http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

فلاش بريس= رشيد نيني

حتى لا تكون مجرد حملة

الهجوم، أثناء وجود الملك بالدار البيضاء، على مقر الأمن بالحي الحسني من طرف عصابة مدججة بالسيوف، حدث على درجة كبيرة من الخطورة، لأنه يمس صورة وهيبة إحدى مؤسسات الدولة الأكثر حساسية، وهي الإدارة العامة للأمن الوطني.
لذلك لا يجب أن يمر هذا الحدث الإجرامي مرور الكرام، فالأمور وصلت حدا من التسيب والفوضى لم يعد معه الصمت ممكنا، خصوصا وأنه مباشرة بعد الهجوم المسلح على مقر الأمن تم الهجوم على حمام للنساء بالحي نفسه وبالقرب من دائرة أمنية، وبعده هجمت عصابة أخرى على مستعجلات الحي. مما يعني أن المجرمين أصبحوا يستهدفون المواطنين ورجال الأمن على السواء.
وعندما يصبح رجال السلطة والأمن مستهدفين بالإجرام، فالأمر لم يعد يحتمل الصمت، فقد بدأنا نسمع عن إطلاق الرصاص لإيقاف مجرمين اعتديا على رجلي أمن بالسلاح الأبيض في الدار البيضاء والناظور، وعن اعتقال نادل حاول ذبح رجل أمن بمراكش، وعن قائد يطلق ساقيه للريح بعدما قام مجموعة من المحتجين بمطاردته في الخميسات.
قبل أشهر عندما بلغت ظاهرة «التشرميل» أوجها، شعر عموم المواطنين بالطمأنينة وهم يشاهدون الفرق الأمنية تنزل إلى الشوارع لفرض القانون ومحاربة الجريمة التي استفحلت في الفضاءات العامة.
فلأول مرة، ومنذ زمن بعيد، شاهدنا القياد والباشاوات والعمال يغادرون مكاتبهم وينزلون إلى الشارع لكي يتتبعوا عمل الفرق الأمنية الموضوعة رهن إشارتهم.
حتى إن قائدا شابا اسمه القائد حجار، تأثر بالتربية العسكرية التي فرضها والده الجنرال عليه في البيت، أخذته الحمية والحماسة وأراد تطبيق القانون بصرامة، فزاد فيه قليلا، وتسبب، دون قصد، في انتحار أحد الشباب بسيدي بطاش. ولعل القضاء العادل والمنصف الذي يوجد بين يديه مصير هذا القائد، سيأخذ في اعتباره هذه المعطيات.
وقد كان ضروريا لكي يخرج ممثلو الأمن والسلطة إلى الفضاء العام حتى يعيدوا الأمن والطمأنينة إلى نفوس المواطنين، أن يبعث الملك رسالة واضحة وصارمة إلى المسؤولين، وبعدما كان بعض هؤلاء المسؤولين يقولون في الندوات الصحافية إن ما ينشر في الإعلام حول استفحال الإجرام ليس سوى تضخيم ومونتاج صور، صار هؤلاء يستعرضون أمام وسائل الإعلام معتقليهم وسيوفهم وخناجرهم التي يعثرون عليها بحوزتهم.
فقد اتضح الآن أن ما كنا ننشره صحيح وليس من وحي الخيال كما أراد بعض هؤلاء المسؤولين إيهام الرأي العام، لإبعاد تهمة «التقصير» عنهم. خصوصا وأن السرقة لم تعد حكرا على الأحياء الشعبية، وإنما وصلت إلى إحدى فيلات حي الأميرات الراقي بالرباط، حيث فيلا رئاسة الحكومة وفيلات علية القوم.
بمجرد مرور «الحملة» بدا أن هذه «الصحوة» الأمنية فترت، فعاد الإجرام أكثر من السابق، وها هو اليوم يستهدف مقرات الأمن نفسها.
إن ما ينتظره المغاربة اليوم ليس حملات مصورة لرجال الأمن وهم يداهمون المقاهي والبيوت بحثا عن المطلوبين للعدالة، وليس حلق رؤوس «بوزغيبة» داخل سيارات الأمن، وليس استعراض السيوف المحجوزة في محلات درب عمر.
إن ما ينتظره المغاربة هو أن تتعامل الإدارة العامة للأمن الوطني مع قضية أمن المواطنين كواجب يومي لا كحملة مؤقتة. بمعنى أن ما نراه اليوم من حملات أمنية واعتقالات في حق المطلوبين للعدالة، يجب أن يكون عملا روتينيا ودائما لدى جهاز الأمن.
لأن مأساتنا نحن المغاربة توجد في منطق «الحملة»، وهذا المنطق يجب أن ينتهي لأنه السبب في إضعاف منطق «الواجب».
بعبارة أخرى المغرب محتاج إلى مسؤولين يستطيعون أن يضعوا سياسة أمنية دقيقة وصارمة تستعيد معها الأجهزة الأمنية هيبتها التي لطخت سمعة الإدارة العامة للأمن الوطني في الفترة الأخيرة، أي منذ تعيين بوشعيب الرميل على رأس هذه الإدارة.
والواقع أنه منذ حادث إطلاق شرطي مشرع بلقصيري النار على زملائه وقتلهم، والكوارث تتوالى على جسم الأمن الوطني، إلى درجة تحولت معها صورة الشرطة إلى مرادف للحوادث المؤسفة التي يذهب ضحيتها رجال الشرطة أنفسهم، ومعها سمعة جهاز عهدت إليه الدولة بحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم.
هكذا بدأنا نسمع عن شرطي بأكادير أطلق النار على صديقته ثم على رأسه، وفي الأسبوع ذاته سمعنا عن الشرطيين اللذين أقاما «من ديتهم لراسهم» حاجزا أمنيا مزيفا بين الفنيدق وتطوان لسرقة وابتزاز المواطنين.
وفي فاس فاجأ شرطي زوجته مع عشيقها فأشهر مسدسه في وجهيهما، ولولا الجيران الذين حالوا بينه وبين زوجته وعشيقها لكان ارتكب مجزرة.
وما لبثت هذه الحوادث تهدأ حتى انفجرت فضيحة رئيس منطقة أمن القنيطرة، الذي اتهم والي أمن المدينة بالتحرش بزوجته وعراكهما معا بسبب ذلك، وتعرض رئيس أمن المنطقة للتوقيف بقرار من المدير العام للأمن الوطني.  
ولكي تكتمل «الباهية»، قرأنا أن بذلا رسمية لرجال الشرطة تباع في الجوطية بسوق لالة زهرة بالجديدة في الخردة. «هاد الشي اللي بقا، شي نهار نسمعو الفرادة والمينوطات حتى هوما كايتباعو فالجوطية».
إن ما يحدث في الإدارة العامة للأمن الوطني يحتاج إلى وقفة تأمل عميقة للبحث عن الخلل الذي أنتج كل هذه الفوضى على مستوى إخلال بعض حاملي السلاح بالاحترام الواجب للبذلة والسلاح الذي يحملون.
هل يحتاج تكوين رجال الأمن إلى المزيد من الصرامة؟
هل يجب تمديد فترة التدريب إلى سنة عوض ستة أشهر؟
هل يجب التشدد في إجراء الاختبار النفسي للمرشحين لدخول جهاز الأمن؟
هل يجب إخضاع سلطة المسؤولين الكبار في الإدارة العامة للأمن الوطني إلى المزيد من المراقبة، خصوصا مراقبة الممتلكات الشخصية وممتلكات عائلاتهم؟
هل يجب مراجعة شروط ترقية رجال الأمن والتسريع بها، وإعادة النظر في ساعات عملهم وتعويضاتهم عن الساعات الإضافية؟
كل هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات من طرف القائمين على السياسة الأمنية في البلد، لأن المغرب لا يصدر شيئا آخر أهم من الاستقرار، وإذا بدأ الشك يساور العالم الخارجي حول هذا الاستقرار، فيمكننا أن نقول وداعا للسياحة والاستثمارات الأجنبية.
والواقع أن السياحة والاستثمارات الأجنبية تعرفان تراجعا خطيرا بسبب انعدام الأمن في المدن الكبرى، وتردد اسم المغرب كبلد تستفحل فيه الجريمة وحوادث السير. وهما الآفتان اللتان تطردان السياحة والاستثمار من أي بلد حلتا به.   
في سنة 2000 كانت عائدات السياحة السنوية تصل إلى 58 مليار درهم، وفي سنة 2013، أي بعد ثلاث عشرة سنة، لم تتجاوز عائدات المغرب السنوية من السياحة سقف 59 مليار درهم، أي أن كل هذه «الهيلالا» حول السياحة ومناظراتها ورؤاها الزرقاء والحمراء، لم تفلح سوى في زيادة مليار درهم في عشر سنوات.
أما الاستثمارات الخارجية المباشرة فقد انخفضت بمعدل 4,9 في المائة خلال الأشهر الثمانية الأخيرة، مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية.
ألتقي كثيرا من الناس في الشارع والأماكن العامة، بعضهم مفزوع مما يحدث إلى درجة اتخاذه قرارا بعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، والبعض الآخر يتحدث عن قرار نهائي بمغادرة المغرب نحو أوربا أو أمريكا أو دول الخليج، حيث لا أحد يمكن أن يوقفك بسيف في باب منزلك أو ينزع من أذنك هاتفك وأنت داخل سيارتك.
المغاربة مفزوعون ومتذمرون بسبب ما يحدث في الشوارع من سرقات واعتداءات وجرائم بالأسلحة البيضاء عليهم وعلى أبنائهم، والأمن الذي ينتظرون منه حمايتهم مغلوب على أمره، فهو بدوره أصبح ضحية لهؤلاء المجرمين، وما الهجوم على مقره بالحي الحسني بالدار البيضاء سوى تجسيد لهذه «السيبة» التي أصبحنا نعيشها.
فهل سيقوم المسؤولون عن السياسة الأمنية بتدارك الأمر قبل أن تنفلت الأمور من أيديهم، أم أنهم سيطلقون حملة أخرى من حملاتهم التي تستغرق بضعة أيام ثم يعود رجال الأمن إلى مخافرهم ويعود المجرمون إلى سيوفهم وخناجرهم؟

تعليقات الزوّار

عزيز الثلاثاء, 09/30/2014 - 21:37

شكرا على هذا المقال الممتاز
أعتقد أن من بين الأسباب كذلك أن كل من هب ودب يمكنه دخول سلك الشرطة يكفي إعطاء رشوة والتي تكون دائما في حدود 5 ملايين سنتيم لذلك نجد كثير إن لم نقل جل رجال الشرطة خلال هذه السنوات الأخيرة ملابسهم أكبر منهم حيث لا يصلحون سوى أن يكونوا ديكورا يؤثت المشهد العام

 

المصدر: فلاش بريس= رشيد نيني
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 28 مشاهدة
نشرت فى 2 أكتوبر 2014 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

281,253