فلاش بريش
وفاء المهدي
كاتبــــــــــة
تصفيقات لحكومة بنكيران
يحكى أن بيكاسو جلب في إحدى المرات حمارا، وربطه جاعلا ذيله المليء بالألوان على لوحة بيضاء، يحركـه فــــي كــــل اتجاه. وحين عرض اللوحة، حازت على إعجاب الكثيرين مع وصف سخي لجمالها، وما تشكله من تقدم ومنعطف في المجال الفني وفي تجربة بيكاسو الفنية بالذات..
بيكاسو استطاع أن يسخر من آراء متتبعيه من نقاد ومهتمين ومعجبين، من خلال الثقة التي حصدها مما راكمـــه طـيـلـة تجربتـه الفنية، وليس من خلال اللوحة المرسومة بذيل الحمار. فالأحكام انطلقت من بيكاسو ليتم إسقاطها على اللوحة، وليس العكس. وهذه الحكاية تجعلنا نعيد النظر في أحكامنا التي نصدرها في حياتنا، وذلك على أساس أن لا يتم ربط العمل بصاحبــه مباشرة، بل يجب إعطاء قيمة للعمل في حد ذاته. وفي ما يخصنا، فبعض المسؤولين الذين تعاقبوا على آلامنا، ونـخـص بالـذكــر الـحـكـومـــة الحالية، يرون أنفسهم مثل بيكاسو، مع فارق كبير بين الطرفين بالتأكيد، فهؤلاء يرون في الكراسي والمناصب التي وصلوا إليها بفضل ثقة المواطنين، وسيلة لشرعنة زاوية رؤيتهم الضيقة مع رفضهم لأي انتقاد، عوض أن ينكبوا على حل المشاكل المتفاقمة من منطلق وعودهم التي قطعوها سابقا. فبحسب التجربة التي لم يثبت عكسها ونقيضها لحد الآن، مازال دخول الـبـعـض إلى قبة البرلمان يترافق مع تغير الكلمات، والنبرات وربطات العنق.. وبمجرد حمل حقيبة وزارية يبدأ توزيع الابتسامات العريضة التي لا معنى لها في وضع متأزم يتجرعه المغاربة في كل لحظة، ولعل ما حصل أخيرا بالبرلمان من سب وشـتـم بالـكـلام الـنـابـي، يؤشر على وجود أزمة حقيقية لدى بعض هؤلاء المسؤولين، إذ لم يعرفوا لحد الآن ما دور البرلمان، مادام هذا الفضـاء يـتـم تـسـخـيره لحسم الخلافات والحسابات الشخصية، بل الأكثر من ذلك أن البعض يرى في منصبه حصانة من كل متابعة تـسـتـوجـب الـصـمــت والتصفيق، لذلك يطلق العنان للسانه في الوقت الذي يجب أن يطلق فيه العنان لأفكاره. ربط المسؤولية بالمحاسبة تــم الـتـراجــع عنه في ظل هذه الحكومة الإسلامية بقرار من رئيسها عبد الإله بنكيران، بعد العفو عن ناهبي المال العام. من هذا المنطلق، كان من المفترض أن يتم العفو عن كل المتهمين بالسرقة، من سرقوا لأنهم لم يجدوا عملا بعد تقليص الحكومة لمناصب الشغل.. كان على الحكومة أن تعفو عمن تورطوا بالقروض الصغرى ولم يستطيعوا تسديد الأقساط.. كان على الحكومة أن تعمم هذا الـقــــرار على كل الطبقات، لا أن تجعله حكرا على الطبقة الميسورة إن لم نقل الطبقة فاحشة الثراء.
وبما أن مبدأ «عفا الله عما سلف»، هو مبدأ عام لدى حزب العدالة والتنمية، فطبيعي أن يسكت الخلفي الذي ملأ الـبـرلـمـــان في إحدى المرات بقوله «اللهم إن هذا منكر»، بعدما بثت إحدى القنوات عرضا للقفطان المغربي، وبالتالي لن نستغرب عدم احتجاجه على الوفا في قبة البرلمان، رغم أن العدالة والتنمية دائما ما تخاطب قلوب المغاربة من الجانب الديني والأخلاقي فقط.
الظاهر أن الوفا مشمول برضى بنكيران ووزرائه، لذلك فليقل ما يحلو له، لكن كل المغاربة الذين يرفضون الزيادات هـــم في حكم «الأبناء العاقين»، لذلك فرئيس الحكومة لا يتورع عن وصف المنتقدين بشتى الأوصاف التي لم نسمع بها من قبل.
والحصيلة أن الأخلاق أضحت على يد حكومة بنكيران – مشكورة- فقط شعارا أجوف يملأ الدنيا ضجيجا، وبالتالي نفهم أن حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، حين قامت أخيرا بحملة «عفتي سلامتي»، ووضعت الحجاب مـعــادلا للسلامة، فهي تعني رضا بنكيران على الموالين له وليس الحجاب المعروف لدينا. فحجاب بنكيران بالانخراط مـعـه ومـدحــه والتصفيق له وعدم انتقاده في أي مجال، هو ما يفتح الباب الواسع أمام كل شيء، بما فيه الكلام النابي، فــالــوفــا إذن مُـحـجـــب ومحصن ومرضي بنكيران.
ساحة النقاش