كاتبة و صحفية
العدل والإحسان في مرآة الربيع العربي
تلبدت السماء في المشرق فأمطرت في المغرب. وفي الوقت الذي طرحت فيه دولة الإسلام في العراق والشام مفهومها للخلافة التي لا حدود لها ولا عواصم غير حكم السيف، فضلت جماعة «العدل والإحسان» التي تميل مرجعيتها لمفهوم الخلافة، وضع مسافة أطول حيال هكذا نزعات، وهي تريد أن تقول إنها ليست في وارد التبعية، وإن اتخذت الأممية الإسلامية مرجعية ثابتة.
الهزائم تتوالد عنها حالات وعي شقي، ومع أن تجارب الإسلام السياسي في المغرب اختلفت عن ميول حركة الإخوان المسلمين إلى حد بعيد، فإن تداعيات انتكاس التجربة المصرية وتحفظ نظيراتها في تونس وغيرها، خلق حالة جديدة من الانجذاب إلى ممارسة النقد الذاتي الذي يتم عبر أشكال من التدرج واليقين.
ليس ضروريا أن العامل الخارجي وحده كان وراء هذا التحول، حتى وإن بدا خجولا، لا يتلمس الطريق ولا يحسم في كافة الإشكاليات، لكنه يظل مؤشرا. وليس صدفة أيضا أن تتفاعل الجماعة مع محيط عربي مضطرب، سيما بعد الهزات العنيفة التي تعرضت لها جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر.
لذلك، قصد فتح الله أرسلان الناطق الرسمي باسم الجماعة، تقليب مواجع الربيع المغربي بعد مرور عامين ونصف على تسلم زعيم حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران رئاسة الحكومة. وهو حين يقول إن الجماعة لم تكن تراهن على حركة عشرين فبراير لمعرفتها بآفاقها المحدودة، فإنه لم يأت بجديد، لكن حين يربط بين الانسحاب منها وقرار عدم الدخول في مواجهة مع النظام، «لأن استمرار الحركة كان يفرض الدخول في أشكال تصعيدية من قبيل الاعتصامات في الساحات، مما يعني الدخول في مواجهة مع النظام، وهذا كان سيكون على حسابنا، لأننا الأكثر حضورا، وكان سيكلفنا كثيرا من حيث اللوجستيك والتضحيات»، فإنه يلامس منطق التدرج في النظر إلى الكأس السياسية المغربية، التي دأبت الجماعة على عهد زعيمها الراحل عبد السلام ياسين، أن تراها دوما فارغة.
لم تكن جماعة العدل والإحسان بحاجة للتأكيد على أنها بخير، لكنها كانت تحتاج إلى بعث رسائل لداخل الجماعة وخارجها، أولها أن نجلة الزعيم الراحل ندية ياسين ابتعدت عن الجناحين السياسي والنسائي لتنظيم والدها، وثانيها أنه لا وجود لخلافات تنظيمية، وثالثها أن الجماعة غير مرتبطة بشخص زعيمها الراحل. ما يعني فتح قوس جديد مع النظام «على مرأى ومسمع من الجميع»، «لا خطوط حمراء» في ما يفرضه من حوارات قد تقود لتأسيس حزب سياسي وصولا للمشاركة في الانتخابات.. هل كل هذا صدفة؟
ما هو مؤكد أن توقيت الخروج الإعلامي للجماعة ليس اعتباطيا، سيما أن العدل والإحسان اختارت مد يدها للنظام عشية عرض رئيس الحكومة لحصيلته أمام البرلمان، وقد استبقت ذلك العرض بالتأكيد على أن تجربة العدالة والتنمية فاشلة منذ البداية. لكن اللافت كان طرحها «تصورا متكاملا» لدورها المفترض في المشهد السياسي عموما والانتخابي خصوصا، وكأنها تريد سحب البساط من تحت أقدام بنكيران الذي يردد دوما أنه لا بديل للقصر عنه، وأن حزبه طوق نجاة النظام. فهل تكون جماعة عبد السلام ياسين ذلك البديل الذي «لا يسعى للانفراد والهيمنة» بحسب تعبير أرسلان، للوصول إلى «صيغ توافقية مع الجميع والتأسيس لنموذج ديمقراطي»، كما قال عبد الواحد المتوكل. وهل صدفة أن تفتح الجماعة أذرعها «للجميع»، في وقت ضاقت فيه أفق العلاقة بين بنكيران وهذا «الجميع» أحزابا وتيارات طالتهم شظايا خرجات رئيس الحكومة غير المحسوبة.
قد لا تفيد النوايا في إذابة كل الجليد المتراكم؟ لكن الأهم أن «العدل والإحسان» في طريقها لأن تواجه نفسها في مرآة الربيع العربي، حيث لم يعد ممكنا البقاء على هامش تحولات الأمة. كما لم تعد المرحلة تحتمل انسداد الأبواب. أما كلامها عن الأحداث الضاغطة ونسخ مقبلة من الربيع العربي الهائج، فلا تعدو كونها تلويحا بقرار مشاركة سياسية لم ينضج بعد، وإن جرى تغليفه بكثير من المساحيق ذات الطابع التبريري أو الاستقرائي.
ساحة النقاش