فلاش بريس
كاتبة و صحفية
وزراء خارج التغطية الحكومية
كيف يمكن أن يشعر وزراء وهم يتابعون مثل الأطرش في الزفة هبوط المذكرات مختلفة الفحوى والمضمون حول الانتخابات المقبلة؟ فما قاله أحد زعماء الأغلبية الحكومية حول جهله ووزراء آخرين بترتيبات وأجندة الانتخابات يحيل إلى الشتات الذي تعيشه هذه الحكومة المتضامنة في كل شيء إلا في معرفة ما يحدث حقيقة في مطبخ إدارة الجهاز التنفيذي.
والمتابع يكاد يصاب بالدهشة وهو يرصد كيف أن للحكومة مذكرتين حول الانتخابات، واحدة لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران ناقشها مع أعضاء الأمانة العامة لحزبه بعيدا عن أعين حلفائه، وأخرى لوزيره في الداخلية محمد حصاد عرضها على أنظار البرلمان.
ورغم أن بنكيران أكد أثناء التعديل الحكومي الأخير أنه هو من كان وراء اختيار التكنوقراطي حصاد ليقود وزارة الداخلية، إلا أنه بدا على غير انسجام معه، طالما أن كل واحد منهما أراد استعراض قوانينه ومذكراته الانتخابية. واللافت أن أحزاب الأغلبية والمعارضة تؤيد وزير الداخلية وليس رئيس الحكومة في الإشراف على الانتخابات.
وإذا كان موقف المعارضة مفهوما، فإن موقف الأغلبية يثير الكثير من علامات الاستفهام. لأن هذا التأييد يخفي أزمة ثقـة بين زعماء التحالف ورئيس الحكومة، ما لبثت الاختبارات تفضحها رغم المحاولات المتكررة لإخفائها. وقد كانت الانتخابات الأخيرة في منطقة سيدي إيفني مناسبة لبروز ذلك التنافر أو لنقل النفاق الحكومي، بعدما أيد حزبان في الحكومة مرشح المعارضة على حساب مرشحي حلفائهم. وهو سيناريو مرشح للتكرار أكثر خلال الموسم الانتخابي المقبل، لذلك لاحظنا كيف أن حزب رئيس الحكومة يحضر نفسه لمواجهة تحالفات يرغب في استباقها.
وقد حاول بنكيران أن يبدد الشكوك، خصوصا أن هناك تململا في قواعد العدالة والتنمية ومخاوف مشروعة من عدم إحراز نتائج ملموسة في الانتخابات المقبلة في ظل رفع الحكومة أسعار المواد الغذائية والمحروقات والماء والكهرباء، لذلك كشف عن مذكـرته، معلنا نيته قيادة المشاورات مع الأحزاب السياسية وإشرافه السياسي المباشر على الانتخابات وترك الجوانب التنظيميــة والتقنية للداخلية . وهو أمر لم يكن بحاجة للتأكيد عليه طالما أنه هو رئيس الحكومة وتقع وزارة الداخلية تحت إمرته.
وبرغم أن اللوائح الحالية التي يريد بنكيران تغييرها هي التي أهلته لأن يتبوأ الرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية التي جرت بعد هزة الربيع العربي،وأن أي طعن فيها هو طعن في النتائج التي جعلته قائدا للحكومة، إلا أن حزبه يبدو فاقدا للثقة في إمكانية معاودة الكرة من جديد. لذلك يحيط العملية الانتخابية برمتها بشكوك استباقا لأي نتائج قد لا تكون في صالحه. وقد جاءت مذكرة حصاد لتضيف ملحا إلى الجرح، بعدما أعلن الرجل عن أجندة الانتخابات وقوانينها، مؤكدا أن لا تغيير للوائح الانتخابية ولا لنمط الاقتراع.
وأمام العروض المتناقضة لرئيس الحكومة ووزيره في الداخلية، لم يجد أحد الوزراء وهو زعيم حزب غير القول « إننا لا نعرف أين تتخذ القرارات الحكومية ونحن نفاجأ بها كغيرنا وكأننا خارج الحكومة».
والسؤال الذي لا نجد له جوابا، هو لماذا لم يجمع بنكيران أغلبيته لبحث أجندة الانتخابات، ثم يستدعي حكومته وضمنها وزير الداخلية للتشاور والخروج بتصريح حكومي واحد عوض بعث الرسائل لمن يهمهم الأمر عن طريق المذكرات.
الثابت أن زعماء الأغلبية لم يجتمعوا لأزيد من شهرين، أما الحكومة فقد اجتمعت الخميس الماضي بعد صدور المذكرتين، وخرجت ببلاغ لا يشير لأي منهما.وهو ما يعني أن رئيس الحكومة لم يشأ طرح الانتخابات على طاولة النقاش الحكومي، وأنه تفادى مواجهة وزيره في الداخلية، أي أنه لا أثر لنقاش حكومي لا حول مذكرة بنكيران ولا حول مذكرة حصاد، كما لا وجود لنقاش حول تغيير اللوائح الانتخابية أو نمط الاقتراع التي يطالب بها الحزب الحاكم، أي أن الوضع على ما هو عليه حتى إشعار آخر، يقرر فيه رئيس الحكومة الأخذ بزمام الأمور داخل مجلسه عوض الهروب بالأسئلة الحارقة لمقر حزبه.
ساحة النقاش