http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

 

 

 

 

حكيم عنكر

 

حين منع باشا تاونات المهدي المنجرة!!

 

العدد :2404 - 18/06/2014

 

كان الراحل المهدي المنجرة -الذي دخل دائرة النسيان منذ فترة ليست بالقصيرة، بسبب التعتيم المتعمد عليه وحوله من قبل جهات ظلت غاضبة عليه- معجبا بالنموذج الياباني، وظل يردد أن هذه الجزيرة الناهضة من ضربة هيروشيما وما خلفته من فواجع، هي النموذج الذي يمكن أن يقتدي به العرب.
لماذا؟ لأن اليابان، من حيث الشكل والمضمون، تمثل الحالة الأقرب إلى العرب، فهي تقليدية من حيث النظام السياسي، والإمبراطور أو ظله لا يزالان يحكمان بشكل فعلي؛ لكنها، من حيث النموذج الاقتصادي والاجتماعي، تدرجت في مسلسل طويل من التحديث تـُرجـِم اليوم في المنتجات التقنية والصناعية التي حققها هذا البلد بفضل القدرة التطويرية الهائلة لمجالات التعليم.
ولذلك فإن هذا الخليط العجيب بين النظام السياسي التقليدي وبين المنجز التقني، جعل المهدي المنجرة يدعو العرب إلى اختصار البحث عن نموذج، والتأسي بالحالة اليابانية، تركيزا للجهد، فلا الكيمونو الياباني ولا سيف الساموراي ولا الذهاب إلى المعبد كان حائلا أمام نهضة اليابان؛ وبالتالي، يمكن للعرب المزج بين ملكياتهم وأنظمتهم الرئاسية التي تغرف من القبيلة وبين الجلباب والعقال والمسجد، والذهاب رأسا إلى صلب المشكلة بتقوية التعليم وجعله ينهض.
لكن الجهات التي كان يخاطبها المنجرة وضعت أصابعها في أذانها وأمعنت في إقصائه، بل إنها تحرشت به وحاصرته في البلاد ومنعت أنشطة كان ينظمها له محبوه، لشرح أفكاره؛ وفي الأخير، شيطنوه واتهموه بالجنون، وكان أن جاء خرف الذاكرة لينال منه وليحكم عليه «الأربعة من سجوني» كما قال الشاعر.
ولأن المنجرة كان عصيا على «الاستخدام»، فقد فشل كل من حاول أن يجيره لصالحه، من أحزاب وتنظيمات وجمعيات حقوقية ومدنية. كان له مشروع واضح، وهو مشروع حضاري يستوعب العلمانيين والإسلاميين، وكان مستعدا فقط للتعاون من أجل إنجاح ذلك المشروع مع كل من له القدرة أو «الشهامة».
وفي الأخير، يئس الرجل. كان مصدوما، لأنه حتى الأقربون إليه كانوا يسبحون في واد غير مياهه التي يؤمن بها؛ وحين عمد إلى تشكيل خلايا البحث، كان على وعي بأن مسارا مثل مساره وأبحاثه لا بد أن تحملها نخبة من الشباب المتعلم ومتعدد المعرفة والمختص في مجالاته، وليس رجال السياسة الذين يلعبون في الميادين بحثا عن فرص سياسية، على «ظهر» المثقفين والباحثين ورجالات الفكر.
ويأسُ المنجرة واضحٌ تماما من خلال كتبه الأخيرة ذات الطابع الهجومي، والتي أعاد فيها الاعتبار لمفاهيم الصراع الحضاري والديمقراطية. وقد وعى جيدا أنه لا سبيل إلى القطع مع أنماط الاستبداد السياسي والمعرفي والثقافي إلا بتحول الأنظمة السياسية العربية إلى أنظمة ديمقراطية، واكتشف أن الهوان و»الذلقراطية» والقمع لن ينتجا إلا مواطنا عربيا خانعا ومطواعا وقابلا لكل شيء.
وهذا يعني أنه لا نهضة مع وجود الاستبداد، ولا أمل في تحقيق النموذج الياباني، لأن الأمر أعمق من مجرد إتباع نموذج، بل يتعلق بسياقات ثقافية وجغرافية تؤهل البشر للتحول، فالياباني الذي يعيش في الجزيرة ترغمه الجغرافيا على الانطواء والحذر، لكنها تمنحه في الآن نفسه فضيلة المغامرة وتجاوز إعاقة الحصار المائي الذي يحيط به من كل الجهات، ويحبسه عن الانطلاق نحو العالم.
لذلك، فمغامرة ُالبحث وتجاوز الصعاب وقهر الأمر الواقع هي ميزة الإنسان الياباني، وحين يختار أن يضع حدا لحياته بطريقة الهاريكيري بغرز سيف الساموري في بطنه، فلأنه يؤمن بالتجاوز حيث لا مكان للهزيمة في قلبه.
ولعل الأدب الياباني يعلمنا الكثير، وشعر الهايكو يقدم إلينا المادة الحاسمة عن عبقرية الروح وغنى العقل للبلاد التي أحبها المهدي المنجرة وتعلق بنموذجها التنموي والحضاري، وظل يتحسر لأن العرب هم أكثر الشعوب إنتاجا للفرص الضائعة.
عليك الرحمة أيها الرجل الذي منعه باشا تاونات، ذات صيف، من إلقاء محاضرة على شباب في هامش المغرب، وأغلق دار الشباب في وجهه، وأحضر عمال البلدية وعلق لافتة للإصلاح!!!

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 34 مشاهدة
نشرت فى 18 يونيو 2014 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

280,280