http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

 

 

 

محمد الأشهب

 

كاتب و صحفي

 

الاتحاد المغاربي والإرهاب

 

بين دعوة المغرب المتواصلة لإعادة فتح الحدود البرية المغلقة بينه والجزائر، وقد فاقت عامها العشرين، ولجوء مصر إلى حشد تعزيزات عسكرية على حدودها مع ليبيا، في مقابل إبداء السلطات التونسية عزمها على إغلاق حدودها الشرقية مع ليبيا لدرء مخاطر تدفق النازحين وتسلل التنظيمات الإرهابية، تقفز إشكاليات الحدود إلى الواجهة.
إنها تكون مظهرا للتعاون والتكامل، عندما يسود الأمن والاستقرار، ويتم تكريس مفهوم الاقتصاد الحدودي الذي يخلق فرص العمل ويعزز روابط التآخي بين الشعوب ويساهم في تفاعل إرادة العمل المشترك. وفي الوقت ذاته تصبح مصدرا للمخاطر واستشراء العنف والتهريب الذي يشمل البشر والسلاح والبضائع وحتى المآثر التاريخية التي تزدهر تجارتها إبان فترات الحروب والأزمات وضعف الدولة وغياب الأمن.
إذا استثنينا الحالتين، فإن أوضاع الحدود بين الدول العربية لم تكن يوما عادية، ويرجع ذلك إلى خلفيات تاريخية نجمت عن الترسيم العشوائي للحدود الذي مارسه الاستعمار بطرق وأساليب، همت زرع الألغام والإبقاء على مظاهر الحذر وغياب الثقة وإشعال الحرائق في الجسد العربي. ويصعب إيجاد علاقات بينية في هذا الإطار لا يعكر صفوها نزاع حدودي. وفي المنطقة المغاربية تحديدا زادت الأزمة استفحالا، ولم تنفع كثير من الاتفاقات المبرمة حول ترسيم الحدود وحسن الجوار في إعادة الهدوء وإنصاف أصحاب الحقوق الشرعية. نشأت خلافات بهذا الصدد بين ليبيا وتونس وبين الجزائر والمغرب وبين تونس والجزائر، دون إغفال بعض امتداداتها بين ليبيا ومصر. وكان المعول أن يذيب الاتحاد المغاربي هكذا نزاعات في إطار مشروع الوحدة والتكامل الذي يقفز على حواجز الحدود الترابية والجمركية، ويتيح قدرا أكبر من السلامة في تأمين تنقل الأشخاص والبضائع والممتلكات والاستثمارات. كونها الطريقة الأمثل لاحتواء الخلافات، وتحويل الشرائط الحدودية إلى أقطاب اقتصادية وتجارية.
كان المعول على البناء المغربي ذي الأبعاد الإستراتيجية أن يقدم صورة جديدة عن العلاقات الثنائية والمتعددة بين دول المجموعة. وإذا كانت بعض الخلافات عسيرة على الهضم فإن الإخاء الثنائي يكفل التدرج في استيعابها وتجاوزها، بالنظر إلى أهمية المصالح والمنافع المشتركة. غير أن المشاريع الكبرى ذات الطبيعة الهائلة، مثل القطار المغاربي والتكامل الاقتصادي المغاربي الذي تميزه ثروات بشرية ومادية هائلة ومتنوعة تشمل النفط والغاز والفلاحة والسياحة والخدمات ونقل الخبرات المكتسبة، توقفت عند تسطيرها ضمن مشروعات نظرية لم تعرف مجالها إلى التنفيذ.
في آخر اجتماع استضافته الرباط حول تحديات الحدود، في إطار فعاليات منظومة الساحل والصحراء أثيرت مسألة تأمين الحدود الليبية مع جيرانها العرب والأفارقة بحدة متناهية. فقد كانت المؤشرات جميعها تؤكد أن البلاد مقبلة على استشراء الانفلات، بسبب استمرار التناحر بين الفصائل المسلحة. وفي غياب وجود سلطة شرعية تنزع السلاح وتعيد الطمأنينة إلى النفوس وتدفع في اتجاه بناء شروط الانتقال الديمقراطي. والأكيد أنه خارج آفاق التنسيق المغاربي الذي يشمل بلدان الجوار العربي والإفريقي مثل مصر وتشاد والنيجر ومالي والسودان تغيب الأرضية الصلبة للانطلاق، ومن غير المفهوم كيف أن دول المنظومة المغاربية لم تحرك ساكنا إزاء تنامي المخاطر الأمنية في ليبيا والتي تهدد جوارها الطبيعي، بل في إمكانها أن تمتد أكثر في اتجاه شمال البحر المتوسط والعمق الإفريقي. ذلك أن التطورات المأساوية التي تعرفها بعض الدول العربية، كما في العراق وسوريا، لجهة سيطرة التنظيمات المتطرفة، زادت في تأزيم الأوضاع، كونها تشجع التطرف والمغالاة.
وضع الاتحاد المغاربي مسألة التصدي للحركات المتطرفة في صلب اهتماماته، عندما كانت إرهاصاتها الأولى تشمل مظاهر صراع السلطة داخل الجزائر. وأبدى قدرا كبيرا من التضامن لناحية دعم الانتقال الديمقراطي في نطاق رهان التعددية التي بدأت معالمها الأولى. لكن المنظور الأشمل الذي يطال ربط المواجهة الأمنية بتحديات إنمائية لم تبلور في صيغة عملية. وسرعان ما انهارت التجربة، عندما تبين أنها لا تستند إلى نفس الأسس والالتزامات التي حتمت قيام الاتحاد المغاربي. وتكاد الصورة السلبية التي تعكسها أوضاع الحدود المغلقة بين المغرب والجزائر تختزل كل المشهد.
كيف إذن لدول لا تقدر على مجرد إبقاء حدودها في وضع طبيعي ومعتاد، أن تنتقل إلى سرعة قصوى في بلورة أهداف البناء المغاربي؟ وكيف لمنطق نصب الحواجز أن يتماشى ومبادرات حرية التنقل والتفاعل وتبادل الخبرات والتجارب: الأكيد أن وضع الحدود بين المغرب والجزائر ليس في خطورة نظيراتها على الحدود الليبية مع جيرانها التونسيين والمصريين، والأكيد أن المخاوف الناشئة إزاء تمدد الحركات الإرهابية المسلحة يدفع إلى اتخاذ إجراءات وتدابير، فالتعاون الشامل في مواجهة هذا الانفلات وغيره يبدأ من تقوية رقابة الحدود، وليس هناك أقوى من رقابة يتولاها المواطنون المقيمون على الشرائط الحدودية، بحكم ما يجمع بينهم من أواصر المصاهرة والقربى والمعرفة المتبادلة.
إن لم يكن فتح الحدود مطلوبا لمواجهة هكذا تحديات تؤرق العالم، فلم تصلح هذه الحدود؟ كان في وسع المغاربة والجزائريين أن يقدموا نموذجا يحتدى في هذا النطاق، إلا أن الخلافات السياسية تبدو أكبر من ضرورات الانفتاح والتفاهم، أقله بالنسبة للطرف الذي يصر على إبقاء الحدود مغلقة، مع أن الإغلاق لا يسد المنافذ أمام تسلل أنواع المخاطر المختلفة.

 

المصدر: فلاش بريس = محمد الأشهب
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 28 مشاهدة
نشرت فى 9 أغسطس 2014 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

282,159