الناصح المغفل
أطل علينا رئيس الحكومة من الموقع الإلكتروني لحزبه بحوار قصير صوب فيه سهامه نحو الصحافة تحت ذريعة النصح. واجتهد في إعطاء الدروس للصحافيين لكي ينجحوا في مهمتهم ويحافظوا على مصداقيتهم. وفي الوقت ذاته كان وزيره في الاتصال يوزع مشروع قانون الصحافة الجديد على المهتمين بالقطاع، حيث يقترح الوزير غرامات على كل من ينشر إعلانات لترويج التبغ، متغافلا في الوقت ذاته عن تخصيص غرامات لمن ينشرون إعلانات الخمور. لكن يبدو أن وزير الاتصال، الذي ودع عهد «صندالة الصبع» واستطاب الإفطار الرمضاني في فندق «أونفتريت» و«نادي اليخوت» بعدما كان يزاحم طلبة الكومبيس على السندويتشات، قد طبع علاقته بالخمور ولم يعد يزعجه الجلوس في الأماكن التي تقدمها لزبائنها، إلى درجة أنه نسي تخصيص غرامات لناشري إعلاناتها في الصحف والمجالات الملونة التي يمنحها الدعم السنوي من أموال دافعي الضرائب.
وقبل أن يشرع رئيس الحكومة في توزيع نصائحه، اعترف بأنهم في حزب العدالة والتنمية فشلوا إعلاميا ولم يستطيعوا أن يحققوا النجاح الذي حققته الصحافة المستقلة.
هنا نطرح سؤالا بسيطا، كيف لشخص فاشل إعلاميا أن يقدم النصائح للمقاولات الإعلامية الناجحة؟ أليس من الأولى أن يوفر نصائحه لصحافة حزبه على اعتبار أنها الأولى بالنصيحة؟
ولقد كنا سنحسب خرجة رئيس الحكومة الجديدة ضد الصحافة والصحافيين الذين اتهمهم بقبض الأموال من جهات لم يسمها من أجل مهاجمته، مجرد نوبة «سخانة» عابرة من تلك النوبات التي تلم بسعادته بين وقت وآخر، إلا أن خروج وزيرة التضامن والأسرة بحوار في جريدة التجديد لسان حركة التوحيد والإصلاح الذراع الدعوي للحزب الحاكم، جعلنا نشك في أن الأمر يتعلق بحملة منظمة ضد الصحافة التي ترفض الخضوع لبنكيران وحزبه.
ولعل أغرب تصريح سمعته من فم وزير، هو ذلك الذي قالته مدام حقاوي عندما سألتها الصحيفة عن سبب إحجامها عن اللجوء إلى القضاء ضد من تتهمهم بنشر أخبار زائفة حولها والمس بعرضها وشرفها،إن هناك قضايا ترفعها إلى المحكمة الإلهية،ومنها قضية اتهام شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، لزوجها بالتحرش بطالبات في كلية المحمدية.
وهذه أول مرة تعلق فيها سعادة الوزيرة على اتهام ثقيل من هذا النوع معاتبة كاتب هذا العمود على تطرقه له في أكثر من مناسبة.
أنا كصحافي لم أفعل سوى واجبي، فعندما أسمع أمينا عاما لحزب سياسي يتهم زوج وزيرة مكلفة بإعداد قانون ضد التحرش الجنسي بممارسة التحرش ضد بعض الطالبات، فإنني أعتبر أن ما قيل خبر يستحق الاهتمام.
وما كان على الوزيرة القيام به دفاعا عن عرضها، هو أن تلجأ هي وزوجها إلى القضاء ضد شباط لحمله على تقديم أدلته التي تبرر اتهامه الخطير هذا.
أما الصمت طوال كل هذه المدة والخروج اليوم للقول إن الوزيرة قررت اللجوء إلى المحكمة الإلهية، فليس سوى هروب من مواجهة الاتهام أمام محاكم الرميد.
اهتمامنا بوزارة مدام حقاوي ليس نابعا من طيش إعلامي، بل لأن ملف التضامن والتنمية الاجتماعية هو ملف على كل صحافي نبيه أن يتتبعه عن كثب، لأنه ملف اجتماعي بامتياز من حيث الاختصاصات الموكولة ويهم شرائح اجتماعية واسعة ننتمي لها جميعا، وكذلك لأن الوزيرة المشرفة عليه كانت في وقت سابق وهي نائبة برلمانية معارضة تفتح فمها بشكل كبير وتصول وتجول بالبرلمان «مشرملة» الجميع لأنها تحمل حسب ما تتضمنه مرافعاتها، لسياسة اجتماعية «بديلة»، لكن ما «بدلته» عند وصولوها إلى الوزارة، هو جلبابها وفولارها القديم بجلباب وفولار جديد من آخر صيحات الموضة التركية والباريسية.
فمنذ سنتين تقريبا وعدت السيدة الوزيرة في مخطط عملها 2012 - 2016 بوضع برنامج هام وتوفير الخطوط المالية اللازمة لإطلاقه، وهو برنامج التدخل الاجتماعي في الكوارث الطبيعية. وها نحن أمام كارثة «بوركون»، لم تتجرأ الوزيرة حتى على فتح فمها بأي تعليق ولو بسيط ولم تتجرأ حتى ولو على إطلاق تدخل تضامني مع المنكوبين. وقد سبق لمجموعة من النواب بالبرلمان أن نبهوها منذ سنتين لصعوبة تنفيذ هذا النوع من الوعود، وخصوصا رفاقها في التقدم والاشتراكية، لأن التدخل في الكوارث يستوجب اللوجيستيك الكامل والخبرة الكاملة، وهي التي ظنت أنه بمجرد أن تقدم الخبز للمنكوبين تكون قد أطلقت برنامجا ضد الكوارث، لكنها تعصبت لأحلام اليقظة التي تصيب كل وزير جديد.
اليوم لا أثر لهذا البرنامج، لا أثر لوزارة التضامن في هذا الشهر الفضيل، كنا نعيب على الرفيقة نزهة الصقلي كثيرا لمواقفها «قليلة التدين»، لكنها على الأقل جعلت من رمضان الأبرك شهرا للتضامن مع كل نزلاء الخيريات ودور المسنين، من خلال تنظيم سلسلة من «الإفطار الجماعي التضامني» وشربت الحريرة مرارا مع هذه الفئات الهشة.
وزارة حقاوي اليوم منكوبة تحت حصار الفساد وسوء التدبير. أفرغت، ولا أدري من أفتى عليها ذلك، وزارتها من طاقم كبير من المسؤولين وأفرغت جهازا حساسا في وزارتها هو مديرية الميزانية والشؤون العامة. وتصوروا وزارة من دون مدير في الميزانية ومن دون قسم في الموارد والشؤون العامة ومن دون مصلحة في تدبير الصفقات العمومية.
إنها كارثة حقيقية حلت بالوزارة، وسائل العمل البسيطة مفقودة، لا أوراق، والبنية اللوجيستيكية مهترئة وعاطلة، والموظفون يكتفون بالعمل من خلال الإيميل email حتى إن مراسلات إدارية تحولت إلى SMS عبر الهواتف، وتصوروا معي تدبيرا إداريا لم يعد يحترم أدنى شروط الإدارة بحيث أصبح Google و Gmail هو رئيس الإدارة الفعلي وليست الوزيرة. وعندما سارعت إلى طرد رئيسة قسم الميزانية بدعوى عدم كفاءتها سلمتها أسبوعا بعد ذلك وسام استحقاق ملكي أمام اندهاش البعض وازدراء البعض الآخر.
وبعد تركيز كل التفويضات لكاتبها العام دخل هذا الأخير في عزلة وظيفية يباشر الصغيرة والكبيرة ويوقع على كل المراسلات والشواهد وكل الوثائق وكل الطلبيات والإرساليات.
وهو شطط تمت ممارسته عليه لأن هذه الأمور لا تدخل في ركن اختصاصه إطلاقا وهو إن تجرأ على الذهاب للمحكمة الإدارية لاسترجاع اختصاصاته ككاتب عام لربحها بالأكيد. هذه الوضعية خلقت وضعية «الراحة والسياحة» عند باقي المديريات، مادام الكاتب العام مدير كل المديرات. والأنكى أن هذه الوضعية لم تنتبه لها حقاوي وأدخلت وزارتها في موت إكلينيكي.
إن الوقوف عند حصيلة ملف التضامن في حكومة بنكيران يجعلنا نطرح بواقعية جدوى خلق وزارة للتضامن أصلا ونحن نرى وزارة لم تفعل شيئا في هذا الملف ونتساءل ماهي المديرية التي تتبع ملف التضامن عند الحقاوي؟ الأسرة لها مديرية جمعت فيها الطفولة والمسنين، والمرأة لها مديرية بلا مدير وبلا أقسام، والتنمية الاجتماعية لها مدير لا يفعل سوى الجلوس وسط لجنة تبت في ملفات ترشيح الجمعيات لطلبات دعم المشاريع.
والتنمية الاجتماعية أين هي؟
التضامن ملف عند حقاوي بدون بنية، وحتى إن بررت وجود التعاون الوطني كمؤسسة تضامنية فستكذبها الوقائع قبل أن نكذبها نحن. لقد مر الشهر الفضيل من دون استدراك ولو حملة تضامنية واحدة، اللهم إلا حملة التضامن التي خاضتها إلى جانب رئيسها في الحزب والحكومة ضد هذه الجريدة وناشرها.
ساحة النقاش