هاجر أعليلة
صحفية
كلُّنا «ناتن ـ ياهو!»
تنتابُني ميول إجرامية حين أسمع بعض الشّعارات الغبيّة التي تتخلّل مظاهرات التضامن مع فلسطين، يصرخون بحميّة «لن نركع أبدا لن نركع»، و يهتفون «غزة لن تموت ستظل صامدة»، والبعض منهم يردّدون: «قادمون قادمون !
«إيه أكيد غزّة ستظل صامدة لكن ليس بتزكياتنا، بل لأنّها استوعبت أنّ الحلبة لا تستوعب أكثر من طرفين، ولأن الطّرف الثالث حكم غير عادل، ولأنّ المتفرّجين ينطبق عليهم بشقّ السيكولوجيا السياسية، وصف عبد الله القصيمي «العرب ظاهرة صوتية»، ولأنّنا أثبتنا غير ما مرّة أنّنا من فصيلة الرّاكعين وبغضّ النظر إن كان ركوعا تعبّديا أو مولويّا أو لأصحاب الحال !
فحكوماتنا المرضيُّ عنها تحتلّ الصدارة في الإدانة والتنديد، وقبل أيّام فقط اجتمع بشكل استثنائي مجلس«مهزلة الدول العربية»، وقرّر بصفاقة أن الوضع خطير وأنه يُدين العدوان الإسرائيليّ، وعاد بعدها كلّ وزير إلى بيته بعد أن أدّى واجبه «الوطني»، متناسيا أنّ الإدانة لعبة شاخت دلالاتها وما عادت تحتاج منصّة أو ميكروفونا !
فعوض أن تُفعّل لجنة المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل بجامعة الدول العربية المنشأة منذ 1951، فحكوماتنا التي عوّدتنا بسماحتها السياسية الرخوة، لا تزال بعيدة عن اتخاذ قرارات محوريّة فاصلة، فهي لا تقاطع، وإن حصل ودعت إلى المقاطعة يوما، فإنها تدعو لمقاطعة «دانون» حين تضاف إليه بعض السنتيمات! وحين يثار خيار المقاطعة كحلّ استراتيجيّ تستبخسهُ دُمى المجتمع الدّولي، متناسية كفاءته في النموذج الياباني بعد الحرب العالمية الثانية، والنموذج الهندي للحكيم غاندي الذي قدّس به فلسفة «الساتياغراها» والنموذج الحالي لأردوغان الذي رفعه في وجه إسرائيل وصفع به باقي الدّول المخصيّة من الإنسانية ..
و الحقيقة أن إقرار المقاطعة سيظلّ خيالا علميا، منذ أن استمرّت الدّول العربية بتصدير نفطها وماء وجهها، رغم اعتماد أمريكا منذ أكثر من ست سنوات لمحطات بنزين أسمتها «وقود خال من الإرهاب»، والتي اعتبر الصهيوني «كوفمان» أنها من أجل أمريكيين لا يشرّفهم دفع أموالهم للإرهاب !
فشروط تحقّق المقاطعة للأسف منعدمة، مادام العرب والمسلمون ليسوا يدا واحدة، ومن الصعب الحلم بأنهم يفكرون في ذلك بالأعوام القادمة. وكما قال المشاكس أنس الحيوني: «أقنعوني أن العرب إخوة وأنا سأقنع البغل أن الفراولة ألذ من التبن»!
لذلك فالحقيقة التي لا نريد أن نبتلعها، والتي تلتصق بالحلق كحراشف سمك الإربيان، هي أننا على هذه الحال لسنا نحن من سيُحرّر فلسطين، وأظنّ أنّ عملاق علم المستقبليات الدكتور المنجرة رحمه الله، قد تنبّأ بذلك حين قال في محاضرة له بفاس سنة 1976، إن العرب ليسوا من سيهزم إسرائيل ولكن اليهود ستقع لهم صراعات داخلية في ما بينهم بعد سنة 2020.
وفي الختم ..، صحيح أنّ مشاعرنا وقلوبنا تلهج بأنّنا كلّنا فلسطين.. لكن صمتنا وشللنا يُنطقنا غصبا: «كلُّنا ناتن- ياهو !».
ساحة النقاش