فساد العدل
عندما سمعنا أن وزير العدل سيعقد ندوة صحافية لكي يعلن عن نتائج التحقيقات بخصوص تسجيلات المهندس الذي فجر ملف الفساد داخل وزارة العدل، اعتقدنا أن معالي الوزير سيعفي الرؤوس الكبيرة بوزارته، وعلى رأسهم موظف سبق لوزير سابق أن طرده من الوزارة، بعد أن تم ضبطه يرسل معطيات من ديوانه لجهات خارجية، نحو مركز القاضي المقيم بـتـيـفـلــــت، وهي المدينة التي تم نقله إليها حيث تمكن من اقتناء فيلا سجلها باسم والدته.
وظل هناك بدون عمل يتقاضى أجرته ويمارس التجارة، وبالضبط في تربية النحل، إلى أن استقدمه وزير آخر إلى الــوزارة بعد ذهاب الوزير السابق، فتسلق إلى أن أصبح مديرا للميزانية يتحكم في كل شيء، إلى درجة أنه تسبب في إعــــفــــاء أحد رؤساء الأقسام قبل أسبوعين فقط لأن هذا الأخير تجرأ على ذكر اسمه.
ويرجع سبب تحكم مدير الميزانية في كل مسؤولي الوزارة لكونه الماسك بالمالية يقطرها لمن يشاء بلا حساب ويـقـتر على من يشاء، ويسري هذا حتى على الكتاب العامين، حتى إنه أصبح أقوى من الكاتب العام للوزارة، رغم أن هذا الأخــيــر يـعـمـل تحت إمرته.
غير أن صدمتنا كانت كبيرة لكون ندوة الوزير غرقت في التبريرات وشعارات عدم مطاردة الساحرات وعدم الاقتراب من الملفات التي طالها التقادم وأن الفساد طبيعة بشرية وهو موجود في كل الوزارات، ونسي الــوزيــر أن الـفـســاد يـمـكــن أن يوجد في كل الوزارات إلا وزارة العدل لأنها الجهة المكلفة بمحاربة الفساد في الوزارات الأخرى، وإذا فسدت وزارة العدل فعلى الدنيا السلام.
وما زاد في الطين بلة أن بعض «المواقع» التابعة للوزير حرصت على إظهار هذا الأخير ولجنته أقوياء وذوي مصداقية وجدية، في مقابل الموظف، الذي قدموه وكأنه صاحب وشاية كـيـديـة أو فقط ينتقم لعدم ترقيته، وهو السيناريو الذي حاول الوزير رسمه لندوته، والحال أن الوزير توصل بتسجيلات «الفساد» يوم 3 يوليوز 2012، في حين أن مباراة الترقية لاحـقـة على هذا التاريخ، وبالضبط شهر دجنبر من نفس السنة، ما يفند فرضية الانتقام التي حاول الوزير إقناع الصحفيين بها.
وهذه طبعا ليست الصدمة الوحيدة التي تسبب فيها وزير العدل لكل من كانوا يـتنتظرون تطهيره لوزارته من الفساد، فعـندما عين مصطفى الرميد وزير العدل والحريات مدير الموارد البشرية بالوزارة في مــاي من الـسـنة الماضية كان هذا التعيين صدمة قوية لعموم العارفين بشؤون العدالة بالمغرب.
ببساطة شديدة لأن المعني بالأمر سبق له أن تلاعب بمحجوزات المحكمة الابـتـدائـيـة بـمـديـنـة المحمدية، وقد حرر محضر بهذا الخصوص من طرف مفتشي كتابة الضبط آنذاك وطاقم التفتيش.
وبعد ذلك تم نقل المعني بالأمر إلى المحكمة الابتدائية بسلا، وقد كان مكلفا بشعبة الاستنطاق بالنيابة العامة كمنتدب قضائي. وأثناء عمله بهذه المحكمة تمادى في التدخل في الملفات الـجـنـحـيــــة الـمـحـالة على النيابة العامة، مما دفع الإدارة إلى نقله إلى الإدارة المركزية بالوزارة حيث ظل مهمشا بها كإجراء تأديبي على سوابقه.
وقد كان مدير الموارد البشرية محافظا على علاقات وطيدة بالأفواج الجديدة من الـمـسـاعـدات الاجـتـمـاعـيات، حيث حرص على الوقوف على التكوين الذي يخضعن له، رفقة أحد أصدقائه المعروفين بالسمسرة في الـتـوظيفات بوزارة العدل والذي شغل رئيس مصلحة التوظيفات والترقيات سابقا وكان منتدبا قضائيا قبل أن تتم ترقيته إلى درجة قاض، وهو الذي بالمناسبة أعفاه الرميد بعد أن فاحت رائحة الفساد من ثنايا مباريات التوظيف.
ونظرا لأن أسرة مدير الموارد البشرية لا توجد بالمغرب بل بفرنسا حيث اسـتـقــرت مـنـذ أن كــان عــامــلا هناك كممارس لمهنة التوثيق بإحدى القنصليات المغربية بفرنسا، واستقر لوحده بالمغرب منذ سنوات، فإنه انشغل بأسفاره على حساب المعهـد العالي للقضاء.
وبعد توليه رئاسة ودادية المنتدبين القضائيين، فضل مغادرة الودادية والالتحاق للعمل بالقنصلية المغربية بفرنسا منذ 1997 إلى 2004، وفور عودته ترك العمل لمدة تزيد عن السنة حيث مكث ببيته وظل مع ذلك يتقاضى راتبه الشهري بـالـكــامــل، وذلك لما كانت الوزارة بيد الاتحاديين أيام الراحل بوزوبع.
وبمجرد ما علم بالهيكلة الجديدة للمعهد العالي للقضاء تقدم بترشيحه لمديرية تكوين كتاب الضبط، وهذا طبعا حقه، وقد فاز بهذا المنصب نظرا لانتمائه السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي آنذاك.
لكن، وبالرغم من التحاقه بالسلك القضائي،ظل محتفظا بمنصبه بناء على قرار صادر عن وزير العدل الراحل بوزوبع، وهو قرار أثار عددا من الإشكالات القانونية مما تعثر معه تنفيذه وتسوية الوضعية القانونية للمعني بالأمر في حينه. ذلـــــك أن القرار الذي اتخذ عشية نهاية ولاية الوزير الراحل غير مرقم ولا يحمل طابع الوزارة أو غير ذلك من الإشارات التي تدل على أنه صـــادر عن الوزارة، وهو الأمر الذي رفضت معه وزارة المالية صرف الـتـعـويـضـات للـمـعـني بالأمر، هذا فضلا عن كون القرار يحمل نفس تاريخ الالتحاق بالسلك القضائي، وهو أمر يستحيل تصوره، أي الالتحاق بالتدريب لولوج مهنــــة القضاء يوم 1/03/2007 وفي نفس الوقت التعيين كمدير لمديرية تكوين كتاب الضبط بالمعهد العالي للقضاء. «وفهم شي حاجة».
ويبقى الـتـسـاؤل مـشـروعـا حول القيمة المضافة التي حققها على رأس مديرية التكوين حتى يحق له الحصول على منصب مدير الموارد البشرية بوزارة العدل على عهد الرميد، هذا مع العلم بأنه ظل يختار الأساتذة الـمــؤطــريــن من بين عناصر الـفـدرالـيــة الديمقراطية للشغل الذراع النقابي للاتحاد للاشتراكي الذي كان ينتمي إليه، كما أنه لم يـنـجـح في تـدبـيـر الموارد البشرية العاملة بالمديرية حيث تسبب في توقيف ونقل عدد من موظفيها تعسفا، حصل البعض منهم على أحكام بإلغاء الـقرارات الإدارية الصادرة في حقهم ظلما وعدوانا.
إضافة إلى ذلك فمدير الموارد البشرية بالوزارة العدل يمتلك شـركـة لـلإعلامـيـــات وكلف بها أقارب أحد المحامين، وهي الشركة نفسها التي تكلفت بتصميم موقع المعهد العالي للقضاء وبثمن باهظ، وتلك قصة أخرى.
إن الفترة التي قضاها المعني بالأمر على رأس مـديــريــة تـكـويـن كـتـاب الـضـبـط، ولئن كانت لم تسهم بأي قيمة مضافة للإدارة القضائية،فإن هذه الفترة عرفت توترا لم يسبق له مثيل بين المعني بالأمر وباقي الأطر العاملة بمديرية الموارد البشرية بالوزارة آنذاك، حيث ظل الصراع محتدما حول مواد التكوين وصلاحية التكوين وأساتذة التكوين، وأن تـعـيـيـنـه على رأس المديرية ساهم في تأجيج هذا النزاع وأدى إلى عدم الاستقرار،وهو اليوم يعاقبهم بعد أن أصبح رئيسهم المباشر،وكان أول عقاب هو عـدم إعلان شغور منصب رئيس قسم التكوين بـمـديـريـتـه رغم شغوره بالفعل لمدة تقارب السنة بينما أعلن باقي المناصب الأخرى، وكل هذا حتى ينصب فيه نده الذي واجهه أيام كان بالمعهد والذي يشغل اليوم رئيس مصلحة التدبير التوقعي للحاجيات التكوينية.
والمثير في سيرة مدير الـمـوارد الـبـشـريـة هو ترشحه ليصبح مديرا للـمعهد العالي للقضاء، مع العلم أنه لم يحرر في حياته ولو حكما واحدا أو على الأقل إصدار قرار إداري واحد في المستوى أو حيثية واحدة، لكونه لم يمارس مهنة القضاء ولو ليوم واحد. إذ أن مثل هذه الـتـرشـيـحــــات تعد ضربا من العبث ومثالا على عدم احترام المسؤولية والاستخفاف بعقول المسؤولين والعاملين بالقطاع ككل. ولحسن الحظ لم يتم اختياره لهذا المنصب، لكن بعد هذا الإبعاد احتضنه الرميد وعينه مديرا بالوزارة.
وما يؤكد هذا أيضا هو أنه نظم دورات تكوينية لرؤساء المصالح العاملين بالمحاكم في موضوع «مرجعية الـوظـاـئـف والكفاءات الخاصة بوزارة العدل» وأطرها معه قيادي بنقابة الفدرالية والذي يعمل بمحكمة بـنـسـليمان والذي ليس بينه وبين هذا الموضوع إلا الخير والإحسان، حيث إن تخصصه هو في الدراسات الإسلامية، والذي استعان به بدلا من الاستعانة بمعد ومــؤلــف مـشروع المرجعية، وهو رئيس مصلحة بوزارة العدل، الذي أعده في خمس سنوات رفقة طاقم من الإدارة المركزية.
وعوض أن يستعين بصاحب المرجعية ومؤلفها الأصلي فضل الاستعانة بالموظف الإمام الذي صلى بالفدرالـيين صلاة الجمعة في الوقفة الاحتجاجية المنظمة ضد وزير العدل في طنجة أثناء تنظيم إحدى ندوات الحوار الوطني، وهو الذي « فــوتــح » مع وزير العدل ودعا عليه وأم وراءه المشاركين في الوقفة. ورئيس المصلحة هذا يريد له مدير الموارد البشرية أن يـنـهي مساره المهني بإبقائه في هذه المصلحة وحذف إعلان منصب رئيس قسم التكوين بمديرية الموارد البشرية رغم شغــوره ما يقارب السنة لكونه يعرف أن رئيس المصلحة ومؤلف « مشروع المرجعية » هو أكثرهم أهلية لهذا المنصب، كما أن مســؤولي الوزارة يعرفون ذلك جيدا.
تلكم كانت شــذرات مـخـتـصـره عن مسار موظف بدأ حياته المهنية موظفا في إطار الخدمة المدنية بمحكمة الجديدة قبل أن يدمج منتدبا قضائيا في السلم العاشر، ومر بمسؤوليات متعددة فشل فيها وأعفي في بعضها الآخر نظرا لـلاختلالات التي ثبتت في حقه، إلى أن قدر أن تكون أكبر حظوة له هي في عهد الوزير «الحقوقي» الرميد وفي زمن حكومة الربيع الــديــمــقــراطــــي الذي أتى بالعدالة والتنمية على صهوة شعار«إسقاط الفساد والاستبداد»ليتوج مديرا مركزيا في وزارة حساسة هي وزارة العدل والحريات.
ساحة النقاش