رجل الأطلس النائم.. ماذا لو نهض؟ للكاتب الصحفي حكيم عنتر
في الطريق، من الدار البيضاء إلى زاوية الشيخ، عليك أن تقطع بالسيارة أكثر من 300 كيلومتر. في هذا الطريق، وعبر هذه المسافة، يمكن أن تكتشف ما يعنيه المغرب العميق تحديدا.
تخرج عبر الطريق السيار، وتنعطف إلى ابن احمد، ثم ثلاثاء لولاد وملكو، ومنهما إلى خريبكة، ثم وادي زم وأبي الجعد، فرأسا إلى قصبة تادلة، كي تنعطف يسارا، حيث الطريق الصغير المؤدي إلى زاوية الشيخ، ومنه يمكنك الذهاب إلى تخوم الأطلس، خنيفرة وأزرو وإفران، أو تنزل إلى فاس ومكناس.
طرق المغرب متشابهة، وقراه ومدنه الصغيرة، كأنما بعثرتها يد البناء نفسه. في الطريق إلى زاوية الشيخ، لا بد أن تتذكر أغاني الأطلس ومحمد رويشة وشيخات الأطلس؛ لا بد أن تحس بأن الحياة المغربية هناك على سجيتها، وأنه لولا «الفرنسيس» ما كنا لنصل إلى هنا إلا على ظهور البغال والحمير.
على طول المسافة، هناك «باراجات» الدرك، فأكبر شريان حيوي نحو تخوم الأطلس يصبح العبور إليه ونحوه مغامرة حقيقية.
في الانعطافة من قصبة تادلة، نحو الزاوية، يثير فيك التملي في «رجل الأطلس النائم»، فضولا كبيرا. هذا التكوين الصخري الهائل الذي اكتشفه طيار فرنسي في بدايات القرن الماضي، والذي يمثل رجلا مسجى، وبملامح واضحة، الرأس والعينان والذقن وتفاحة آدم والصدر العريض وعلامة الذكورة والأطراف السفلى، هذا التكوين الصخري يفتح أمامك، لأول وهلة، دهشة السؤال: ماذا لو نهض هذا الرجل أو استفاق من نومته الأبدية أو قام فقط غضبا على وضع بلاده التي يحرسها، كم من الفزع سيثير في القلوب الضعيفة؟
رجل الأطلس، المنبطح على ظهره في شبه استسلام، يبدو وكأنه لم يعد يأمل شيئا؛ حتى أغاني الأطلسيات لم تعد تثير فيه شهية الحياة ولا النهم نحوها، وما أكثر ملذات هذا الأطلس الجميل الأخاذ، وما أبهج الحياة فيه، لكنهم تكالبوا عليه وقتلوا فيه على مدار السنين نسائم العزة، وحاصروه من كل جانب، وأنهوا كل أمل في جعله أطلسا للشموخ وإمكانية أخرى من المغرب الجميل.
يقول مرافقي: السياسات المتعاقبة أعدمت هذه البلاد، فهذا الأطلس المعطاء لم يكن يعرف حقيقته إلا المعمرون، كانوا يحلبونه، لكنهم في الآن نفسه كانوا يخافونه. اُنظر إلى «رجل الأطلس»، وحده كان يشكل رعبا حقيقا للفرنسيين. وهؤلاء كانوا يدركون تماما أنه بقدر صفاء وبساطة من يسمونهم بـ«الأهالي»، فقد كانوا يتحاشون ثورتهم ويعرفون تمام المعرفة أن غضبهم سيهد الجبال ويجعل ضواري الغابة تخرج من مخابئها.
درجة الحرارة تجاوزت الأربعين في الخارج. أغاني ناس الغيوان تؤنسنا في الطريق، صوت العربي باطما يخترق المدى «مهمومة آخيي مهمومة» وبندير عمر السيد مثل آلة حرب، ضرباته القوية والموزونة تنفض الغبار عن أشد الرؤوس بلادة، وتهز أركان النفوس المستكينة.
الجبل يتمايل والقناطر والمسالك التي شيدها المستعمر، تخبر عن أي تنمية يتحدث سماسرة الكلام وباعة اللغة. تلوح في الأفق زاوية الشيخ مثل فتاة بها نفور الأفراس. ندخل المدينة.. شهر الصيام وحرارة الجو يبسطان السيطرة على البشر والحجر.
في شلال عين «تامدا» نكتشف جنة صغيرة، وسط هذا الهجير الحامي. شباب وشابات، أطفال، رجال ونساء، الكل هنا يلوذ ببرودة الشلال اللذيذة ومائه العذب. أتحسس برودة الماء مثل جلد ناعم، وأتمنى لو ألثم ثغر هذا اللجين الإلهي.
في هذا المكان الذي يحرسه الجبل من كل جانب، يمكن أن تنصت إلى نفسك، وتسأل: لمَ عليك أن تقطع هذا الطريق في خمس أو ست ساعات.. لماذا يجعلون البلاد بعيدة عن أبنائها، ولمَ يضعون السياج وراء السياج ويخربون الجمال؟
وأنا أضع قدمي في الماء البارد وأتماوج مع هدير الشلال، أفكر في رجل الأطلس النائم بجثته العملاقة، وأخمن: ماذا لو استشاط الرجل غضبا، ماذا لو تحرك الأطلس؟
ساحة النقاش