الناصرة – “رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
اعتبر مُحلل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة، عاموس هارئيل، الثلاثاء، أنّ معالجة الدولة العبريّة للتهديد الإستراتيجيّ المتمثل بالأنفاق هو عبارة عن فشل كبير ومدّوي جدًا. وقال أيضًا إنّ حركة حماس، تمكّنت من مفاجئة جيش الاحتلال في هجماتها الأخيرة عبر الأنفاق، وأنّ الجيش الإسرائيليّ، على الرغم من الميزانيات الهائلة التي يحصل عليها سنويًا في الميزانية العامّة للدولة العبريّة، لم يلتفت إلى هذا التهديد الإستراتيجيّ، كما أنّه لم يتوقّع ذلك، متسائلاً: كيف تستوي الأمور على الأرض مع تصريح أحد كبار قادة الجيش بأنّ المعلومات الاستخباريّة في هذه الحرب ممتازة.
ولفت في سياق تحليله، إلى أنّ إسرائيل استطاعت أنْ تجد حلاً جزئيًا وناجعًا لاعتراض الصواريخ الفلسطينيّة، ولكنّها لم تُطوّر أيّ علاج للأنفاق، التي باتت هجوميّة. كما أشار إلى أنّ الحكومة الإسرائيليّة وافقت قبل أسبوع بالضبط على وقف إطلاق النار، فكيف أقدمت على هذه الخطوة: هل أرادت أبقاء تهديد الأنفاق؟ أمْ أنّ صنّاع القرار لم يكونوا على علمٍ مسبقٍ بخطورتها، التي تسمح لعناصر المقاومة بالدخول إلى بيوت الإسرائيليين في المستوطنات الجنوبيّة. وتابع هارئيل قائلاً إنّ حركة حماس انتقلت إلى الحرب تحت الأرض، وإسرائيل فوجئت جدًا من قدرة المقاومة وإصرارها وحنكتها وحكمتها في القتال، مُشيرًا إلى أنّه توقّف استعمال المفردات التالية: حاولت حماس تنفيذ الهجوم، وقام الجيش الإسرائيليّ بصدّ الهجوم وقتل المُهاجمين، على حدّ قوله. ومن نوافق القول إنّ من أشهر التكتيكات الحربية التي عرفها التاريخ وسجلت نجاحًا أسطوريًا، تكتيك حرب الأنفاق في الثورة الفيتنامية بمنطقة (كوتشي)، التي أصبحت علامة مميزة لمقاومة الفرنسيين، ثم الأمريكيين.
وتمثل حرب الأنفاق الفيتنامية –التي كانت ضمن شبكة معقدة من الأنفاق السرية- تجانسًا بين المقاتل الفيتنامي والتضاريس، إذ سخّرها لمواجهة الجنود والأسلحة والآليات، والاحتماء من الغازات والقنابل الدخانية.
أمّا أنفاق المقاومة الفلسطينية في غزة، فهي لغزٌ يُحيّر رابع أقوى جيش في العالم، وعجز بكل منظومته العسكرية والاستخباراتية والتكنولوجية الوصول إلى حل يمنع تواجد الأنفاق على حدود القطاع مع الأراضي المحتلة عام 1948. واعترف موشيه يعالون وزير الأمن الإسرائيليّ، بخطورة أنفاق المقاومة في غزة، وقال إنّ ظاهرة الأنفاق التي يحفرها الفلسطينيون مثيرة للقلق. وزاد الوزير الإسرائيليّ إنّ حماس تُعِدُّ نفسها للحظة التصعيد، وتعمل أيضًا على تسليح نفسها بوسائل قتالية جديدة، والأنفاق جزء من هذا الإعداد لمهاجمتنا في المستقبل، ونحن نعمل على إحباط هذه النوايا. كان هذا التصريح قبل عدّة أشهر، عندما اكتشف جيش الاحتلال نفقًا إستراتيجيًا بالقرب من القرية التعاونيّة (عين هشلوشاه) في الجنوب. علاوة على ذلك، اعترف ضابط إسرائيليّ رفيع المستوى، كما قالت (هآرتس) العبريّة بإخفاق قوات الاحتلال في مواجهة أنفاق كتائب القسام في غزة.
مُضافًا إلى ذلك، نقلت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيليّ عن قائد المنطقة الجنوبية في قوات الاحتلال، الجنرال سامي تورجمان قوله: إنّ الجيش يواجه فشلًا ذريعًا في مواجهة ظاهرة الأنفاق التي تحفرها الفصائل المسلحة، وبالتحديد حماس، لتنفيذ عمليات ضده، وتابع قائلاً إنّ الجيش مضطر لإرسال قوات المشاة للبحث عن عيون تِلك الأنفاق، موضحًا أن التقديرات تشير إلى حفر حماس العديد من الأنفاق لتنفيذ عمليات كبيرة. كما حذّر الجنرال تورجمان من أنّ أنفاق غزة ستؤدي إلى كارثة في حالة دخول مسلحين فلسطينيين إلى إحدى المستوطنات، إذ لا تكفي القوة الموجودة في تلك المستوطنات لحمايتها، في ظل سحب قوات الجيش من حراستها، على حدّ تعبيره. من ناحيته، قال المُحلل العسكريّ في القناة الثانية، روني دانيئيل، إنّ هناك عشرات الأنفاق تستطيع أن تستخدمها المقاومة متى تشاء، ولا يمكن لإسرائيل السيطرة على الأنفاق إلا بالسيطرة على الطرف الأخر منها،أي العمق في أراضي قطاع غزة.
ورأى المُحلل أنّه لا يوجد مشكلة بطرف النفق من جهة الأراضي المحتلة، وطالب حكومة إسرائيل بالتغلب على هاجس الأنفاق أن تسيطر عليها من طرف القطاع. من ناحيته، قال رئيس هيئة الأركان العامّة في جيش الاحتلال، الجنرال بيني غانتس إنّ التهديد القادم من الأنفاق كبير، مشددًا على مواصلة الجيش العمل ضدها طالما اقتضت الحاجة. المُحلل هارئيل خلُص في تحليله إلى القول هل الجيش الإسرائيليّ قادرُ على حسم حرب عصابات في غزّة؟ وهل القيادة السياسيّة تُريد الغوص أكثر في الوحل الغزيّ وإعادة احتلال القطاع؟
وزاد: المحللون والخبراء، الذين يجلسون في الاستوديوهات يُريدون النصر الكاسح للجيش، ولكنّهم يُريدون ذلك بدون خسائر بشريّة، وهذا من رابع المستحيلات، لافتًا إلى أنّ الرأي العام الإسرائيليّ لا يتحمّل سقوط القتلى في صفوف الجيش، وهو أكثر حساسيّة من مقتل المدنيين، على حدّ قوله.
ساحة النقاش