http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

 

 

 

محمد الأشهب

 

كاتب و صحفي

 

وهم حمائم السلام

 

غاب في الحرب العدوانية على غزة شيئان لافتان، أولهما سقوط وهم حمائم السلام داخل الكيان الإسرائيلي الذي ينحاز أكثر إلى التطرف والمغالاة والنزعة الدينية الراديكالية. وثانيهما أن هاجس التوصل لوقف إطلاق النار، على خلفية القصف الوحشي الذي طال الضحايا المدنيين، طغى على أي تصور بلد لاجتثاث أسباب الحرب واستمرار الصراع.
في الحالة الأولى عادت إسرائيل إلى أصلها كيانا استعماريا عسكريا لا يعرف غير لغة العدوان. ولم تعد أصوات دعاة السلام التي كانت تصدح في مواجهة أزمات أقل مأساوية يسمع له أي أثر. وبعد أن كانت بعض النخب ترى أن العقلية الإسرائيلية السائدة على عهد بن غوريون وموشي ديان وشامير وغولدا مايير، قد تتغير مع التطورات الديمغرافية والسياسية، تأكد من خلال تجربة السنوات الأخيرة أن المتطرفين أحكموا الطوق على السلطة، وأن ما تدعيه إسرائيل ديمقراطية تميزها عن محيطها وفق الأدبيات الدعائية. إنما حملت أعتى المتطرفين إلى واجهة الحكم.
لقائل أن يزعم أن هذا التوجه يكاد يكون شاملا، بدليل انعطاف الديمقراطيات الغربية نحو اليمين المتطرف، غير أن واقع الحال أن الواقع الاقتصادي وتأثير الأزمات المالية كان وراء التمدد اليميني في الغرب، لكنه في الواقع الإسرائيلي يتبنى سياسة أكثر عدائية لكل ما هو فلسطيني وعربي. وما من شك في أن خبراء رصد التحولات الجارية في المجتمع الإسرائيلي يدركون خلفيات هذا الانحدار، وأقربه غياب الإحساس بالأمن والاستقرار والخوف من المستقبل، فقد تراجع النفوذ الإسرائيلي في العالم منذ انهيار الحرب الباردة، وتمكنت الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف المحوري لتل أبيب من أن تصبح محاورا مقبولا للخصوم التقليدين لإسرائيل. ولا يبدو أن «غضبة» الكيان الإسرائيلي على حلفائها، وفي مقدمتها واشنطن التي فتحت جسور الحوار مع إيران، من دون الإصغاء إلى التحذيرات الإسرائيلية بعيدة عن مغامراتها الحالية في قطاع غزة، فهي تلوح بأنها وحدها، ومن دون الحاجة إلى ضوء أخضر أمريكي يمكن أن تمد ذراعها العسكري لأبعد مدى.
اشتعال جبهة غزة يراد لأهداف أكبر مما تزعم إسرائيل، فهي في النهاية ترغب في إعادة خلط الأوراق، فعلت ذلك عبر القيام بسباحة طائراتها العسكرية في أجواء بلاد الشام بلا رادع، وتعاود الكرة في قطاع غزة للدلالة على أنها قادرة على أن تذهب أبعد. وفي أقرب تحليل أن رسالتها موجهة إلى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي لازال يراهن على إحراز تقدم في وقف الحرب، من أجل أن يضم إلى إنجازاته شيئا من قبيل حلحلة أزمة الشرق الأوسط، بعد أن تعذر فعل ذلك في مناطق أخرى في العالم، مثل العراق أو أوكرانيا أو غيرها.
الشرق الأوسط الكبير ليس خطة تخشى الدول العربية مضاعفاتها المجهولة، فإسرائيل أيضا تصبح بلا دور في حال اندمجت تركيا وإيران في التصور الجديد للمنطقة غير المعزول عن تطورات هندسة الأوضاع في شمال إفريقيا. وهي إذ تصر على نزع سلاح المقاومة، إنما تلوح بأنها كفيلة بردع ما تعتبره خروجا عن الحد المرسوم لمشروع الدولة الفلسطينية التي ستكون بلا أسلحة ولا حدود ولا سقف. والأرجح أن وقف إطلاق النار كان يخضع لجانب من هذه الترتيبات، ولابد أن الانعكاسات المرتقبة لهذه الحرب سترخي بظلالها على مستقبل المنطقة، سواء على صعيد مآل المفاوضات التي كانت متعثرة قبل العدوان، أو على مستوى الآفاق المحتملة لمفهوم الفوضى الخلاقة التي لم تفعل أكثر من إطلاق العنان للأصوات المتطرفة في إسرائيل وفي أجزاء شتى من العالم العربي المترسخ.
الاجتياح الإسرائيلي لبيروت والخروج الاضطراري لمنظمة التحرير الفلسطينية خلق واقعا جديدا، لا يتمثل فقط في تشتيت الوجود الفلسطيني الذي احتاج إلى سنوات، كي يصبح له موطئ قدم للإعلان عن وجوده، بل في بروز تيار الدعوة إلى خيار السلام العادل عبر المفاوضات. وإلى اليوم لم يتحقق شيء من هذا الرهان، بسبب التعنت الإسرائيلي، لكن العالم العربي تغير كثيرا، ولم تعد تحدياته المصيرية تشمل واجهة الصراع العربي ـ الإسرائيلي الذي استنزف كل القدرات. بل ضاعت أراضي وحدود ودول وسط الذهول، وجراء نقل المعارك إلى الأرض العربية، بأسلحة أخرى وآليات أخرى ومشروعات مغايرة، تلتقي كلها عند إنهاك وإضعاف الجسد العربي الذي لم يعد قادرا على تحمل نكبات جديدة.
شعاع الأمل انطلق عبر الصمود الفلسطيني الذي لم تتوقعه إسرائيل، ذلك أنها المرة الأولى التي تحسب خسائرها من الجنود والضباط وتواجه وضعا حرجا، سيكون له انعكاسات سلبية على وضع الحكومة الإسرائيلية والتيار اليميني المتطرف. وسط هذا الشعاع ينبثق وعي جديد، ليس داخل الرأي العام العربي الذي لازال تحت تأثير الحراك، بل في أوساط الغرب عموما، فالحروب التي خاضتها إسرائيل في لبنان وقطاع غزة، كانت تنتهي إلى نوع من التهدئة، لكنها لم تصنع سلاما أو ما يشبهه، ما يرجح احتمالات تكرار المشهد المأساوي بعد سنوات أو شهور.
الأهم في كل هذه التطورات أنها أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة، ومن دون إيجاد حل يستطيع أن يصمد على الأرض ستظل المنطقة حبلى بالمفاجئات غير السارة، وسيدخل لاعبون جدد سياق الميادين.
السؤال: ماذا أعدت الدول العربية لهذه الاحتمالات، وهل ستكتفي كما في مرات سابقة بالإدانة والاستنكار والاحتجاج ! ذلك أن استغلال الوضع الحرج الذي تجتازه إسرائيل أمام نفسها وأمام مرآة العالم يشكل بصيص أمل، سيما وأنها المرة الأولى التي يحكم فيها طوق الإدانة الدولية أحكامه على عنق إسرائيل التي لا تتنفس خارج بحيرات الدم والقتل وعناد الإبادة الجماعية المحظورة شرعا وشرعيا في كل الديانات والأعراف.

 

المصدر: فلاش بريس = محمد الأشهب
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 24 مشاهدة
نشرت فى 30 يوليو 2014 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

281,220