنس بيتير) يقوم، بتوجيه منه، بالمرور عبر «الجنات الضريبية»، علما بأن مولاي هشام لا يجد غضاضة في طلب قروض من مؤسسات بنكية مغربية، بفوائد تفضيلية، من أجل تمويل تلك المشاريع.
الاستثناء الوحيد في هذا المجال هو قيامه، في أواخر الثمانينات، بإنجاز مشروع سياحي أسماه «قصر الرمال» بمدينة تطوان، علما أنه التجأ بغية تحقيق ذلك إلى الاقتراض البنكي من مؤسسة «القرض العقاري والسياحي» التي لم يف بما في ذمته تجاهها، إلا بعد المشاكل التي عرفتها هذه المؤسسة البنكية وتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق فيها.
جشع مولاي هشام ظهر كذلك بعد أن قام بتسريح، دون تعويض، أكثر من 100 عامل غير مصرح بهم يشتغلون بضيعته المسماة «البورة» الكائنة بنواحي تارودانت، علما بأن المنتوجات الفلاحية لهذه الضيعة توجه للأسواق الأوربية ويتم إيداع إيراداتها المالية المهمة في حسابات بنكية خارج المملكة.
اجتهاد الأمير في تضخيم ثروته لا يوازيه إلا تماطله في أداء الواجبات العالقة بذمة شركته «ماها ديبولوبومن» لفائدة صندوق الضمان الاجتماعي، وكذلك جزء من المستحقات المترتبة عن تنقلاته عبر شركة الخطوط الملكية المغربية. بمقابل ذلك، فإن مولاي هشام لم يتحرّج شهر يونيو 2013 في وضع شكاية أمام القضاء المغربي ضد الدولة المغربية، في شخص رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد والمالية، بداعي عدم تسوية وضعية الوعاء العقاري المخصص لتوسعة مشروع «قصر الرمال» بتطوان، مطالبا بتعويضات تناهز 22 مليون درهم.
ومن أجل توفير السيولة اللازمة لمعاملاته التجارية، يحرص مولاي هشام باستمرار على الحصول على ترخيصات استثنائية لتحويل مبالغ مالية هامة بالعملة الصعبة نحو الخارج، دون أن يتردد في اللجوء إلى السوق السوداء لنفس الغرض.
ساحة النقاش