حكيم عنكر
«حريرة» تلفزيونية جارية
العدد :2416 - 02/07/2014
هل يلبي المنتوج الرمضاني المعروض على القناتين الأولى والثانية انتظارات المشاهدين المغاربة في هذا الشهر الفضيل؟ الجواب الجاهز يقول إن مائدة رمضان المغربية فقيرة جدا، وبائسة، وإن القضايا الجدية ما تزال مغيبة، في حين ما يطفو على السطح وما يرصد من مال عام للإنتاج يبقى مقصورا على مواد بلا مذاق، لا أحد يدري كيف جرى الترخيص لها بالاستفادة من أموال الإنتاج التلفزيوني، وما هي طبيعة لجنة التقييم التي أشرت على هذه الأعمال، وكيف يمكن اليوم محاسبة شركات الإنتاج تلك، التي استفادت من المال ودخل أغلبه إلى أرصدتها، هل ستجري استعادته منها أم سترفع دعاوى قضائية ضدها لأنها قدمت مادة رديئة وليست في مستوى ما تعهدت به أم إنه من الصعوبة، تماما، فعل أي شيء حيالها لأن مشاريع الإنتاج والحلقات النموذجية التي وضعتها بين يدي اللجان المعنية قدمت ما هو موجود، ولا يمكن أن يقوم أحد، اليوم، ويدعي ما ليس له، ففاقد الشيء لا يعطيه، أبدا.
النقاش حول موسم رمضان التلفزيوني مغلوط من أساسه، لأن بدعة رمضان تكاد تتحول إلى تعلة وباب من أبواب تبذير المال العام وتوزيع الغنائم على المحسوبين والحواريين. والخطة تقتضي أن تمر الأمور على الشكل التالي: يجري في الغالب شد الحبل بين إدارة التلفزيون والمنتجين والوزارة الوصية، ويتم استهلاك جزء كبير من الوقت في الحروب الإعلامية وتضييع الوقت، إلى غاية اقتراب موعد الشهر الكريم.. حينها تدق طبول الحرب، ويبدأ النفير، ويظهر من يهدد بأن الموعد الرمضاني المقبل سيكون بدون مادة محلية، وأنه سيجري الاكتفاء بإعادة بث مواد من رمضانات سابقة أو الاستعانة بالمنتوج الأجنبي، العربي منه على وجه التحديد. حينها يطلع من يقول إن فاتورة شراء حقوق البث للأعمال العربية ستكون مرتفعة، ليخرج آخرون ويقولوا إنه لا معنى لعدم تقديم التلفزيون الوطني «رمضانه التلفزيوني»، آنذاك يخرج دلال يطوف بـ«الحسنى» بين الشركات المنتجة والمسؤولين في أقسام البرمجة، لينقذ الموقف بـ»العاطي الله»، ويكون الثمن مواد مطبوخة على عجل، وأحيانا نيئة، بل إن بعض تلك المواد يمكن اعتباره «لا مواد»، بدون فكرة أساسا، يصنعه هواة أو «صناطحية» هذا الزمان، وبذلك تجمع هذه «الكاملوط» ويوضع لها عنوان براق وميزانية للدعاية الإعلامية.
بطبيعة الحال، لا تبادر إدارة التلفزيون في القناتين الأولى والثانية، أمام سيل الانتقادات اللاذعة، حتى إلى مجرد فتح تحقيق بسيط أو تشكيل لجنة للتتبع أو خلية للاستئناس، لا تكون مقرراتها زجرية أو تهدف إلى إنزال عقوبات أو غرامات أو التوقيع على حرمانات مستقبلية ضد هذه الشركة أو تلك.
تضع إدارة التلفزيون الحصان أمام العربة، وبدل أن تتحلى ببعض من شجاعة الاعتراف بأن هناك بعض المهازل التي يجب ألا تتكرر مستقبلا، سواء في رمضان أو غيره، أو تعطي مثالا على نوع من الشفافية في تدبير منتوجها التلفزيوني أو ترسل بعض الشركات والوجوه المكرورة في التلفزيون في «نزهة» مؤقتة.. خلافا لذلك، تخرج هذه الإدارة كي تدافع عن نفسها ضد من تعتبرهم خصومها التقليديين، المألوفين في كل موسم رمضاني.
هناك بعض الإشراقات الصغيرة في رمضان هذا العام، لكنها لا تساوي جرعة «حريرة» واحدة، وأما الباقي فمضيعة للمال العام. أين هي الروبورتاجات والتحقيقات والمواد الاجتماعية والثقافية والفنية، ألا يخرج المغاربة إلى الساحات والشارع، ألا يمارسون ليلهم ونهارهم، أين تلفزيونهم من كل ذلك؟
رداءة بعض الإنتاجات ليست سبة، لكن الإمعان في منح أموال الإنتاج لبعض المسحوبين على الدراما التلفزيونية أمر مسيء، وفيه استفزاز للمغاربة، وكأن لسان حال هؤلاء ممن هم، اليوم، في موقع المسؤولية، يقول: لتشربوا البحار.
لا بد من صحوة ضمير، حتى مع «الكوميشن» التي يتقاضاها البعض.
ساحة النقاش