عبد الباري عطوان
رسالتان مقتضبتان واضحتان في معانيهما يمكن أن تشكلا ليس نقطة تحول في مواجهة العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة فقط، وإنما في منطقة الشرق الأوسط بأسرها من حيث تغيير معادلات القوة والضعف، وإعادة رسم خريطة المنطقة سياسيا وجغرافيا وعسكريا.
*الأولى: وجهها المجاهد محمد الضيف القائد العام لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس″، مساء الثلاثاء وكانت الأولى من نوعها وتنطوي على درجة كبيرة من الأهمية رغم كلماتها القليلة والمعبرة جدا في الوقت نفسه، لما تعكسه من موقف صلب في وجه العدوان، والاستمرار في القتال حتى انتهاء الحصار.
*الثانية: وجهها اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس، والرجل القوي في ايران، التي أشاد فيها بسلاح المقاومة، معتبرا أن أي محاولة لنزعه “هرطقة باطلة” ووهم لن يتحقق، وأوصى بتصويب “البندقية والسلاح والدم والكرامة دفاعا عن الإنسانية والإسلام الذي تختصره فلسطين”، وهدد “القتلة والمرتزقة” قائلا “إننا لن نتوارى للحظة عن الدفاع عن المقاومة، ودعمها، ودعم الشعب الفلسطيني”، وتوعد الإسرائيليين قائلا “غضب عميق سينصب جامه على رأس الصهاينة المجرمين في الوقت المناسب”.
***
عندما يقول المجاهد ضيف الذي قاد ورجاله المعركة ضد العدوان بطريقة علمية هندسية تفوق فيها على كل الرتب العسكرية العليا الزائفة والمضللة المعلقة على اكتف الجنرالات والمارشالات جنبا إلى جنب مع نياشين عريضة وهم لم يخوضوا أي حرب وان خاضوها لم ينتصروا في أي منها، طريقة مهنية وعملياتية أذهلت كل الجنرالات الإسرائيليين، وفاجأتهم بقوة حبكتها، ودقة تنفيذها، عندما يقول، لا تهدئة (ليس هدنة) إلا مع رفع كامل للحصار، فهذا يعني انه هو صاحب القرار، وان كل الوفود السياسية ولقاءاتها في هذه العاصمة أو تلك مجرد “عروض سياسية” للتلفزة فقط، وليس لها أي قيمة عمليا أكثر من ذلك، فالقادة الميدانيون الذين بنوا مدينتين واحدة فوق الأرض وأخرى تحتها، وواجهوا العدو برجولة وشجاعة هم الذين يقررون ووجبت لهم الطاعة والتنفيذ.
فعندما يتحدث المجاهد الضيف، وبصوت مموه، ودون أن يظهر وجهه على شاشات التلفزة، فانه يقدم نموذجا فريدا في تواضع القيادة، والبعد عن الأضواء والشهرة، لم تشهد الساحتان الفلسطينية والعربية مثله، فهكذا يكون الرجال الذين يحبون وطنهم، ويؤمنون بقيم العقيدة والشهامة والبطولة والكرامة، ويعملون كجنود مجهولين من اجل دحر الاحتلال وإعلاء راية الحق، ونيل الشهادة عبر اقصر الطرق.
لم يكن من قبيل الصدفة أن تتزامن كلمة المجاهد الضيف مع بث شريط مصور عن العملية الشجاعة التي نفذتها وحدة من وحدات النخبة في كتائب عز الدين القسام في مستوطنة “ناحال عوز″ شمال غزة، عبر احد الأنفاق، وتمكنوا فيها من قتل عشرة جنود إسرائيليين سمعنا صراخهم وأنينهم في خلفية الشريط يهربون مثل الأرانب المذعورة، في جيش يقول عنه قادته انه لن يقهر.
لم نشاهد كاميرا تهتز في يد مصور هذه العملية البطولية، بل شاهدنا رباطة جأش، وعزائم قوية، وتخطيط عملياتي محكم، مما يؤكد أن هناك حالة من الاستعداد لهذه الحرب جرى ترتيب كل مراحلها وعملياتها بحسابات وتخطيطات مدروسة بعناية، قبل أشهر وربما أعوام، واين في قطاع غزة المحاصر من كل الجهات لأكثر من ثماني سنوات متواصلة برا وبحرا وجوا.
رسالة اللواء سليماني التي تزامنت أيضا مع رسالة المجاهد الضيف، وأكدت وقوف ايران الكامل مع المقاومة الفلسطينية، ورفض أي نزع لسلاحها رفعت دون أدنى شك معنويات المقاومين في القطاع، مثلما أرهبت في الوقت نفسه القيادة الإسرائيلية المرتبكة أيضا، وأحرجت كل القيادات العربية الخانعة المتعجلة بلهفة للانتصار الإسرائيلي في الوقت نفسه.
ايران هي التي زودت المقاومة الفلسطينية بالخبرات الضرورية لصناعة الصواريخ، سواء تلك التي ضربت تل أبيب وحيفا ونتانيا وإيلات وديمونا، ودفعت بأربعة ملايين مستوطن إسرائيلي إلى الملاجئ، أو الأحرى (كورنيت) المضادة للدروع التي أوقفت الدبابات الإسرائيلية إلى عمق القطاع خوفا ورعبا.
سيخرج الآن بعض المتحذلقين العجزة وينتقدون هذا الموقف الإيراني ويشككون فيه ونواياه من منطلق طائفي عنصري محض ويقولون إن هذا استغلال للقضية الفلسطينية ودماء شهداء غزة، ونقول لهم لماذا لا تستغلوا الشيء نفسه وانتم تنفقون المليارات على شراء صفقات الأسلحة؟ ولا نستغرب ذلك، فهذا دينهم، فالذين فشلوا في إيصال الأموال لدفع رواتب الجوعى والمحاصرين في قطاع غزة خوفا من إسرائيل وأمريكا، ليس من حقهم إلا الصمت والخجل من أنفسهم.
فالإيرانيون، مثلما علمتنا التجارب ليس مثل أهلنا العرب، ونقولها وفي الحلق مرارة العلقم، إذا قالوا فعلو، وإذا تحالفوا، انتصروا لحلفائهم، ووقفوا إلى جانبهم، ولم يخذلوهم مطلقا، خير مثال على ما نقول هو ما يجري حاليا في سورية، ولا نتردد لحظة في إعلان اختلافنا معهم في الكثير من سياساتهم ومواقفهم، ولكن الحقيقة يجب أن تقال، والعيب فينا لأننا خذلنا قضايانا وشعوبنا، ونأمل أن يكونوا كذلك في غزة وان لا ننتظر طويلا “الوقت المناسب”.
رسالة اللواء سليماني خاصة السطر المتعلق فيها “بصب جام الغضب على رأس الصهاينة المجرمين في الوقت المناسب” هي إنذار يجب أن يؤخذ بكل الجدية، من قبل الإسرائيليين والقادة العرب معا، فالمنطقة العربية بأسرها، قد تكون على أعتاب حرب إقليمية شاملة، ربما تكون إسرائيل وحلفاؤها ابرز ضحاياها، وعلينا أن نتذكر أن “حزب الله” الذراع العسكري لإيران جاهز للتحرك، تماما مثلما تدخل في سورية لصالح النظام عندما بدأ الأخير يفقد الكثير من المعارك والأراضي في الحرب التي تخوضها المعارضة المسلحة، من اجل إسقاطه، فلولا الحليف الإيراني ودعمه المالي والعسكري ربما لما صمد النظام وغير الموقف لصالحه بالشكل الذي نراه الآن.
***
بعد هاتين الرسالتين القويتين المعبرتين عن إرادات قوية، أرى هزيمة إسرائيل وشيكة جدا، واستطيع أن أتنبأ بوقف لإطلاق النار بعد الاستجابة لكل مطالب المقاومة في رفع الحصار وفتح جميع المعابر، وإلا فان أياما حالكة السواد والدم في انتظار إسرائيل في الأسابيع والأشهر والسنوات المقبلة.
المقاومة العربية الإسلامية الفلسطينية التي خذلها العرب وجيوشهم وجنرالاتهم وإعلامهم، تقف على أبواب النصر بعد أن كسبت الحرب النفسية وفي طريقها لكسب الحرب العسكرية ومن يملك أدنى ذرة شك عليه قراءة نص الرسالتين المذكورتين، وقراءة الصحف الإسرائيلية ومقالات المحللين العسكريين والسياسيين فيها أيضا لكي يعي ما نقول.
النصر لم يعد صبر ساعة، لأنه تحقق بإذن الله بدماء الشهداء والجرحى، وعزيمة المشردين، وبطولات المقاومة ورجالها.. الرجال الرجال.
بعض التعليقات على المقال
AMEEN
Jul 30, 2014 @ 18:40:33
بكل فخر واعتزاز نضم صوتنا إلى صوتك عزيزي المناضل عبد الباري عطوان ، وان من صبر ظفر والصبر من شيم الرجال فكيف إن كانوا مثل رجال غزة ؟
محمد سلامه
Jul 30, 2014 @ 18:44:01
شتان بين آل سعود والسيسي ومواقفهم وبين إيران وحزب الله ومواقفهم والحرب دائما غربال الرجال فإما مع أو ضد وأقول الرجال
خير الدين الجزائري
Jul 30, 2014 @ 18:48:17
يا أستاذ لن يعجب الكثير من الطائفيين الحاقدين. ولهم أقول إن الدين الذي يكون النفاق أول أركانه لن يحقق لكم جنة الدنيا وﻻ جنة اﻵخرة. فطائفة المنافقين لهم الذل والخزي في الدنيا وعذاب الله في اﻵخرة. ولن تغني عنهم ملياراتهم وﻻ نفطهم وﻻ كهنتهم شيئا
عادل
Jul 30, 2014 @ 18:53:14
فالإيرانيون، مثلما علمتنا التجارب ليس مثل أهلنا العرب، ونقولها وفي الحلق مرارة العلقم، إذا قالوا فعلو، وإذا تحالفوا، انتصروا لحلفائهم، ووقفوا إلى جانبهم، ولم يخذلونهم مطلقا،
الله يحيي الرجال
أبومحمد اللاذقاني
Jul 30, 2014 @ 18:55:41
الأخ عبد الباري عطون :
حتى لو اختلفت مع القيادة السورية و لكن يجب الاعتراف بفضل سوريا بشار و حافظ الأسد على المقاومة في لبنان و في فلسطين. هذا الاعتراف بالجميل اليوم لن يقدم أو يؤخر بشيء و لكن حتى لا يقال ضاع الوفاء و و الصدق . سوريا الأسد لها فضلها على كل فلسطين هي من درب و سلح و لم يساوم .. الست أنت من كتب عن زيارة كولن باول بعد غزو العراق إلى سوريا و كان المطلوب يومها عزل المقاومة و رفض الأسد . تحية لكل فلسطين .. سنعود جسدا واحدا كمان كنا …
أبو محمود
Jul 30, 2014 @ 19:01:47
نعم وألف نعم للرجال الرجال ، والخزي والعار لصور الرجال ( الحكام العرب الخونة) وعلى رأسهم حكام مصر والسعودية – وليس شعوبهم- الذين ينتظرون بفارغ الصبر هزيمة المقاومة لا سمح الله حتى لو أبيدت غزة . ولكن نطمئنهم بأن هذه سنة الله ولن يحصلوا على دبروه من مشاطرة الكيان الإرهابي في عدوانه الإرهابي على بقعة طيبة من ارض المسلمين . لا مداراة ولا لف في الكلام في الوقت الذي ينزف فيه دم الأطهار في غزة :عباس والسيسي وحكام السعودية، شركاء في سفك الدم الفلسطيني في غزة بالدرجة الأولى ومعرفون للجميع من هم في الدرجة التي تليها .
farid dz
Jul 30, 2014 @ 19:03:00
حكمنا اسود علي شعبها، أجراء عند أمريكا وإسرائيل، وتأكد أستاذ ستقدم حكمنا المساعدة إلى إسرائيل بعد انتهاء حرب غزة
وتقدم التعازي إلى أسيادها في برقيات إلى تل أبيب على( شهداء الاحتلال). أمة عربية نفطها يضيء الكرة الأرضية ولكنه عجز أن يضيء غزة ولو لليلة واحدة ..!
لبناني
Jul 30, 2014 @ 19:04:20
نحن شيعة علي ابن أبي طالب عليه السلام لن نترك فلسطين وشعب فلسطين رغم المرارة الكبيرة…. النصر آت إنشاء الله
احمد
Jul 30, 2014 @ 19:06:02
قال عمر رضي الله عنه: من اظهر لنا خيرا واليناه علينا وان كانت سريرته خلاف ذلك ومن أظهر لنا شرا أبغضناه وإن زعم أن سريرته صالحة
أبو محمود
Jul 30, 2014 @ 19:11:46
أن يبكي ممثل الأنروا في غزة فهذا شيئا عجيب، لأنه إنسان لديه أحاسيس ومشاعر . ولكن حكام العرب لا تنطق لأنها أصنام وخشب مسندة . نعم لإيران ويحق لها كل الحق بان تتكلم لأنها قدمت الكثير الكثير، ليس بالأقوال ولكن بالأفعال.
الجزوري
Jul 30, 2014 @ 19:14:19
هذا م قلته ما قبل البارحة، هناك مفاجئات من محور المقاومة تنتظر هذه العصابة الصهيونية ودليلي على ذلك زيارة عبد اللهيان لبنان واستقباله من طرف سيد المقاومة.طلب رئيس إيران،قبل العدوان، من الجيش الإيراني على أن يكون على استعداد للحرب (إذا هم كانوا على علم بان العدوان سيقع) خطابات كل المسؤولين الإيرانيين ابتداءا من أعلى الهرم إلى أسفله موجهة للداخل والخارج، زيارة وزير خارجية قطر لطهران أردوغان ووزير خارجيته يعملون المستحيل لإيقاف هذه الحرب ليس حبا في الفلسطينيين ولكن لإرضاء شروط سيدتهم أمريكا والصهيونية،(و إلى لماذا لا تساعد المقاومين فعليا وليس قولا كما فعلت وتفعل مع التكفيريين في سوريا) الزيارة المكوكية لولي ولي عهد آل سعود إلى دول الخليج قبل أن يصله الحريق الذي يساهم فيها بطريقة مباشرة مع الكيان الصهيوني، لا يهم هذه الأنظمة سوى عروشها، فآخر همومهم عندهم هم شعوبهم ويذهب الجميع إلى المحرقة.
رضوان الشيخ
Jul 30, 2014 @ 19:17:42
تحياتي لك أخي عبد البارى
1 رحم الله شهدائنا الأبرار والشفاء لجرحانا
2 تحية للأخ المجاهد القائد المشير محمد ضيف القائد العام لكتائب القسام حفظه الله
3 سلام عليكم يا زينة الرجال انتم خير أجناد الأرض بوركت أياديكم وسدد الله رميكم .
4 أما من يتحدث أو يفكر بنزع أسلحة المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام واهم واهم.
ساحة النقاش