أكبر سفارة لواشنطن في العالم مهدّدة بالإغلاق..إدارة ترامب”نفد صبرها”وحركة النجباء تتحدث عن”ثكنة عسكرية” في المنطقة الخضراء: هل يبدأ فصل جديد من المواجهة بين إيران وأميركا في العراق؟ تخوفات من عقوبات”تطال الجميع”في بغداد وتمايز لصالح أربيل ان نفّذ بومبيو تهديداته
<!--<!--
برلين – “رأي اليوم” – فرح مرقه:
تخلط تهديدات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للرئيس العراقي برهم صالح بإغلاق السفارة الأمريكية في بغداد والإنسحاب منها، أوراق السياسيين العراقيين كما والحلفاء لواشنطن في المنطقة، إذ تعدّ سفارة الولايات المتحدة في المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية بمثابة غرفة عمليات كبيرة لإدارة الوجود الأمريكي في المنطقة.
ونقلت عدة صحف أمريكية عن بومبيو أنّه أرسل رسالة واضحة للرئيس صالح وحذّر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي”لآخر مرة”من اضطرار واشنطن لسحب دبلوماسييها وإغلاق السفارة إثر تكرر الهجمات المسلحة عليها وعلى دبلوماسييها والمتعاقدين معها من جانب مليشيات أقرب لطهران.
وتختلط الأوراق بهذا التهديد الذي يبدو كبيرا من الولايات المتحدة اذ فسّرته بعض وسائل الإعلام على أنه يوقف الدبلوماسية الأمريكية رغم استمرار التواجد العسكري هناك، ما قد ينبئ ببدء هجمات مضادة على المليشيات المدعومة من إيران كما أنه قد يضاعف فرص العقوبات على شخصيات وكيانات عراقية، إضافة إلى أنه يهدد بوقف الإعفاء الذي تحصل عليه بغداد كل عدة شهور (تم تقليص المدة مؤخرا لشهرين) لاستيراد النفط الايراني.
ورغم أنّ التواجد العسكري الأمريكي تم تخفيضه منذ الغزو الأمريكي للعراق قبل سبعة عشر عاماً وصولا لنحو 5200 جندي مرشحين للنقصان لنحو 3000 جندي فقط، إلّا أنّ هذا التواجد دون ذلك الغطاء الدبلوماسي الواسع- الذي تفرضه السفارة الأمريكية الأكبر في العالم والموجودة في بغداد- يعني تواجدا عسكريا أكبر من الدبلوماسي وهو ما يمهد لسيناريو خطر من الهجمات والهجمات المقابلة بين واشنطن وطهران على الأراضي العراقية.
وأعلن الأمين العام لحركة النجباء المسلحة، أكرم الكعبي في الوقت ذاته أن الولايات المتحدة قد أدخلت إلى سفارتها أسلحة دقيقة مطالبا الحكومة بالرد عليها، واصفا السفارة بالثكنة العسكرية ومتوعدا بـ”رد المقاومة”ما يزيد الأمر تعقيدا في المنطقة الخضراء وبين الأطراف العراقية.
وتؤكد مصادر متعددة بالوقت ذاته أنّ رئيس الوزراء الكاظمي وجد نفسه بموقف شديد الحرج بعد أسابيع قليلة على عودته من زيارته لواشنطن، والتي بدت وكأنها إنجاز كبير للرجل بسبب الحفاوة التي قوبل بها، إضافة إلى أنّ الخطوة الأمريكية والتي من المنتظر أن تتم بصورة تدريجية وخلال ثلاثة أشهر، وفق صحيفة”وول ستريت جورنال”الأمريكية، والتي نقلت ذلك عن مصادر عراقية.
بالاثناء تظهر أيضا نظرية أخرى تفيد بأنّ الإنسحاب الدبلوماسي الأمريكي قد يرافقه أيضا انسحاب عسكري خصوصا إذا ما بقي الرئيس الأمريكي في السلطة بعد انتخابات نوفمبر، وهو ما يهدد العراق بفراغ يرى المحللون الغربيون أنه قد يؤدي لانسحاب المزيد من الأطراف الغربية أو على الأقل تقليص وجودهم.
الفراغ المذكور والذي قد يكون سببا في تمدد النفوذ الإيراني مجددا في العراق قد يكون أيضا سببا في المزيد من الفوضى والتي قد تستفيد منها أطراف متشددة كتنظيم الدولة الإسلامية وغيره، وفق تقديرات مختلفة خصوصا وأنّ السفارة الأمريكية في العراق هي مركز إدارة العديد من عمليات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد التنظيم المعروف بـ”داعش”.
ويظهر التحذير الصارم الأمريكي نفاد صبر الإدارة الامريكية على عدم قدرة الحكومة الحالية على السيطرة على المليشيات المختلفة، في حين ترى فيه الأطراف الموالية لإيران إقتراب للانتصار وتحقيق الإنتقام الذي وعدت به طهران لاغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني.
وتكشفت منذ اغتيال سليماني بداية العام الحالي صعوبة السيطرة على المليشيات العراقية، وهو ما اعتبرت صحيفة المونيتور أنه انهيار لمنظومة كاملة كانت تعتمد عليه كقائد قادر على ضبط هذه المليشيات بصورة لا يستطيعها أحد سواه.
بهذا المعنى فإن انسحاب واشنطن بعدّتها وعتادها دبلوماسيا وعسكريا- إن صحت هذه النظرية- لن يعني فقط انتصار الإيرانيين داخل بغداد، بل وسيعني أنّ واشنطن لن يبقى لها موطئ قدم إلّا في إقليم كردستان شمالي البلاد وهو ما يعني المزيد من التباين في القوة والتنظيم بين بغداد وأربيل ما قد يشكل أزمة داخلية في البلاد لاحقا.
الإنسحاب من بغداد بصورته العسكرية طوال الوقت كان أحد وعود الرئيس الحالي دونالد ترامب لناخبيه وهو ما قد يبدو لناخبيه كتحقيق لأحد وعوده بينما قد يظهر في العالم بأنه هزيمة كبرى للولايات المتحدة أمام إيران والقوى الموالية لها.
رغم كل ذلك، لا تزال شخصية عراقية مناهضة للتواجد الأمريكي مثل السيد مقتدى الصدر تبادر لحماية الشق الدبلوماسي من التواجد الأمريكي وهو يطالب بتشكيل لجان تحقيق في الهجمات على الدبلوماسيين، في مبادرة أيدتها الحكومة ممثلة برئيسها الكاظمي والبرلمان ممثلا برئيسه محمد الحلبوسي، إلّا أنها لا تزال قيد الرغبة في التطبيق وهو ما يبدو أنّ واشنطن لا تريد أن تنتظرها.
وكان الصدر بداية العام قد أعلن استعداده للعمل مع الفصائل الشيعية المدعومة من إيران لإخراج الأمريكيين من العراق، بعد تصعيد واشنطن ضد فصيل”حزب الله العراقي”أحد مكونات الحشد الشعبي، في ضربة سبقت اغتيال سليماني وأوقعت نحو 30 قتيلا و50 جريحا.
يتعقد المشهد في بغداد عمليا إذن بعد كل هذه التطورات، خصوصا وأن رئيس الوزراء الحالي كان يعوّل على الدعم الغربي في انقاذ بلاده اقتصاديا وأمنيا وضبطها بعد أن انكشفت أزماتها خلال العام الماضي بدءا من المظاهرات الغاضبة والمطالبة بمكافحة الفساد ومرورا بسلسلة الإغتيالات التي طالت سياسيين ناشطين ومؤثرين في المجتمع.
وكان الكاظمي قد حاول فعلا تفعيل القانون الذي يحكم على الحشد الشعبي بالانضواء تحت لواء القوات المسلحة العراقية، أملا في السيطرة أكثر على المشهد الأمني إلى جانب كونه قام بتغييرات في هيكلية المؤسسات الأمنية، إلّا أنّ إجراءات الكاظمي حتى اللحظة لم تؤتِ أكلها رغم دعم المرجع الشيعي في النجف آية الله السيستاني للتحرك لصالح سحب السلاح غير المرخص وفرض هيبة الدولة.
ساحة النقاش