محمد الأشهب
كاتب و صحفي
غياب مغاربي بين «داعش وبوكوحرام»
تغييب الاتحاد المغاربي عن اجتماع دول الجوار الليبي في القاهرة ليس بريئا. وفي مقابله أقحم الاتحاد الإفريقي بمبرر أن بعض دول الجوار مثل تشاد والنيجر والسودان ذات امتداد إفريقي. غير أن انتساب كل هذه الدول المغاربية والإفريقية والعربية إلى تجمع دول الساحل والصحراء كان في وسعه تأمين نفس الحضور وأكثر. بخاصة وأن تجمع «سين ـ صاد» سبق له في آخر اجتماع وزاري استضافته الرباط أن بحث الأزمة الليبية في جوانبها المتعلقة بتأمين الحدود وتنسيق الجهود.
في الأفق هناك قمة مرتقبة لدول الساحل، يكفي تسريع أجندتها الزمنية لضمان حضور أقوى وأكثر فعالية. فالجامعة العربية لها استحقاقات عدة، فيما الاتحاد الإفريقي بدا عاجزا عن الاضطلاع بدوره أمام تزايد الأزمات التي ليس آخرها إعلان التنظيم المتطرف «بوكوحرام» عن إقامة دولة خلافة إسلامية في شمالي نيجيريا. لذلك فمنطق الأشياء يدعم فكرة تحريك جهود بلدان الساحل والصحراء، كونها تضم أكبر عدد من الدول ذات الانتماء العربي والإفريقي، مادام تعذر الموضوع مغاربيا.
خلفيات اجتماع القاهرة تجد مبرراتها في أن مصر لها حدود مشتركة مع ليبيا، وفي الآونة الأخيرة حاولت بعض التنظيمات الليبية المسلحة الزج بها في حروب الفصائل المتناحرة. وهي من دون شك ترصد الأوضاع إلى جوارها الغربي بالمزيد من الحذر والاهتمام، لأنها لازالت تعاني من تداعيات حرب السلطة والمواجهة المفتوحة مع تنظيم الإخوان المسلمين، وقد تكون لها حسابات إستراتيجية بهذا الشأن للتضييق على نفوذ كل من قطر وتركيا اللتين تعتبرهما خصوما في معركة تثبيت الأمن والاستقرار في أرض مصر. الجزائر كذلك بحساباتها ترجح تنسيقيا مع مصر حول الشأن الليبي، منذ الزيارة الخاطفة للرئيس عبد الفتاح السيسي. بينما لا تستطيع تونس التي تعول على احتضان القمة المغاربية المؤجلة أن تغضب الجزائر، وتحرص على وضع أقدامها بعناية في حقول ألغام، على أنها الأكثر تضررا ومعاناة من مضاعفات تدهور الوضع الأمني في ليبيا، ووصل بها الأمر إلى التهديد بإغلاق حدودها.
منذ إرجاء الاجتماع الوزاري للدول المغاربية في تونس، في يوليوز الماضي بدعوى استحالة تمثيل الجانب الليبي الذي يحظى بالشرعية، بدا جليا أن هناك إصرارا على إبعاد الاتحاد المغاربي عن التعاطي والأزمة الليبية. وإذا كان مفهوما أن منظومة الشمال الإفريقي تجتاز أزمة عدم الثقة وتباين المواقف حيال أكثر من ملف وأكثر من قضية، فإن الحالة الليبية لا تسمح باستمرار هذه الخلافات، لأنها تؤثر على كل الجوار المغاربي من أقرب نقطة إلى ليبيا إلى أبعدها، إن لم يكن على مستوى التداعيات السياسية، فمن خلال تطاير شظايا التهديدات الأمنية التي وجدت في فوضى انتشار السلاح مرتعا خصبا لتنامي الصراعات التي لا تنتهي.
إن كان هذا التأثير لا يحرك الجمود الذي يجتازه الاتحاد المغاربي، بينما تشارك دول مغاربية في اجتماع بشأن الحالة الليبية، فالمسألة تؤكد وجود توجه، لا يرغب في تفعيل البناء المغاربي، ليس فقط على مستوى متطلبات العمل الوحدوي في النطاق الاقتصادي والتجاري ومجالات دعم التعاون متعدد الأطراف، فهذه أشياء باتت مستبعدة حاليا، ولكن على مستوى الغياب وعدم القيام بأي دور إقليمي في مواجهة تحديات ترتبط بوجود واستمرار دولة عضو في الاتحاد تمزقها التناحرات بين الفصائل المسلحة، كما أن عدوى الانتقال تهدد بإشعال الحرائق في مناطق أخرى. ومن لم يكن يتصور احتمال قيام الدولة الإسلامية المارقة في العراق وسوريا لن يصدمه أن النموذج في طريقه إلى التصدير، من ليبيا إلى نيجيريا.
لم يستلهم الاتحاد المغاربي دروسا مقنعة مما يحدث داخل فضائه ومن حوله، ومن غير الوارد أن يفعل ذلك، ما لم يحدث تغيير كبير في النظرة إلى هذا الكيان، هل يصبح فاعلا في مستوى الرهانات الإستراتيجية التي حتمت انبثاقه، أم يبقى مجرد حائط مبكى تلوذ إليه العواصم. تارة من خلال عرض الحصيلة السلبية لتجربة اللامغرب عربي، وتارة عبر المقارنة مع صنوه الشمالي الاتحاد الأوروبي، من دون التوصل إلى الوصفة السحرية التي تكفل إعادة انطلاق قطاره المتعثر.
في وقت سابق انكفأت العواصم المغاربية على نفسها، ولم تحرك ساكنا عندما تعرضت ليبيا العقيد الراحل معمر القذافي إلى الحصار. كان ذلك مفهوما لأن هذه العواصم لا يمكن أن تغرد خارج سرب الشرعية الدولية، غير أن الطائرات الليبية التي حجزت وقتذاك في أكثر من عاصمة، ومن بينها القاهرة، هي ذاتها التي تعرضت للخطف على يد جماعات متطرفة، وكأنما هي لعب أطفال يمكن إخفاؤها في حقائب صغيرة. الليبيون أنفسهم يطلبون إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة التدخل من أجل المساعدة في وقف إطلاق النار وإعادة الأمن والاستقرار.
لو حظي الطلب الليبي، وإن لم يصدر عن سلطة شرعية كاملة الصلاحيات بدعم مغاربي، لأمكن في أقل تقدير البدء في تقليب صفحات الأزمة الليبية، من منطلقات أكثر جدية، فثمة أطراف وازنة في المجتمع الدولي لا يمكنها أن تتجاهل مثل هذا الطلب، خصوصا بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، أي الشركاء الذين لازالوا يتوقعون إمكان تفعيل الاتحاد المغاربي. ليس فقط رأفة بدوله وشعوبه، ولكن لأن المخاطر تأتي من الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، وبعد أن كانت تقتصر على الهجرة غير الشرعية والتهريب، صارت تشمل الأسلحة والإرهاب والتطرف، لكن المغاربيين لا يفكرون بمنطق واحد ولا يتحدثون بصوت واحد.
ساحة النقاش