وريه وريه وإلى عما..
عندما كنا سباقين إلى كشف فضيحة الكروج وثلاثين ألف درهم من الشوكولاته التي دفعها من المال العام بمناسبة حفل عقيقة ابنته، طلب رئيس الحكومة تقريرا مفصلا حول القضية. وعندما تأكد من أن ما كتبناه كان صحيحا، واكتشف أن ما خفي كان أعظم، قرر طلب إقالة الكروج من منصبه. لكنه تراجع في آخر لحظة عندما فهم أن الكروج ليس وحده من كان يجب عليه أن يغادر السفينة الحكومية بل وزير الوظيفة العمومية محمد «مفدع»، عفوا مبدع، وزير الوظيفة العمومية الذي «طبز» لها العين بحشره لنفسه ومنصبه في غرفة نوم برلسكوني وتأكيده أن كريمة المحروق كانت قاصرا عندما عاشرت الرئيس الإيطالي السابق.
ولأن الوزيرين ينتميان معا إلى حزب الحركة الشعبية، الذي أظهر وزراؤه أن دودة «الشطيح» متأصلة فيهم، خصوصا الحداد وأوزين، فقد خف حماس بنكيران لإقالتهما حتى لا يتسبب ذلك في انسحاب الحزب بكامل وزرائه من التحالف الحكومي.
وإذا كان رئيس الحكومة، الذي بدأ ينافس وزراء الحركة في «الشطيح» بنشر صوره وهو يضرب «البندير»، قد ذهب بعيدا في إجراءات إقالة وزير الشوكولاتة والوزير صاحب «الطحشة»، فإن معاليه لم يحرك ساكنا عندما تعلق الأمر بوزير ثرثار لم يجلب للحكومة منذ دخلها سوى المشاكل.
يتعلق الأمر بوزير الاتصال مصطفى الخلفي الذي تحول مؤخرا إلى وزير شبح. فمدراء وزارته يقاطعون كاتبه العام ولا يحضرون اجتماعاته، ومدراء قنوات القطب العمومي يرفضون تلبية دعوات الوزير للحضور إلى البرلمان للاستماع إلى خطبه الإنشائية حول الجيل الثاني من الاصلاحات.
وحتى عندما يذهب الوزير إلى البرلمان يقترف كارثة، وآخرها كانت الأزمة الدبلوماسية التي تسبب فيها للمغرب مع المكسيك عندما قرن الحديث عنها بالمواخير.
عندما كنا سباقين إلى كشف تسبب وزير الخارجية السابق سعد الدين العثماني في أزمة دبلوماسية مع الكويت، بسبب استغلاله لزيارة رسمية للجلوس مع المعارضة الكويتية الممثلة في أعضاء من الإخوان المسلمين، مما تسبب في استدعاء السفير المغربي ابن الجنرال بناني، أنكر الوزير الأمر قبل أن يذعن للأمر الواقع ويقبل الخروج من الحكومة بعدما أجبره بنكيران على ذلك. فبعد واقعة الكويت صار وزراء خارجية الدول العربية يتحاشون الاجتماع بحضور العثماني خوفا من تسرب أخبارهم إلى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين. وهكذا أوشك المغرب على عهد خارجية العثماني أن يعزل عن محيطه في مقابل الشهية المفتوحة للجزائر للعب دور دبلوماسي ريادي.
وإلى حدود اليوم تسبب ثلاثة وزراء في حكومة بنكيران في حوادث سير دبلوماسية مع دول يعتبر دورها مؤثرا في ملف الصحراء. العثماني مع الكويت، ومبدع مع إيطاليا، والخلفي مع المكسيك.
وإذا كانت زلة العثماني قد كلفته حقيبته الوزارية وزلة مبدع كادت أن تكلفه حقيبته، فإن رئيس الحكومة يبدو متسامحا جدا مع زلة الخلفي، علما أنها الأخطر لكونها كانت موضوع رسالة احتجاج رسمي من دولة المكسيك على المغرب.
ولذلك فأقل ما يمكن أن يقوم به بنكيران هو طلب إقالة وزيره في الاتصال، لأنه سيكون من غير اللائق الاحتفاظ بوزير تسبب في أزمة دبلوماسية مع دولة أجنبية ناطقا رسميا باسم الحكومة.
اللهم إلا إذا كان بنكيران يرى في الخلفي عبقرية نادرة لم يسعفنا نظرنا في رؤيتها. علما أن العبقرية الوحيدة للخلفي هي تمكنه في ظرف سنة من تحمله للحقيبة الوزارية من اقتناء فيلا فخمة بالهرهورة بحوالي ستمائة مليون وفيلا ثانية في القنيطرة وسيارة فخمة. وفي الأخير لم يجد السيد الوزير من شيء يقوله سوى أنه سيلجأ إلى افتحاص الدعم المقدم للصحف منذ 2005 إلى اليوم، والحال أن من يجب أن يخضع للافتحاص هي تلك الوزارة التي يسير، وأيضا علامات الاغتناء التي ظهرت على السيد الوزير خلال سنتين ونصف، عملا بمبدأ «من أين لك هذا».
ولعل المثير للريبة والشك في أمر وزير الاتصال هو تشبثه بكاتبه العام رغم أننا كشفنا للرأي العام استفادة هذا الأخير من أموال المغادرة الطوعية وبالتالي سقوط حقه في العودة إلى أسلاك الوظيفة العمومية.
ومع كل ذلك ها نحن نسمع وزير للاتصال يلمح إلى أن الكاتب العام مستعد لإعادة أموال المغادرة الطوعية إلى خزينة الدولة للبقاء في منصب الكاتب العام لوزارة الاتصال.
الخلفي، ومن ورائه حركة التوحيد والإصلاح، يعرفون أن منصب وزير زائل بزوال الحكومة، فيما منصب الكاتب العام منصب دائم لا ينهيه سوى الإحالة على المعاش، ولذلك فهم يتقاتلون من أجل زرع أحد رجالاتهم في هذا المنصب المفصلي في الوزارة والحكومة بحكم أنه يتحكم في صناديق دعم القطاعات الأكثر حساسية في المجتمع وهي قطاع الإعلام والسينما والإطارات المهنية المرتبطة بها.
والمثير في موضوع اعتراف الخلفي بأن وضعية كاتبه العام غير سليمة، مما يؤكد ما كتبناه، هو أنه كان عليه منذ اللحظة التي اعترف بها بهذا الخرق أن يوقف كاتبه العام عن مزاولة مهامه إلى أن يسوي وضعيته القانونية. وليس هذا فحسب، بل إن وزير الاتصال مجبر بحكم القانون على إلغاء جميع القرارات التي اتخذها كاتبه العام بهذه الصفة الإدارية الباطلة، لأن ما بني على باطل فهو باطل.
وهكذا فالخلفي يجب عليه أن يشكرنا عوض أن يهاجمنا لأننا نهدي إليه أخطاءه. فقد نبهناه إلى خطيئة التدخل لابن الحمداوي صاحب شركة «طريق الاستثمار»، فتراجع واعترف بعدما قرصوا له أذنه في الحزب والحركة.
ونبهناه إلى خطيئة الدفع بمرشح «حركة التوحيد والإصلاح» سعد لوديي لمنصب الكاتب العام للوزارة، فتراجع ثم أنكر كاذبا أنه كان وراء هذا الترشيح أصلا.
ونبهناه إلى أن اليعقوبي الكاتب العام الجديد الذي عينه سبق له أن استفاد من أموال المغادرة الطوعية، فأنكر و«عصعص»، ثم استسلم واعترف وقال إن كاتبه العام سيرد الأموال لكي يبقى في منصبه.
وسعيا إلى تنبيه السيد الوزير إلى زلاته، عملا بالحكمة المغربية التي تقول «وريه وريه وإلى عما سير وخليه»، فإننا نحمل إلى علم سعادته أن كاتبه العام يجر وراءه ماضيا يثير الكثير من علامات الاستفهام، خصوصا فترة تحمله لمسؤولية رئاسة نادي الفتح الرباطي للشطرنج.
وحسب الوثائق والمعطيات المتوفرة لدينا فالسيد أحمد اليعقوبي، الكتاب العام الحالي لوزارة الاتصال، متورط في ملف مالي يخص فرع نادي اتحاد الفتح الرياضي للشطرنج بالرباط، خلال الفترة التي أسندت فيها إليه مهمة رئاسة النادي.
فقد سحب مبالغ مالية من الحساب البنكي للنادي لفائدته الشخصية، ودون عرض الأمر على المكتب المسير للنادي ولا اشتراط الحصول على توقيع أمين ماله.
وتفيد وثيقة مؤرخة في الثامن من نونبر 2012 أن الكاتب العام الحالي لوزارة الاتصال، والمقرب عبر زوجته من حزب العدالة والتنمية، والبطل السابق في رياضة الشطرنج، سحب مبلغ 43 ألف درهم من الحساب الخاص بنادي الفتح لرياضة الشطرنج، فرع الرباط، بتاريخ 10 شتنبر 2012، لفائدته الشخصية ودون تقديم تبرير.
مما جعل أمين مال النادي المذكور بمجرد اكتشاف هذه العملية الغامضة يراسل اليعقوبي، بتاريخ 8 نونبر 2012، لكي يستفسره عن حقيقة ما أسماه «التلاعب المالي الخطير»، طالبا توضيح حيثيات سحبه لمبلغ 43 ألف درهم من الحساب الخاص بالنادي، لفائدته الشخصية، بواسطة شيك موقع من طرف الكاتب العام لفرع النادي.
وتكشف وثيقة أخرى متوفرة لدينا سحب رئيس الفرع، اليعقوبي، بتاريخ 17 يونيو 2011، مبلغا ماليا آخر من الحساب البنكي للنادي، قدره 10 آلاف درهم، في اسمه الشخصي، وتزامن هذا السحب مع إعلان اليعقوبي ترشحه لمنصب رئيس الجامعة الملكية للشطرنج.
فهل يحتاج منا رئيس الحكومة نشر ما هو أفظع وأشنع لكي يقرر أخيرا إقالة وزيره في الاتصال؟
ساحة النقاش