محمد الراوي
تمساح بلا دموع
العدد :2403 - 17/06/2014
يحكي بوالركابي، والعهدة عليه، أن ابن خالته «الفلايكي» أكد له أن المراكب الصغيرة المتحركة عند مصب أبي رقراق أصبح شغلها منــــحصرا في نقل البسطاء بين الضفتين، وأن رحلات «النزاهة إلى قاع الواد»، التي كان يستمتع بها أهل الرباط وسلا، انقرضت من زماااان.
ويروي «باكا مول الصاكا» أن عياد الصياد أخبره بأن زملاءه المولعين بالقصبة توقفوا عن إلقاء صناراتهم في النهر الفاصل بين العــــدوتين وانتقلوا بهوايتهم إلى الشاطئ الأطلسي الملوث، منذ أن اختفى سمك الشابل من نهر أبي رقراق؛ وهم يجدون اليوم صعوبة في وصــف مذاق طواجين الشابل لأبناء وأحفاد يعيشون في زمن «السندوتش والطروطية».
لم يعد هناك رسام ينتقل إلى ضفة الوادي ليرسمها لحظة الغروب وقد انعكست حمرة الشفق على سطح المياه وصبغت بياض سحب عابرة، فهذا زمن التجريدي الذي لا يحتاج غير خطين ونقطة، أو دائرة، ليسمي لوحته ما يشاء: «فلسطين في القلب» أو «غرام وانتقام».
ضفتا نهر أبي رقراق، كما يراهما العابرون لقناطره الأربعة، تبدوان خاليتين على مدار اليوم؛ رومنسيتهما لم تعد تغري العاشقين في زمن «التشرميل» الذي إن دل على شيء فإنما يدل على «انتحار الحب».
في هذه الظروف، الموشومة بالسكاكين والسيوف، ليس غريبا أن يظهر بيننا فجأة «تمساح بلا دموع». ولو أن أهلنا في « راس الدرب » لم يستسيغوا هذا الظهور. وانتصب السؤال في الحال: «من يستطيع أن يرى ما يتحرك على ضفة أبي رقراق التي هجرها الفلايكية والصيادون والفنانون والعشاق؟ من يستطيع رصد المتحرك في الضفة الخالية حتى لو كان تمساحا؟».
ومع ذلك، أشهد مع الشاهدين أن تمساحا في حجم شجيرة ضرو، استطاع أن يخفي «غابة الزيادات الحارقة» في الأسعار.
لم نسمع هدير محركات الهيليكوبتر تمسح المكان، ولا رأينا تحركا مناسبا لخطورة هذا الوضع، أو فيلقا متخصصا يبحث بين الحشائش عن تمساح غير شرعي ربما دخل نهر أبي رقراق عن طريق الهجرة السرية، بل والتأكد مما إن كان وحده أم معه أفرادا من عائلته لم يلمحهم أحد بعد.
جماعة خالي البوهالي وجدوا في الأمر موضوعا للتنكيت والتبكيت.. قال أحدهم: لعل التمساح ظهر تلبية لدعوة من الشخص الذي ادعى رؤيتـه، وإلا لكان قد استمتع بهدوء الوادي دون أن يزعجه مزعج. ورغم أن تلك «الرؤية المضببة» لم تثبت ثبوتا شرعيا، فقد راح القوم يتساءلون من أين يمكن أن يصل تمساح إلى نهر أبي رقراق الذي يصب في محيط خال من هذا النوع من المخلوقات.
اجتهد أحدهم وقال: ربما كان هناك واحد من ملاك المراكب الفخمة جاء بتمساح حديث الولادة لتربيته فسقط من المركب في النهر حيث ترعرع منذ نعومة أنيابه. لكن هذا المجتهد لم يوضح من أين يمكن أن يأتي المالك بتمساحه في زورقه الفخم الرابض دوما في «مارينا سلا»؟
لم يربط أحد من جماعة خالي البوهالي بين«التمساح المفترض»وبين رئيس الحكومة،ليقينهم بأن تماسيح بنكيران حقيقة ملموسة، محسوسة، مدسوسة، مثل السوسة.
صاحبنا كريمو لم يصدق الحكاية من أصلها، وظل يتساءل: إذا كان التمساح قد ظهر فعلا، فأين دموعه؟؟
ساحة النقاش