عبد الباري عطوان
عندما يقول جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الثلاثاء أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتصل به طالبا مساعدة واشنطن من جديد للتوسط في وقف إطلاق النار في غزة، فهذا يعني انه رفع الراية البيضاء وأدرك انه لن يحقق أي انتصار، صغير أو كبير، في عدوانه الوحشي.
نتنياهو ذهب إلى “المنقذ” الأمريكي صاغرا متوسلا مستسلما، متخليا عن غروره وغطرسته، والفضل في ذلك يعود إلى أبطال قطاع غزة الذين فاجئوا العالم بأسره بإدارتهم الرائعة لهذه الحرب، وصمودهم المشرف في وجه العدوان، وصناعتهم العسكرية المتطورة، واعتمادهم على أنفسهم، ودماء شهدائهم، وإدارة الظهر لكل المتواطئين من العرب وأموالهم وترسانات أسلحتهم التي لا تستخدم إلا في قتل الشعوب.
نتنياهو الذي هدد بالأمس فقط بتوسيع هجومه البري، وأرسل طائراته الحربية المثقلة بالصواريخ والقنابل لارتكاب مجزرة راح ضحيتها عشرة أطفال شهداء أدرك انه مهزوم في هذه الحرب، فقرر الهروب وتقليص الخسائر.
اعتقد نتنياهو أن الحرب سهلة، ومثل سابقاتها، قصفا جويا مكثفا وقتل المئات من الأبرياء، ثم بعد ذلك يأتي العرب في معسكر “الاعتدال” وأدعياء الحكمة والواقعية والحرص على السلام لوقف إطلاق النار، ولكنها المرة الأولى، في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، يرفض رجال المقاومة كل عروض وقف إطلاق النار التي لا تلبي شروطهم كاملة في رفع الحصار، والتصدي للعدوان الذي استعدوا له جيدا رغم الحصار والجوع وحملات التشويه والتضليل الإعلامية المكثفة.
***
نقطة التحول الرئيسية تتمثل في هذا الالتفاف الشعبي غير المسبوق، ومن كل التوجهات، حول المقاومة، وإظهار أقوى صور الاستعداد لتقديم التضحيات والصمود في مواجهة العدوان، معززة بالتكافل الاجتماعي، والاعتماد على النفس والإيمان بالنصر.
الأنفاق ظلت وستبقى شامخة على حالها، عنوانا للإبداع والعبقرية الفلسطينية، والصواريخ ما زالت تهبط كالمطر، وستظل، على المستوطنات الإسرائيلية والمدن الفلسطينية المحتلة في تل أبيب وحيفا ويافا والقدس وعسقلان أسدود، وتهدد بإغلاق مطار تل أبيب في أي لحظة، وستكون أكثر دقة في إصابة أهدافها، وتحمل رؤوسا أكثر تدميرا.
الخوف كل الخوف من المتواطئين العرب الذين يخافون من ثقافة المقاومة أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، لكننا على ثقة أنهم سيصابون الآن، وبعد رفع نتنياهو راية الاستسلام، وطلب طوق النجاة من كيري الذي كان يسبه بالأمس، بحالة من الاكتئاب والانكسار “فبطلهم” الإسرائيلي لم يحقق طموحاتهم في القضاء على هذه الظاهرة، ونزع سلاح المقاومة، وإغراق أبناء القطاع في السلام الاقتصادي، لأنهم وبكل بساطة يجهلون هذا الشعب، ولا يعرفون عزيمته الجبارة، وحالة الاعتزاز والثقة بالنفس التي يتمتع بها.
فالوزير كيري جعلنا نضع أيدينا على قلوبنا خوفا من أن يسلب بعض العرب هذا الانتصار المشرف للمقاومة، عندما قال أن “هناك مفاوضات جديدة ستجري في القاهرة وستكون بأكملها دون أي شروط مسبقة، ولن تعرقل قدرة إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، فقاهرة اليوم ليست القاهرة التي عرفناها وأحببناها، قاهرة حرب السويس وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر.
الوسطاء العرب صمتوا طوال الأسابيع الثلاثة الماضية من عمر العدوان، انتظارا لانتصار نتنياهو، وتوقعا لرفع أهل غزة الرايات البيضاء، وعندما طال انتظارهم نطقوا، نطقوا كفرا، وبتوجيههم اللوم للضحية وتبرئة الجلاد، مثلما سمعنا على لسان الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودي الأسبق.
نتنياهو تراجع بطريقة مذلة ومهينة عندما شاهد جنوده وضباطه يتساقطون مثل الذباب في هجمات المقاومة التي خرج عليهم رجالها من تحت الأرض، وقاتلوا برجولة لم يتعود عليها هؤلاء ولم يحسبوا حسابها، ومعركة مستوطنة “نحال عوز″ شمال قطاع غزة التي اقتحمها رجال المقاومة وقتلوا عشرة من الجنود الإسرائيليين وأصابوا العشرات خير شاهد.
مهندسو معجزة الأنفاق، الذين لم يدرسوا في جامعات سانت هيرست وسانت بونيت العسكريتين أو جامعة الأمبيريال كوليدج المدنية وتخرجوا من أكاديمية الكرامة الأعرق تحت الأرض، سيعيدون بناء ما دمرته إسرائيل وطائراتها فوق الأرض، وسيفرضون شروطهم كاملة، وستكون انجازاتهم ورجولتهم هما الضمانة الوحيد لإلزام نتنياهو، هذا إذا بقي في السلطة، بتلبية شروط أو بنود أي اتفاق جديد.
***
عندما يحمل الآباء جثامين أطفالهم الطاهرة إلى مقابر الشهداء، وصادحين بالدعم للمقاومة ورجالها، ومستعدين لتقديم ما تبقى من أبنائهم فداء للوطن، فهذا شعب لا يمكن أن يهزم.
فالشرعية هي المقاومة والمقاومة هي الشرعية، وعملية التغيير بدأت، وستنطلق من مقابر الشهداء وأنفاق غزة، وبسواعد رجالها، الذين حققوا معجزة الانتصار في زمن التخاذل.
شكرا لأبطال غزة الذين غيروا كل المعادلات، وأعادوا الكرامة إلى هذه الأمة، وضربوا أروع الأمثلة في الصمود وكسر حاجز الخوف والرهبة، واثبتوا أن الإرادة القوية، والعزيمة الصادقة، والسباق نحو الشهادة، أقوى من كل طائرات أمريكا، وقبب إسرائيل الحديدة، ودبابات “الميركافا”.
نتنياهو ويعالون جرى تلقينهم أصعب الدروس، واحترقت أصابعهم في غزة، وسيحسبوا ألف حساب في المرة القادمة قبل أن يفكرا بتكرار عدوانهم مرة أخرى.
1. Said
Jul 30, 2014 @ 02:34:50
إن دماء هؤلاء الضحايا ستبقى بحول الله وصمة عار إلى يوم الدين على جبين كل الأنظمة العربية المتآمرة على شعوبها وبالأخص على هذا الشعب المظلوم. لهؤلاء الشهداء الرحمة والإجلال، والخزي والعار لكل من تآمر عليهم إلى يوم الدين.
محمد سلامه
Jul 29, 2014 @ 19:25:58
أتمنى أن يتمرغ انف السيسي ومن لف حوله من خونه ومتصهيينين بالتراب كما تمرغ أنف نتنياهو وحاشيته الإرهابية
الصبر الفلسطيني يستحق ثمرات نجاح بإذن الله رب العالمين
بسيط
Jul 29, 2014 @ 19:31:32
تحية إجلال وإكبار لإبطال المقاومة والخزي والعار لنظام واستخبارات السعودية . في الوقت الذي يدعو خامنئي إلى تسليح الفلسطينيين تقوم السعودية بلوم المقاومة . حان الوقت لكشف الأعداء ونبذهم وللمزيد من التعاون مع الأصدقاء.
selim
Jul 29, 2014 @ 19:32:07
صحيح اللي قال: حرروا الحرية وهي تقوم بالباقي . عمري لم اشكك برجولة شعب فلسطين وأبناء غزة هاشم بالذات ولو للحظة . وارفض تحميل الفلسطينية ضياع فلسطين! كلام العاجز! خسارتنا في الأرواح والدماء الزكية الغالية تعصر قلبي ولم اشعر بمتعة مباريات كأس العالم وحلاوة رمضان وفرحة العيد. الله ينصرهم ويصبرهم ويشفي جرحاهم. آمين يا رب العالمين. بعرف أن التعاطف مهم ولكن يا حبذا لو اعمل شيء غيرة. انأ مستحي منكم إخوتي اهل غزة.
د. رمزي العبادي
Jul 29, 2014 @ 19:33:19
بارك الله بالمقاومة التي أعادت الكرامة للأمة العربية. بارك الله بالجبهات المساندة الأخرى ورجال آخرين يكتبوا بالصحافة.
اشعر بالغز والفخار ويا ليت أني فلسطيني لكي أكون اقرب للنصر من كوني عربي
شلاش
Jul 30, 2014 @ 05:30:23
أخي العبادي كلنا فلسطينيون لأننا أحرار وليس عبيد. أهلا بك بفلسطين رمز النضال.
ساحة النقاش