حرب العراق.. وماذا بعد؟
رقم ثلاثة عشر يبدو مشؤوما في بعض الأعراف، ويود معتنقو هذه المعتقدات لو أن هذا الرقم يتحول لما يبعث على التفاؤل، لكنه حين يترافق مع حلول ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي تصادف اليوم ذكراها الثالثة عشرة يصبح التوجس حاضرا. خصوصا ونحن نتابع التحضيرات الدولية لشن أكبر هجوم مرتقب ضد «دولة الخلافة الإسلامية» في العراق والشام المعروفة اختصارا بـ«داعش».
سيظل يوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2001 يوما مشهودا في التاريخ، فالقاعدة التي كان الغرب يختصرها في هدم حركة «طالبان» لتماثيل بوذا ولإشاعة ارتداء البرقع في صفوف نساء أفغانستان، وصلت لعقر دار أمريكا وصوبت أهدافها حيث ينبض قلب الاقتصاد الأمريكي، بعدما حولت اتجاه أربع طائرات صدمت ثلاث منها برجي مركز التجارة العالمي في حي مانهاتن الشهير ومقر وزارة الدفاع الأمريكية «البانتاغون»، مما أودى بحياة 2973 شخصا عدا عن آلاف المصابين.
جرحت القاعدة بزعامة أسامة بن لادن الكبرياء الأمريكي، وحبس هجومها غير المسبوق أنفاس العالم، تم إخلاء البيت الأبيض ووزارة الدفاع، ولاذ الرئيس جورج بوش إلى مخبئه في قاعدة عسكرية في نبراسكا وسط البلاد بانتظار انقشاع غيوم حرب غير تقليدية تتعرض لها أكبر قوة في العالم.
كان الرد الأمريكي قاسيا لا تزال آثاره المدمرة مستمرة إلى اليوم. تم تشكيل تحالف دولي شن الحرب على أفغانستان في أقل من شهر بعد هجمات سبتمبر وتحديدا في 7 من أكتوبر2001. كان الهدف المعلن هو العثور على أسامة بن لادن، لكن تلك المطاردة ستستمر عشر سنوات قبل أن يعلن عن مقتل زعيم القاعدة في أبوت أباد بباكستان.
لكن في الغضون، احتلت أمريكا أفغانستان، فيما اتسعت الحرب على الإرهاب مسنودة بنظرية بوش بملاحقة المنظمات الإرهابية إلى عقر البلدان التي تؤويها أو تدعمها. كانت تسخينات شن الحرب على العراق على الورق، واستغرق الأمر عامين لبدء معركة الإطاحة بصدام حسين وتفتيت دولة العراق.
بين 2001 و2014 جرت مياه كثيرة تحت الجسر، لم تعد القاعدة تنظيما، بل صارت دولة تضم أكثر من 10000 مقاتل. وفيما سعى الرئيس الأمريكي باراك أوباما لتشكيل تحالف دولي من عشر دول لمواجهة «داعش»، فإن أبو بكر البغدادي شكل بدوره تحالفا ضم شتاتا من الغاضبين واليائسين والمغامرين من العرب ومن مواطني 81 دولة غربية، هكذا فإن الحرب ضد «داعش» سيصوب فيها طيارو التحالف الدولي صواريخهم باتجاه مقاتلين يحملون جنسياتهم، هجروا حضارة الغرب لاعتناق عقيدة البغدادي.
وطالما أن نظرية بوش مستمرة، فإن ملاحقة المقاتلين تقررت حيث يتواجدون، إن في سوريا أو العراق. يبقى اللافت فقط أن العراق المعني الأول بهزم داعش التي قضمت أطرافا واسعة منه يرفض التحالف الدولي لتخليصه من هذا التنظيم. ومقابل نظرية ملاحقة الإرهابيين أينما كانوا، هناك نظرية أخرى تغذي المخاوف من التدخل الأمريكي في العراق وسوريا، ترتبط برؤية طرحها جو بادين في عام 2006 حول تقسيم العراق بين الشيعة والسنة والأكراد. وهي الرؤية التي صوت عليها مجلس الشيوخ الأمريكي بالأغلبية عاما بعد ذلك، وتتقاطع مع ما حدث في البوسنة والهرسك في أعقاب اتفاقية دايتون للسلام التي أبرمت عام 1995.
ويقول بادين إن تقسيم العراق «سيؤمن تقسيما عادلا للعائدات بين كل الأقاليم». متعهدا برعاية الولايات المتحدة لهذا المولود الجديد في معركته ضد تنظيم «دولة الخلافة»، مع أن العراق مجتمعا لم يفلح في وقف تقدم داعش، فلا يعرف كيف سيفعل ذلك وهو مقسم؟ يجيب بادين أن «الولايات المتحدة ستكون مستعدة لتقديم التأهيل وغيره من أشكال المساعدة بموجب الاتفاق الإطار الإستراتيجي للمساعدة على نجاح هذا النموذج»، وهو نفس الكلام الذي سمعناه عن تأهيل الجيش العراقي والنتيجة هي ما رأيناه من فرار الجنود العراقيين بمجرد رؤيتهم لمقاتلي داعش.
«أمهلت» أمريكا البغدادي حتى صارت له دولة، ثم أطلقت صفارة الإنذار إيذانا بانتهاء اللعبة، تماما كما فعلت مع حركة طالبان حين تركتها تنمو ثم انقضت عليها، لكن لا أفغانستان نهضت ولا العراق في وارد فعل ذلك. وحدها حسابات النفط تتحرك على قدر تحريك قطع الشطرنج في الرقعة العربية.
ساحة النقاش