جزيرة الكنز
تحد كبير ذلك الذي رفعه تاجر الفرماج والمنشط السابق في إحدى الحانات بالرباط، سليم الشيخ، في وجه دفاتر تحملات الوزير بوصندالة.
فقد أبرم سليم الشيخ، المدير العام لشركة «صورياد دوزيم»، صفقة مع «فيديو راما» لصاحبها مولاي أحمد البلغيثي، بلغت قيمتها مليارا و600 مليون سنتيم، أي 16 مليون درهم، لتصوير ثماني حلقات بمبلغ 200 مليون سنتيم للحلقة الواحدة من البرنامج الفرنسي «fort Boyard»، الذي اشترت حقوقه شركة «فيديو راما» ستعرضها القناة الثانية خلال الدخول القادم، وذلك في صفقة لم يلجأ فيها سليم الشيخ إلى الإعلان عن طلب العروض الذي تنص عليه دفاتر تحملات الوزير مصطفى الخلفي.
قد يحاول سليم الشيخ أن يبرر عدم إعلانه طلبات العروض للعموم بادعائه بأن تلفزته لن تمول هذا المشروع من ميزانيتها الخاصة، حيث ستلجأ «فيديو راما» إلى الاحتضان الإشهاري لتمويله. لكن، ورغم ذلك، فالصفقة المذكورة تثير سؤالين على الأقل، أولهما كيف لشركة مولاي أحمد البلغيثي أن تفوز بهذه الصفقة، وهي ممنوعة بحكم القانون حتى من المشاركة في أي طلب عرض وذلك بسبب عدم تأديتها للضرائب المتراكمة في ذمتها منذ عدة سنين، فإدارة الضرائب تطالب اليوم شركة البلغيثي بتأدية متأخرات بلغت قيمتها 800 مليون درهم (80 مليار سنتيم) حسب الإدارة، والقضية معروضة أمام أنظار القضاء.
أما السؤال الثاني فهو كيف ولماذا قبل سليم الشيخ بقيمة هذه الصفقة باهظة الثمن، وهو يعلم بدون شك أن الشركة الفرنسية صاحبة الحقوق عن البرنامج سبق لها وأن عرضت على شركتين مغربيتين نفس البرنامج ورفضتاه بسعر لا يتعدى 40 مليون سنتيم للحلقة الواحدة، عوض 200 مليون التي اشترت بها شركة البلغيثي حقوق استغلال فكرة البرنامج، أي بما مجموعه 320 مليون سنتيم للحلقات الثماني، عوض المليار و600 مليون سنتيم الذي فازت به شركة البلغيثي.
وإذا لم يصدقنا الوزير بوصندالة، فما عليه سوى أن يسأل مولاي أحمد البلغيثي، فهو يعرفه وقد عينه ضمن أعضاء اللجنة التي عهد إليها اختيار المرشحين لمنصب مدير المعهد الوطني للسينما الذي فاز به السيد بلغوات المقرب من الوزير.
وقريبا من سليم الشيخ، هناك اليوم في القناة الثانية عاصفة تلوح في الأفق بعدما دخلت مديرة الأخبار في صراع مع بعض الصحافيين ومقدمي الأخبار. منهم من قدم استقالته ومنهم من ينتظر.
ولا شك أن قيادات العدالة والتنمية لن تنسى أبدا تلك التصريحات النارية التي أطلقتها تجاههم «سميرة سيطايل» غداة أحداث 16 ماي الإرهابية، بمناسبة استضافتها على قناة فرنسية بصفتها مديرة أخبار قناة « دوزيم »،والتي سخرت منهم خلالها، واصفة إياهم بالقطار الذي لا يتم الحديث عنه إلا لأنه يصل متأخرا، واتهمتهم بتبني العنف وبالضلوع في تلك الأحداث، مصممة على وجوب محاربتهم.
سيطايل كانت حاضرة حينها إلى جانب صديقها «جمال الدبوز»، كممثلين نموذجيين لجيل أبناء الجالية المغربية في المهجر ممن نجحوا في الاندماج الكامل في المجتمع الفرنسي، ولم تتوان عن القبول بتشبيه حزب العدالة والتنمية بحزب جون ماري لوبين العنصري لتقريب الصورة للجمهور الفرنسي المخاطب، متحملة المسؤولية الشخصية بصفتها مديرة الأخبار بقناة «دوزيم»، في منع الحزب الإسلامي من المرور عبر قناتها التلفزية، على خلاف ما قامت به تجاه «الأحزاب التقدمية»، التي منحتها حق التعبير عن إدانتها لتلك الأحداث الدامية.
في تلك الأثناء كان خليل الهاشمي مدير نشر لجريدة «أوجوردوي لوماروك»، وقد انضم إلى الجوقة وطالب بحل حزب العدالة والتنمية، اليوم ربى الهامشي لحية بيضاء وأصبح يصلي بخشوع خلف مصطفى الخلفي وزير الاتصال، فسبحان مبدل الأحوال.
ولكن ما لا يعرفه كثيرون هو أنه في الوقت الذي بادرت فيه سميرة سيطايل إلى توجيه مدفعيتها صوب صدور البيجيديين، الذين كانوا أقرب آنذاك إلى البوجاديين، والذين كانوا محاصرين من كل جانب ومهددين بالاعتقال أو بحل حزبهم، كان أخو سميرة، عبر الرزاق سيطايل، يسجل شعار « ماتقيش بلادي » كعلامة تجارية، لدى مكتب الملكية الصناعية، من أجل ضمان احتكارها واستغلالها كملكية خاصة به.
فقد بادر عبد الرزاق سيطايل يوم 25 ماي 2003،إلى إيداع شعار«ماتقيش بلادي»والذي يتوسط تلك الخميسة السحرية الحمراء المحاطة بشريط أخضر،وتسجيله تحت عدد 26893 ليكون هذا الشعار محميا كعلامة تجارية تمنح لصاحبها حق الاستئثار بمنافعه واستغلاله واستعماله والتصرف فيه، كما يتصرف المالك في ملكه، وهو الشعار الذي سيتحول في ما بعد إلى رمز لحركة «ما تقيش بلادي» التي يقال إنها تضم أزيد من 100 ألف عضو دون أن يعلم عنهم أحد شيئا، والتي دخلت في ما بعد في تنسيق مع الطريقة البوتشيشية القادرية خلال حملة الاستفتاء على الدستور، ولا ندري إن كان شعار « ماتقيش بلادي » الذي تم استعماله آنذاك ولا يزال يستعمل على نطاق واسع عبر مختلف وسائل الإعلام وعبر اللوحات الاشهارية،قد عاد بالنفع المادي على صاحبه أم لا، ولكننا نسجل للرجل سرعة البديهة التي جعلته يبدع شعارا معبرا وناجحا في ظرف وجيز، ويسجله في أقل من عشرة أيام على الفاجعة، لحمايته من القرصنة.
والذين لا يعرفون عبد الرزاق سيطايل، لا يمكنهم أن يعرفوا أخته سميرة، إذ يعتقد البعض أن سميرة سيطايل تستمد قوتها من زواجها بالسيد سمير الدهر،الذي كان قنصلا للمغرب في مدينة بوردو الفرنسية،قبل أن يصبح سفيرا للمغرب لدى مملكتي بلجيكا ولوكسمبورغ،في حين أن موقع عبد الرزاق أهم بكثير باعتباره رجل الاستراتيجيات الكبرى،ولهذا السبب فقد أسس شركة «تيلي سترايتجي المحدودة» ببريطانيا قبل أن يقوم بتصفيتها ونقل أنشطتها إلى المغرب عبر تأسيس شركتين بالدار البيضاء هما «تيليستراتيجي» بزنقة أبي العباس المقري و«تيليستراتيجي وشركاؤه» بزنقة تحمل اسم الشاعر أحمد بركات، كما يمتلك عبد الرزاق أغلبية أسهم مجموعة « ليزافريك إيديسيون وكومينيكاسيون» مجهولة الاسم الكائنة بجنيف بسويسرا، والتي تتوفر على فرع لها بباريس وفرع آخر بشارع الزرقطوني بالدار البيضاء، وهما الفرعان اللذان يعملان بشكل مستقل في شكل شركتين ذاتي المسؤولية المحدودة.
ولأن عبد الرزاق رجل عابر للقارات فإنه لم يفته أن يضع بعض استثماراته بمملكة لوكسمبورغ، التي يتولى صهره سمير الدهر مهام سفير المغرب بها، حيث أسس هناك شركة باسم «لوجيميد أنفستمنت وشركاؤه» ذات المسؤولية المحدودة، والتي يشترك فيها مع شركة غامضة باسم «باليستر هولدينغ المحدودة» الكائنة بجنة الجزر العذراء البريطانية.
ويبدو أن مهنة الصحافة وصناعة الخبر بالنسبة إلى عائلة سيطايل هي صناعة أسرية بامتياز فالسيدة ياسمينة سيطايل أخت سميرة وعبد الرزاق تتوفر بدورها على شركة للتواصل والعلاقات العامة باسم «بيبل روليشن بيبليك أند ميديا» التي وطنتها عند شركتها الخاصة بالشوكولا المسماة «لو بار للشوكولا» بزنقة عين تاوجطات بالدار البيضاء دائما، علما أن للشوكولا دورا كبيرا في تحسين العلاقات العامة في إطار ما يمكن تسميته سياسة «حلي باش تولي»، فكثير من الإدارات العمومية والشركات الكبرى تخصص ميزانيات ضخمة لاقتناء الشوكولا لإهدائها في المناسبات. أما السيدة أمال سيطايل فقد وجدت لها مكانا كرئيسة تحرير لمؤسسة ريزيرفزار برود reservoir prod
لذلك فقد كان من الطبيعي بعد أن تولى عبد الإله بنكيران رئاسة الحكومة أن تشعر سميرة سيطايل بالتوجس،وأن تتحسس رأسها منتظرة الوقت الذي ستطير فيه من منصبها، فيما لو استعمل رئيس الحكومة صلاحياته النظرية، غير أن التنازلات الإستراتيجية لبنكيران، والتسرع التكتيكي لمصطفى الخلفي قدما لها خدمة العمر عندما بادرا إلى طرح دفاتر تحملات حبلى بالكثير من التوجهات الفكرية لحزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، وتثير مخاوف أكثر من جهة، لتقدم سيطايل، التي لم يعد لديها ما تخسره، نفسها كمدافع شرس عن تيار الحداثة داخل الفضاء السمعي البصري وتقف في وجه الخلفي وتياره الرجعي، بشكل دفع نبيل بنعبد الله الحليف التقدمي وصديق العائلة، إلى التطوع لإدخال التعديلات المرجوة على تلك الدفاتر، ومنذ ذلك الحين لم نعد نسمع أي شيء عن الصراع الخفي بين سيطايل وتيارها وبين الإسلاميين التي لا تخفي كرهها لهم وخوفها على بلادها منهم، إذ ستعود سيطايل في خطوة إستراتيجية مدروسة لتهاجم رئيس الحكومة وتتهمه بالتحرش بها، وتنتقل من شعار «ما تقيش بلادي» إلى شعار «حدك تما»، من خلال الحضور في وقفة أمام البرلمان على خلفية الاحتجاج ضد تصريحات لبنكيران وصف فيها النساء بالثريات، محاولة العزف على أوتار حقوق المرأة، التي يهددها بنكيران بإرجاعها إلى البيت، وإلى المطبخ على وجه التحديد.
ساحة النقاش