كاتبة و صحفية
بنكيران ومشعل و«الوفاء للقضية»
رغم أن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، استجاب دون تردد لدعوة رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران وحضر للمغرب للمشاركة في المؤتمر السابع لحزب العدالة والتنمية، في يوليوز من عام 2012، إلا أن بنكيران لم يستطع رد الجميل لضيفه الكبير، ولم يلبِّ نداء مشعل بالخروج في مسيرة الرباط دعما لسكان غزة، رغم أنه عاما بعد دعوة مشعل، استعان بنكيران بمسؤولين في حماس لتأطير الحملة الانتخابية الجزئية حول دائرة إقليم مولاي يعقوب، والتي ألغيت بسبب تلك المشاركة.
ومع كل ذلك، لم ينزل رئيس الحكومة للشارع دعما لحماس، ولا استطاع الجهر برأيه في ما يحدث من تنكيل بالفلسطينيين، رغم أن المؤتمر السابع لحزبه الذي استدعى له قادة من حماس وفتح جعل من القضية الفلسطينية محورا بارزا، حيث ظلت القواعد تردد شعارات تدعو «للوفاء للقضية» وقد رد مشعل على حرارة الاستقبال بخطاب ألهب حماسة الجموع، مذكرا إياهم بأهمية التظاهر للضغط على تل أبيب لأن إسرائيل تحسب حساب الشوارع العربية المتحركة.
صفق للخطاب بنكيران وقادة حزبه وكان بينهم وزير العدل والحريات مصطفى الرميد ووزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي، وكلهم غابوا عن مظاهرة الأحد المنددة بالمجازر الإسرائيلية في مقابل مشاركة واسعة لزعماء وقادة الأحزاب سواء من الأغلبية أو المعارضة، إلى جانب جماعة العدل والإحسان المحظورة ونشطاء حقوقيين ومواطنين عاديين.
لكن قبل ذلك، قطع رئيس الحكومة وعدا على نفسه بزيارة قطاع غزة، حتى أن رئيس الجمعية الإسلامية بمدينة رفح ناصر برهوم، الذي اتصل في يناير 2012 مهنئا بنكيران بفوز حزبه بالانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة، صرح وقتها أنه تلقى وعدا منه للقيام «بزيارة قريبة لغزة والمساهمة في كسر الحصار الإسرائيلي ونصرة القضية الفلسطينية»، وفق ما قال برهوم.
فما الذي حدث حتى يرفض بنكيران الاستجابة لنداء أخيه خالد مشعل ولو لدقائق معدودات، لجبر خاطر حماس ودعمها في هذا الوقت العصيب؟ لا شيء معلن، سوى أنه بين 2012 و2014،جرت مياه كثيرة تحت جسر الربيع العربي،سجن الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، فيما تجرب حركة النهضة وصفات التوافق ليس لإنقاذ الثورة ولكن لمواجهة إرهاب يهدد الوطن. أما في ليبيا فلم يعد الهاجس هو الديمقراطية في ظل سطوة المليشيات وانهيار الدولة. فيما الحرب تأكل اليمن وسوريا والعراق. وفي المغرب، تأكد أن بنكيران لم يزر قطاع غزة في 2012، ولا خرج في الرباط في2014 تضامنا مع أهلها. وكثيرون يحيرهم أمر بنكيران الذي لم يعد قادرا على إبداء التضامن لا مع الضحايا المغاربة ولا مع الشهداء الفلسطينيين.
لذلك فالهجوم الإسرائيلي على غزة مفيد حتى في دمويته، لأنه يكشف الغطاء عن أمور نعتبرها حقائق وهي ليست كذلك. وبعيدا عن تناقضات المشهد الداخلي المغربي، رأينا كيف أن هناك دولا عربية ترقص بدورها على الدم الفلسطيني، تحاول إيهامنا أنها تسابق الزمن لوقف إطلاق النار وهي لا تفعل أكثر من تمديد نكبة فلسطين.
يراوغ العرب ويتهافتون على شراء أسلحة أمريكا التي تتدرب طائراتها «الإف 16» هذه الأيام على تشتيت أشلاء الفلسطينيين لتصل إلى حدود إسرائيل، لكنهم يستمرون في استقبال مبعوثي البيت الأبيض لإقناع الشعوب العربية بما تعرفه مسبقا. والمشكل أن الأسلحة التي يقتنيها العرب بملايين الدولارات يتم تخزينها حتى تبور لاقتناء ذخيرة أخرى لن تصيب قذيفة واحدة منها إسرائيل، لكنها أسلحة تشتري المواقف كما الصمت في هذه الرقعة العربية أو تلك.
أما الثابت فهو أن الفلسطينيين يموتون يوميا بفعل الحصار ولا سائل عنهم، والمواليد الجدد تخنقهم إسرائيل بغياب الأوكسجين وتوقيف مولدات الكهرباء قبل أن يطلقوا صرخة الحياة، لذلك تفضل المقاومة الحرب المكشوفة لأنها أولا تجعل العالم يرى الوجه البشع لإسرائيل، وثانيا وهذا هو المهم إبراز وهم قوتها. فحماس لم تقبل الهدنة لأنها كانت تريد جر إسرائيل إلى النزول البري الذي يتيح أسر الجنود، وهو ما يجعلها في موقع قوة في التفاوض مع إسرائيل. ورغم أن عدد الشهداء الفلسطينيين يقترب من السبعمائة، إلا أن إسرائيل تبدو منهزمة بنجاح المقاومة بسلاحها «البدائي» في استهداف طائرة « الإف 16» بصاروخ وأسر جندي وقتل خمسين آخرين اعترفت إسرائيل حتى الآن بـ27 منهم.
ساحة النقاش