بعد خطابه الإنتخابي في الأمم المتحدة.. العالم يصفع ترامب للمرة الرابعة
<!--<!--
الأربعاء ٢٣ سبتمبر ٢٠٢٠ - ٠٥:٣٠ بتوقيت غرينتش
كما كان متوقعا جاء خطاب الرئيس الإيراني حسن روحاني وخطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، متقابلان بكل ما تحمل كلمة التقابل من معنى، فخطاب الرئيس روحاني كان عبارة عن "نعم" كبيرة للسلام والأمن والإستقلال والإستقرار والإمتثال للقانون والتعددية والقيادة الجماعية، و"لا" كبيرة للهيمنة والغطرسة والبلطجة والاستفراد، بينما كان خطاب ترامب "نعم" كبيرة للهيمنة والغطرسة والبطجة والاستفراد، و"لا" كبيرة للسلام والأمن والإستقلال والاستقرار والإمتثال للقانون والتعددية والقيادة الجماعية.
العالم – قضية اليوم - العالم / منيب السائح
خطاب ترامب أمس كان خطابا إنتخابيا بإمتياز، فقد خلى فقط من ذكر اسم منافسه الديمقرطي جو بايدن، وإلّا فإنه كان موجها من ألفه إلى يائه إلى أنصاره من اليمين العنصري المتطرف في أمريكا. فهو بدلا من أن يدعو إلى السلام والحد من سباق التسلح على مستوى العالم، إفتخر وبكل صلافه بأنه انفق خلال 3 سنوات فقط 205 تريليون دولار على الجيش الأمريكي الذي وصفه بالأقوى في العالم، وأنه يمتلك أسلحة فتاكة "يصلي لله" كي لا يضطر إلى استخدامها!، وهدد وبشكل غير مباشر منظمة الأمم المتحدة بأن تتبع سياسته إزاء القضايا الدولية، وأشار إلى "انجازاته"!!، في التصدي لوباء كورونا في أمريكا، وأنّ الفيروس يلفظ أنفاسه الأخيرة وأنّ اللقاح بات جاهزا وأنّ الوباء أصبح تحت السيطرة، في الوقت الذي يواجه انتقادات واسعة بسبب أسلوب تعامله مع الوباء الذي تسبب في تحول أمريكا إلى الدولة الأولى عالميا من حيث عدد الإصابات (نحو 7 ملايين) وعدد الوفيات ( 200 ألف).
اللافت أنّه مر مرور الكرام من أمام هزيمته الثلاثية الكبرى في الأمم المتحدة، بعد أن رفض العالم منطق البلطجة الأمريكية إزاء إيران، وصب جام غضبه بالمقابل على الصين، وحملها مسؤولية انتشار فيروس كورونا، الذي أشار إليه باسم "الفيروس الصيني" أكثر من مرة، داعيا العالم إلى محاسبة الصين، وهو هجوم جاء على النقيض تماما من دعوة الأمين العالم للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي دعا إلى القيام بكل ما يمكن لتجنب حرب باردة بين أمريكا والصين!!.
ترامب وفي ذات الخطاب "الإنتخابي" كرر تهديداته لكوبا وفنزويلا ونيكاراغوا، وأنه سيعمل من أجل نشر الحرية والديمقراطية في هذه البلدان!!، نظرا للمسؤولية التي تتحملها بلاده بوصفها ترفع لواء حقوق الانسان!!، وهي تهديدات جاءت أيضا متناقضة مع دعوة الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش الذي دعا إلى وقف عالمي لإطلاق النار ووضع حدا للصراعات في العالم من أجل مواجهة وباء كورونا.
أمام هذا الخطاب الإنتخابي والإستعلائي والإستفزازي والمتغطرس والإسقاطي لترامب، جاء خطاب الرئيس روحاني الذي أكد فيه أنه آن الأوان ليقول العالم "لا" للغطرسة والبلطجة، فعهد الهيمنة والتسلط بلغ نهايته، وأنّ شعوبنا وأبناءنا يستحقون عالما أفضل وأكثر أمنا والتزاما بالقانون، فاليوم هو يوم اتخاذ القرار الصحيح والصائب.
وردا على بلطجة ترامب وسياسة "العقوبات القصوى" وكذلك تهديداته الفارغة ضد الشعب الإيراني، أكد الرئيس روحاني أنّ أميركا لا يمكنها أن تفرض علينا، لا التفاوض ولا الحرب، وحتى لو كانت الحياة مع الحظر صعبة لكن الأصعب من ذلك هو الحياة بلا استقلال.
وتفنيدا لمزاعم ترامب بشأن حرصه على السلام في منطقة الشرق الاوسط، وتحميله إيران النتائج الكارثية لسياسة أمريكا في المنطقة عبر دعمها للكيان الإسرائيلي والأنظمة العربية الرجعية، قال الرئيس روحاني:"أنهم وببيعهم الأسلحة بمليارات الدولارات لمنطقتنا قد حولوها إلى مستودع بارود لكنهم وخلافا لكل القواعد القانونية والإجماع العالمي يسعون عبثا لحرمان إيران من الحد الأدنى من احتياجاتها الدفاعية ويمددون القيود التسليحية ضد إيران رغم النص الصريح للقرار 2231 (الصادر عن مجلس الامن الدولي عام 2015 بعد توقيع الإتفاق النووي والذي يقضي بانتهاء القيود التسليحية على إيران في اكتوبر القادم)"، وهو مسعى لاقى رفضا، بسبب بلطجيته، حتى من قبل حلفاء أمريكا التقليدين من أمثال بريطانيا وفرنسا والمانيا.
أشار الرئيس روحاني إلى المساعدات التي قدمتها إيران إلى شعوب المنطقة للقضاء على "فيروس داعش"، الذي خرج من مختبرات أمريكا، بشهادة المسؤولين الأمريكيين أنفسهم، إلّا أنّ أمريكا طعنت إيران من الخلف عندما اغتالت غدرا الشهيد القائد قاسم سليماني، أحد أكبر قادة النصر على "داعش"، وفرضت ظلما حصارا خانقا تجويعيا على الشعب الإيراني، ومنعت عنه حتى الدواء الذي هو بأمس الحاجة اليه لمواجهة وباء كورونا، فهل يستحق الشعب الإيراني الحظر؟، إنّ جواب السلام ليس الحرب، وإن مكافأة محاربة التطرف ليست الإغتيال.
أقوى صفعة وجهها الرئيس روحاني لترامب ومنطقه العليل، عندما تساءل روحاني في خطابه:" كيف يمكن أن تقوم حكومة من دون أي مبرر بإسقاط نتيجة 13 عاما من المفاوضات الدولية بحضور الحكومة السابقة لها، ولا تنتهك قرار مجلس الأمن الدولي فحسب، بل تقوم بفرض الحظر على الآخرين ومعاقبتهم لإلتزامهم وتنفيذهم قرار مجلس الأمن!!، وتقوم بالوقت نفسه بالإدعاء أنها تسعى للتفاوض وعقد صفقة؟!". .
رغم محاولاته الظهور بمظهر القوي والواثق من نفسه، إلّا أنّ ضعف ترامب وهشاشة منطقه ومرارة عزلته وخيبته بان وانكشف، فكان كمن يغرد خارج السرب، فخطابه لم يكن متقابلا لخطاب الرئيس روحاني فقط ، فقد جاء متقابلا لخطابات جميع أو جُل رؤساء العالم، فالرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، رفض انعزالية ترامب ومحاولته الإستفراد بالقرار الدولي عندما دعا إلى دور أكبر لمنظمة الامم المتحدة في إيجاد حلول لمشاكل العالم وقال:"في وقت يغذي الوباء الخوف من الانحدار، والرواية بشأن العجز الجماعي، أريد أن أقول أمراً بوضوح تام: في مواجهة حال الطوارئ الصحية والتحدي المناخي وتراجع الحقوق، يتوجب علينا، الآن وهنا، التحرك".
من ناحيتها، حذرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل من أن الأمم المتحدة "أجبرت في كثير من الأحيان على التخلف عن مُثلها في وقت حالت مصالح الأفراد، مرة بعد مرة، دون أن يعمل هذا النظام كما كان مقصودا له".
وخاطبت ميركل ترامب من دون أن تسميه عندما قالت:"لكن يخطئ الذين يعتقدون أن بإمكانهم تدبير أمرهم بشكل أفضل بمفردهم. رفاهنا شيء يمكننا تشاركه، ومعاناتنا أيضا. نحن عالم واحد".
أما الرئيس الصيني، شي جين بينغ، فقد أكد أن بلاده لا تنوي الدخول في حروب مع دول أخرى، وأنّ الصين تتمسك بسياسة حل الخلافات بالطرق السلمية وأنها لا تنوي خوض حرب باردة أو ساخنة ضد أية دولة، ولن تسعى إلى التورط في لعبة محصلتها صفر.
وفي تطرقه إلى القضايا الاقتصادية، قال شي إن على العالم أن يقول “لا للأحادية والحمائية”، مضيفا أنّ منظمة التجارة العالمية يجب أن تبقى حجر الأساس للتجارة العالمية.
وبذلك يكون العالم صفع ترامب للمرة الرابعة خلال أشهر قليلة، ويكون قد خسر معركته مع العالم وبالذات إيران مرة أخرى بعد أن أثبت الشعب الإيراني، كما قال الرئيس روحاني، أنه ليس أداة مساومة للتجاذبات الداخلية والإنتخابية الأميركية وأنّ أي حكومة تنتخب في أميركا سترضخ مضطرة أمام مقاومة الشعب الإيراني العظيم.
ساحة النقاش