محمد الأشهب
كاتب و صحفي
شرود الاتحاد الإفريقي
ليست المرة الأولى التي يرفض المغرب فيها إقحام « الاتحاد الإفريقي » في التعاطي وملف الصحراء بأي شكل من الأشكال. وعندما كانت الأمم المتحدة بصدد تشكيل النواة الأولى لبعثة «المينورسو» أثارت الرباط انتباهها إلى أن منظمة الوحدة الإفريقية غير مؤهلة للاضطلاع بأي دور، أقله أنها لا يمكن أن تكون خصما وحكما في آن واحد.
منظمة الوحدة الإفريقية أبعدت نفسها عن الحياد والموضوعية المفترض توفرها في أي منظمة إقليمية، تتحدث باسم مجموعة من الدول والتكتلات، منذ اللحظة التي أقرت فيها الاعتراف بعضوية كيان وهمي. وبالتالي فالاتحاد الإفريقي الذي تأسس على خلفية انهيار تلك المنظمة القارية استمر في حالة الشرود ذاته، ولم يفعل أي شيء من أجل إنصاف مبادئ التحرر والوحدة التي تأسست هذه المنظومة للدفاع عنها. وكان المغرب من بين روادها الأوائل الذين وضعوا نصب أعينهم الدفاع عن استقلال إفريقيا والحفاظ على وحدتها وسيادتها وتضامنها.
محاولة الهروب إلى الأمام التي لجأ إليها الاتحاد الإفريقي، من خلال تعيين مبعوث له إلى الصحراء تنم عن جانب من المآزق والحرج، ذلك أن انتهاك القانون الدولي في مجال الاعتراف بالدول لم يحقق ما كان يصبو إليه الذين تورطوا في تلك الفضيحة، عدا أنه عزل منظمة قارية عن فضائها الحيوي. وحين تمنى المغرب حظا سعيدا لمنظمة الوحدة الإفريقية بشريكها الجديد الذي لا يتوفر على مقومات الدولة، كان يدرك أن اللعبة انتهت، افتضحت الأوراق وتعرت المواقف.
كان أول شيء أقدم عليه المغرب أنه نقل الملف إلى الأمم المتحدة، بعد أن ظلت لسنوات عدة ضمن اختصاصات المنظمة الإفريقية، ولم تكن الأمم المتحدة لتقبل هذا التحول لولا إدراكها أن منظمة الوحدة الإفريقية حادت عن جادة الصواب، وكان طبيعيا في غضون ذلك التطور أن تلغي الأمم المتحدة قبل غيرها أي صلة للمنظمة الإفريقية بالتوتر القائم في منطقة الشمال الإفريقي. بل ذهبت أبعد من ذلك عبر معاودة النظر في الآليات التي ترتبت عن الوضع السابق، وفي مقدمتها طرح خيارات بديلة عن خطة الاستفتاء التي أقرت بأنه أصبح متجاوزا.
منطقيا وسياسيا لا يمكن لأي ملف مطروح أمام الأمم المتحدة أن يختص بتدبيره مبعوثان، ذلك أن قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة تتحدث دائما عن دعم جهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثيه إلى النزاع. وكل الخلاصات الدولية كان يتم التوصل إليها من خلال مجهود ومساعي الأمم المتحدة، وليس لأي منظمة أخرى، مثل الاتحاد الإفريقي أن تقحم نفسها في مسائل حددتها مرجعية الشرعية الدولية. ينضاف إلى ذلك أن الاتحاد الإفريقي ليس في وضع طبيعي يؤهله القيام بأي دور، إلا في حال علق عضوية الكيان الوهمي واعترف بخطأ انحياز منظمة الوحدة الإفريقية إلى الطرح الانفصالي.
عمليا ومبدئيا كان متوقعا من الاتحاد الإفريقي، إن كانت النوايا سليمة أن يطرح إشكالية الوضع غير القانوني لكيان وهمي، لا أحد يعرف ما محله من الإعراب داخل الاتحاد الإفريقي، سيما وأن غالبية الدول الإفريقية التي كانت انطلت عليها حيلة الانجرار إلى معسكر الانفصال، بادرت إلى تعليق اعترافها، بل إن الأمين العام الأسبق لمنظمة الوحدة الإفريقية آدم كودجو اعترف باستخدام أموال الخزائن الجزائرية لشراء الأصوات. وساد اعتقاد إلى زمن قريب أن انهيار منظمة الوحدة الإفريقية واستبدالها باتحاد إفريقي جاء على خلفية فشلها في تدبير الملفات والقضايا الجوهرية، ما كاد يهدد بانقسام المنظمة بين دول الاعتدال التي لا تساير التوجه الانفصالي والمجموعة الصغيرة التي تدور في فلك الجزائر.
لكن لماذا الآن استفاق الاتحاد الإفريقي من غفوته، وأراد أن يمارس سياسة الهروب إلى الأمام؟ في الواقع لا يمكن فصل هذا التطور عن صراعات إقليمية ألقت بظلالها على الساحة الإفريقية. وسجلنا في حينه أن الإشارة التي صدرت عن وزير خارجية موريتانيا لإشراك الاتحاد الإفريقي في الحوار مع المنظومة المغاربية ليست بريئة. من حيث المبدأ يمكن لهذا الحوار أن يكون إيجابيا مفيدا أو ذا أبعاد استراتيجية، لكن شريطة أن يتخلص الاتحاد الإفريقي من ورطته المتعلقة بعضوية كيان وهمي، لا هو مغاربي ولا هو إفريقي، وإنما نتاج أطماع الهيمنة الجزائرية.
كان لافتا في إطار انفتاح المغرب على محيطه الإفريقي أن تبادر دول إفريقية عدة إلى طلب استعادة المغرب مكانته في الاتحاد الإفريقي، ومن أجل محاولة قطع الطريق على هذه المبادرات التي أصبحت يقينا مشتركا، كان الاتجاه نحو خلط المفاهيم، كي يقال إن المغرب لا يريد التعاون مع الاتحاد الإفريقي. وهناك فرق شاسع بين التعاون مع منظمة إقليمية تحترم أوفاق الشرعية الدولية، وبين توجهات فاقدة لهذه الشرعية. فالرفض المغربي موجه أساسا ضد حالة التناقض التي لا يمكن قبولها،أي يكون الاتحاد الافريقي طرفا منحازا بدليل استمرار عضوية الانفصاليين، ويرغب أن يكون حكما في وقت لم يستطع فيه الخلاص من ورطة هذا التناقض البين والفاضح.
أيضا لا يمكن فصل هذه المحاولة الخارجة عن نطاق الشرعية الدولية عن انزعاج الجزائر وبعض حلفائها الأفارقة على قلة عددهم من الإنجازات التي حققها المغرب في تطوير علاقاتها والأسرة الإفريقية.بخاصة وأن ذلك يتم خارج قنوات الاتحاد الإفريقي، وعبر العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف التي جعلت المغرب شريكا محوريا للدول الإفريقية في ترسيم خطوات البناء المستقبلي على الصعيدين السياسي والاقتصادي، من دون إغفال التحديات الأمنية والإنمائية.
بهدف وضع العصا في عجلات هذا التحول التاريخي، جاءت قفزة الاتحاد الإفريقي في الهواء من دون مقدمات، والأخطر فيها ليس كونها محاولة شاردة خارج سياق التطورات، بل إنها تستهدف إعاقة الحل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، وهي بهذا المعنى لا تعدو أن تكون ضمن محاولات يائسة لا تغير شيئا في الأمر الواقع، لكنها تؤكد أن المعركة دخلت منعطفا جديدا يتعين الوعي بمحاذيره.
ساحة النقاش