http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

الثروة المائية بواحات طاطا الإشكالات والرهانات والتحديات

<!--<!--

“رأي اليوم” صالح بن الهوري

استهلال

شهدت واحات طاطا نقصا حادا في المياه، أدى إلى اندثار العديد من الواحات الفيحاء الغناء، وتعزى ندرة المياه إلى ثلة من العوامل الطبيعية والبشرية، مما جعل الساكنة الواحية تواجه عدة إشكاليات عمت مختلف مناحي و مشارب الحياة. دفعتها لمجابهة ثلة من التحديات و القيام بمجموعة من الرهانات، بغية عقلنة استعمال  المياه للمحافظة على ما تبقى من الواحات، التي شكلت المصدر الأساسي لعيش الساكنة الواحية.

 فما أبرز الأسباب المؤدية إلى نقص الثروة المائية بواحات طاطا؟ وما هي أنجع السبل التي يجب اتخاذها للحفاظ على الموارد المائية بواحات طاطا؟ وما هي  أحسن الطرق لترشيد استعمال المياه بالمنظومة الواحية الطاطاوية؟ وهل من بارقة أمل لعقلنة استعمال المياه قصد المحافظة على المنظومة الإيكولوجية لواحات إقليم طاطا؟ وهل  ستأثر الزراعات الشرهة للمياه الدخيلة على واحات طاطا على الفرشة المائية؟.

أثر التغيرات المناخية على الثروة المائية الواحية

معطيات عامة عن إقليم طاطا.

تبلغ مساحة إقليم طاطا 25925 كلومتر مربع و يحده إقليم زاكورة و وارزازات من جهة الشمال الشرقي، والحدود الجزائرية جنوبا وإقليم تارودانت و تيزنيت بالشمال الغربي وإقليمي آسا الزاك وكلميم من جهة الجنوب الغربي.[1]

يحتل إقليم طاطا “ما يقرب من نصف مساحة جهة سوس – ماسة التي أضحى ينتمي إليها في التقسيم الجهوي الجديد. يتوزع حوالي ثلثي سكان إقليم طاطا على أكثر من 200 دوارا، معظمها عبارة عن واحات متفاوتة الحجم، بينما يتوزع الثلث الباقي على أربع مراكز حضرية، وخاصة مدينة طاطا التي يستوطنها ما يزيد عن 45 في المائة من سكان هذه المراكز الحضرية. وبالنظر إلى شساعة هذا المجال فإن كثافته السكانية (الكثافة الريفية) تقل عن ثلاثة أشخاص في الكيلومتر المربع، وتعتبر بذلك أضعف كثافة سكانية بجهة سوس ماسة على الإطلاق.[2]

بلغ عدد سكان الإقليم خلال إحصاء 2004، 121618 نسمة، تنتظم داخل 20349 أسرة. يتوزع العدد إلى 39060 من السكان الحضريين يقطنون بالجماعات الحضرية (أقا، فم الحصن، فم زكيد، طاطا)، مقابل 82558 من السكان القرويين الذين يقطنون بباقي الجماعات الترابية القروية. أما الإحصاء الأخير لسنة 2014  فحدد ساكنة الإقليم في 117841 نسمة، بكثافة تصل إلى 4.5 نسمة في الكلو مربع. سجل الإقليم تراجعا في عدد سكانه ما بين الإحصائين الأخرين قدر ب 3775 نسمة، وهذا دليل قاطع على تنامي الهجرة إلى خارج الإقليم كما ارتفع عدد السكان الحضريين. وتبين الأرقام الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط أن النمو الديمغرافي لساكنة إقليم طاطا، ما بين 1994 و2004  يتراوح بين 0.8 بالمائة بالنسبة للساكنة الحضرية، و0.1 بالمائة للساكنة بالوسط القروي.

أثر التغييرات المناخية على الموارد المائية

أكدت النقوش الصخرية التي يضمها أكبر متحف للنقوش الصخرية في العالم بإقليم طاطا، والتي ترجع لأزيد من مائة قرن قبل الميلاد حسب الأركيولوجيين الأجانب والمغاربة،أنّ الغطاء النباتي للمنطقة كان مختلفاً عما هو عليه اليوم، وكانت تعيش بالمنطقة الفيلة ووحيد القرن (الكركدان) والبقر الوحشي.. التي جسدتها النقوش الصخرية المنتشرة بربوع الإقليم الغني بتراثه المادي واللامادي.في كتابه الشهير التعرف على المغرب،اعتبر دوفوكو”طاطا أوسع الواحات الموجودة بين درعة والمحيط الأطلسي وتتكون من جزئين: يشتمل الجزء الشمالي على عدة مواضيع منتشرة على ضفاف 3 مجاري مياه هي واد طاطا وواد توك الريح وواد أديس. تتقارب هذه الأنهار فيما بينها عند الوصول إلى جبل باني حيث يفسح خانق أديس المجال لمرور مجاري المياه الثلاثة ولوصول الناس إلى المنطقة الثانية. هذه المنطقة الثانية هي ما يسمى العرق وهو سهل شاسع ذو سطح رملي وصلب موجود جنوب جبل باني. تنتشر في هذا السهل، هنا وهناك، قصور منعزلة، بعضها على ضفاف الأنهار الثلاثة السالفة الذكر وتسقي القصور المتبقية مياه العيون. العرق أقل سكان من الجهة العليا من المنطقة: يحتوي العرق على 14 مكانا مأهولا وتحتوي الجهة العليا على 22 مكانا مأهولا”. [3] ويصف الباحث أرفاك شفيق طاطا بـ”أجمل واحات باني الأوسط، تقع بشعب ينفتح على جبل باني بوادي طاطا المنحدر من إداو نظيف وتاكموت واندوزال...وتقع شمال شرق واحة أقا، وعلى ارتفاع أقصاه 900 متر”.[4]والواحة هي” بيئة إحيائية محدودة و متداخلة في انسجام فسيح وسط الصحراء ولها أهمية اقتصادية و اجتماعية و بيئية” .[5] تعتبر واحة النخيل بمنطقة طاطا من أهم سمات الإقليم إذ يتوفر على 150 واحة حيث عمل السكان على غرس أشجار النخيل التي تمتاز بالتنوع وجودة ثمارها فهو يحتل الصدارة الأولى من بين الأشجار المثمرة بمعدل 88 في المائة وبعده اللوز بنسبة 5 في المائة وأخيرا الزيتون بحوالي 4 في المائة.[6] ويرى رقم آخر أنّ عدد الواحات بالإقليم الصحراوي  يبلغ حوالي 264 واحة.

واحات في خبر كان!

جفت منابع عيون بعض واحات طاطا وقحلت العيون التي عرفت بمائها العذب السلسبيل ونضبت الأبار وأضحت الماء الزلال عملة نادرة بسبب التغييرات المناخية التي عمت بعض واحات طاطا. إذ توقفت الخطارات واندثرت معظم الواحات الغناء الفيحاء، وتراجع بالتالي المنتوج الاقتصادي والسياحي، مما أرغم الساكنة الواحية على الهجرة وتراجع عدد سكان الإقليم الواحي بامتياز. تشير المؤشرات التالية إلى أثر التغييرات المناخية على الموارد المائية، فقد أدى توالي سنوات الجفاف إلى موت العديد من الواحات بالإقيلم.

أدى نزول الفرشة المائية و جفاف العيون ونضوب الآبار وشح التساقطات إلى اندثار العديد من واحات  طاطا، من قبيل واحة الطالعة مطلع التسعينات من القرن الماضي، وواحة قرية أم الكردان نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وتوقف صبيب خطاراتها. سجل باحثان محليان تعرض واحة إسافن أيت هارون للتدهور بسبب عوامل طبيعية وبشرية، كانت عاملا رئيسيا في التغيرات التي عمت الواحة،  وعددا بعض مظاهر التدهور بالواحة.

العوامل الطبيعية

تفشي مرض البيّوض والأمراض الطفيلية التي أدت إلى التقليل من جودة المنتوج. زحف ظاهرة الإنجراف مما تسبب في إتلاف مئات الهكتارات من أشجار النخيل والنقص المهول في المخزون المائي. تملح الأرض وتدهور المنظومة البيئية وندرة المياه ومشكل التصحر.

العوامل البشرية

شيوع بعض الممارسات الغير عقلانية والمتعلقة بنمط الاستغلال. التجزيء المتوالي للأراضي نتيجة عامل الإرث العائلي، مما أدى إلى ملكية مجهرية غير كافية لإنتاج محصول في المستوى. حيث نتج عن ذلك تراجع المساحة المزروعة وكذا الإنتاجية. تفكك البنية التقليدية التي تتجلى في اختفاء نظام التدبير الجماعي للثروات،والمتجلي في تدبير المياه وتنظيم استغلالها. بروز قيم الفردانية الناتجة عن الحداثة وهجرة القوى العاملة. ضعف الارتباط بالأرض، وأضحت بالتالي الهجرة هي البديل. وعدت من أهم نتائج تدهور الواحة.

وفي الختام دق الباحثان ناقوس الخطر بخصوص تعرض الواحة للاندثار، ودعا إلى”تضافر الجهود جميع الفاعلين في المجال، وإلى التفكير في بدائل على المدى القريب تحفظ للمجال مقوماته ومنها الانشغال بإنتاج عقلية صديقة للبيئة الواحية في أوساط الأجيال الحالية، وخيارات اقتصادية تضمن للمجال عناصر حياته كإرث تاريخي وثقافي وطبيعي قادر على تجسيد روح التنمية المستدامة يحقق عيشا مقبولا للأجيال الحاضرة ويضمن للأجيال القادمة حقها في العيش”. يختم الباحثان.[7] اليوم، يعرف الإقليم وجود واحات أخرى مهددة بالإندثار بسبب ندرة المياه. ويلاحظ أن أغلب الواحات بدأت تعرف تراجعا كبيرا، بسبب نضوب الفرشة المائية، وموت الفلاحون المهرة العاشقون للعمل في الواحات ورحيل الفلاحات المولعات بخدمة الواحة. هذا فضلا عن غياب الخلف من الشباب الذي يمج العمل في الواحة و يعتبرها مضيعة للوقت ويفضل الهجرة والعمل في مهن تدر ربحا معتبرا وسريعا.

هناك أمل لانقاد ما تبقى من واحات و خلق واحات جديدة

عرف الإقليم مبادرات من طرف فاعلين محليين ودوليين لإحياء بعض الواحات التي ماتت لأزيد من أربعة عقود أو أقل، حالة واحة تالدنوت التي تم إرجاع الروح إليها بدعم من إمارة موناكو وجمعية”محاربة الجفاف والانجراف والتصحر بالمغرب”المعروفة بــ”لالسيسدام”وجمعية” تالدنونت”. وتعد تجربة جمعية”أزغار لمستغلي مياه الآبار الفلاحية”، بقصبة سيدي عبد الله أو مبارك، نموذجا حيا لتدخل المجتمع المدني لمحاولة إنقاد الواحة من الإندثار وخلق واحات جديدة. فهاكم تجربة الجمعية.

نبدة تاريخية عن الجمعية

شغلت الزيارة التي نظمتها جمعية”محاربة الجفاف والانجراف والتصحر  بالمغرب”المشهورة ب”لالسيسدام”لفائدة فلاحي إقليم طاطا، لبعض الضيعات الفلاحية بمدينة الراشيدية، عام 1995 بال أحد فلاحي قرية القصبة بأقا الذي كان ضمن الوفد المشارك في الزيارة. ففكر في تأسيس جمعية فلاحة تعنى بالثروة المائية و خدمة الواحة على غرار مثيلاتها بمدينة الراشيدية. وحقق مبتغاه في 29 يونيو 1995 بتأسيس جمعية”أزغار لمستغلي مياه الآبار الفلاحية” من قبل 13 فلاحا من مالكي الآبار الفردية. سطر المؤسسون أهدفا للمنظمة الأهلية التي ستعنى بالواحة وجعلوا على رأسها الحفاظ على الفرشة المائية وانخفاض التكاليف المالية بالنسبة للفلاحين لضمان استمرارية الواحة واستقرار الساكنة.

أول الغيث قطرة.

أدى الجفاف الذي عم المنطقة لردح من الزمن إلى تدهور واحة القصبة، التي كانت تسقى بعين يعرف بـ”عين جديد”قبيل توقف صبيبها. ففكر الفلاحون المحليون في فكرة إنجاز مشروع للإحياء الواحة وخلق واحات جديدة. في عام 2000 تقدمت الجمعية بطلب مساعدة إلى منظمة ”لالسيسدام”بغية حفر بئر وتجهيزه وبناء صهريج ومد القنوات، لإحياء واحة القصبة المكونة من”تابية نبري”و”تاسكلى”وبونرار”، فوافقت المنظمة على الطلب فورا. ويفصل الجدول الأتي ميزانية المشروع.

الميزانية.

العينات

المقايس

التكلفة الإجمالية

مساهمة الجمعية

مساهمة الشريك “لالسيسدام”

البئر

22 مترا

50.000.00 درهم

50.000.00 درهم

 

التجهيزات المحرك الكهربائي والمضخة

unite وحدة

50.000.00 درهم

25.000.00 درهم

25.000.00 درهم

الصهريج

85  متر مكعب

45.000.00 درهم

20.000.00 درهم

25.000.00 درهم

القنوات و الصنابير

1590 متر

60.410.00 درهم

38.155.00 درهم

22.255.00 درهم

المجموع العام

205.410.00 درهم

83.155.00 درهم

 122.255.00 درهم

بلغت نسبة مساهمة المنظمة الشريك في المشروع 60 في المائة، بينما وصلت نسبة مساهمة الجمعية المحلية في المشروع 40 في المائة. كما ساهمت الجمعية المحلية في اقتناء التجهيزات،هذا فضلا عن مساهمة عينية في بناء الصهريج ومد القنوات والصنابير. مع مستهل سنة 2001، ابتدأ استغلال المشروع، واعتمدت الجمعية في تسير نظام توزيع المياه على التناوب بين الأعضاء الثلاثة عشر المؤسسون. في سنة 2003، فكرت الجمعية في إعادة إحياء الواحة، بعيد نجاح المشروع، ارتفع عدد المنخرطين إلى إثنان وعشرون منخرطا، وبلغ عدد المستفدون 62 مستفيدا ومستفيدة،ويقدر عدد النساء بينهم  ب34 إمرأة. أوكلت مهمة مراقبة وتوزيع مياه السقي، لأحد مؤسسي الجمعية، بمقابل حدد في درهمين ونصف الدرهم، عن كل ساعة سقي،واعتمد في اختيار مراقب توزيع المياه،على اتسامه بالحكمة والتعقل والتبصر.

وحدد ثمن الساعة الواحدة في ستة عشرة درهما. ويبلغ معدل ساعات الضخ الشهري 320 ساعة في الشهر.

المشاكل والحلول

اعترت المشروع في بدايته ثلة من المشاكل والصعوبات نجملها في ما يلي:

أولا: مع ارتفاع عدد المستفيدين، لم يعد صبيب البئر قادرا على تلبية حاجة الفلاحين من مياه السقي.

ثانيــــا: بعد الضيعات عن مكان المشروع ( الصهريج) .

ثالثــــا: ضياع الماء في القنوات التقليدية ( السواقي) .

رابعـــا: اختلاف صبيب المياه بين المستفدين حسب المسافة بين الصهريج و الضيعة.

خامسا: اختلاف قطر الأنبوب.

سادسا: المساواة في ثمن الساعات بين المنخرطين.

سابعـا: تأثير أحد بنود القانون الأساسي بالنسبة للانخراط.

كيف واجهت الجمعية هذه المشاكل؟

تمكنت الجمعية من تجاوز الإشكالات والصعوبات التي اعترت المشروع في بدايته، وبفعل الحكمة التبصر التي يملكها بعض منخرطي الجمعية، واهتدت الجمعية إلى تقديم ثلة من المقترحات و الأراء السديدة لحل مجمل المشاكل التي عرفها المشروع في بدايته، ومنها نذكر:

أولا: تعميق البئر من قبل الجمعية، على عمق خمسة أمتار، وغار طوله أربعة أمتار، بتكلفة 20.000.00 درهم.

ثانيا: تمديد أنابيب الري 990 مترا بمساعدة منظمة ” لالسيسدام”، و بلغت تكلفة ذلك 23.760.00  درهما، منها 11.880.00 درهما كمساهمة من منظمة “لالسيسدام”.

ثالثا: محاولة إخلال صبيب المياه بين المستفدين، حسب المسافة، باقتراح ثمنين مختلفين.

الآفاق المستقبلية للمشروع

بعد المناقشة مع أعضاء الجمعية اتضح أن للمشروع دور كبير على المجالات الآتية:

المجال الاجتماعي: توفير مكان للعمل.

المجال الاقتصادي: ارتفاع مردودية الانتاج.

المجال البيئي: حماية انجراف التربة، و محاربة التصحر.

المجال السياحي: توفير أماكن للاستجمام و الترويح عن النفس من الكدر و القنوط.

المجال الثقافي: المحافظة على التراث من خلال إحياء الواحة.

أهم الخلاصات

تعد الاستنتاجات التالية من أهم الخلاصات التي انبثقت عن مشروع إحياء واحة قرية القصبة، ومنها:

الإيمان بالعمل الجمعوي الجاد و أهمية إنجاز المشاريع.

توفر إرادة وقناعة لدى الجمعية.

تأثير المستوى الاجتماعي على حل مشاكل الجمعية.

وجود ثقة متبادلة واستعداد للتضحية بين الأعضاء من أجل استمرار المشروع.

بداية إدخال طرق معقلنة لتدبير مياه السقي”السقي بالتنقيط و استعمال الأنابيب البلاستيكية”.

الدروس المستخلصة

استخلص الناشطون المحليون من أعضاء الجمعية من فكرة مشروع إحياء واحة القصبة الأفكار والدروس التالية:

وضع استراتجية للعمل داخل الواحة.

إدخال أنواع جديدة مربحة ( أعشاب) و زراعات مثمرة.

حفر بئر جديد لدعم البئر الأول لسد حاجيات الكل.

تكثيف دورات تكوينية و زيارات ميدانية لفائدة أعضاء الجمعية في مختلف المجالات.

تحسيس الشباب بالمحافظة على الواحة و العمل فيها و الاعتناء بها.

حل مشكل التسويق.

مد الواحة بقنوات الري.

تعميم طرق السقي بالتنقيط و غيرها.

اعتماد العداد بدل الساعة أثناء السقي.

حل نهائي لمشكل المستفيدين فيما يخص تكلفة السقي.[8]

 

الثروة المائية بواحات طاطا الإشكالات و الرهانات و التحديات

الجزء الثاني

 يسود المنطقة مناخ صحراوي، ويبلغ متوسط درجة الحرارة فيها 24 درجة حرارية، غير أن التفاوتات الحرارية تبقى صريحة، إذ يبلغ معدل درجات الحرارة الدنيا في شهر يناير 6.7 درجة، ومعدل درجات الحرارة العليا في شهر يوليوز 45 درجة حرارية، وسجلت أعلى درجات الحرارة القصوى عام 1998، إذ بلغت 52 درجة حرارية. [1]

تبين المعطيات المناخية لواحات باني أن هذه المعطيات المناخية لواحات باني، أن هذه الأخيرة تندرج في المنطقة المناخية المتوسطية، وهي متعلقة بالبيوموناخ الصحراوي المعتدل، ولكن ليست جرداء.[2]

أكدت التقارير الفرنسية على الاختلاف الواضح فيما يخص هذا المناخ الطاطاوي، هذا الأخير يختلف بشكل واضح بين الشمال و الجنوب، فمناخها حار و تساقطاتها قليلة و أحيانا لا تتهاطل إلا بعد سنوات عدة.[3]

لا يتعدى معدل التساقطات 80 ملم كما أن عدد الأيام الممطرة لا يفوق معدل 15 يوما في السنة. تساهم مياه الفيضانات بشكل كبير في تغذية الفرشة الباطنية و تستعمل في سقي الواحات المتناثرة في بلاد باني.[4]

يعرف الإقليم هبوب رياح الشركي و الزوابع الرملية الخفيفة. كما يشهد تصحرا وجفافا و زحفا للرمال وكذا انجراف التربة. و يعرف ارتفاعا شديدا في درجة الحرارة تصل أحيانا إلى ستة أشهر، مما يؤدي إلى تبخر المياه، الأمر الذي لا يساعد على جريان سطحي دائم للمياه.

الثروة المائية  بواحات طاطا

ورد في تقديم ندوة واحات باني العمق التاريخي و مؤهلات التنمية أنه ” تمت عملية التحول – من منطقة خصبة إلى الصحراء- تدريجيا و امتدت عبر ثلاثة إلى أربعة آلاف سنة. و تشهد المتحجرات من أفراس النهر و أشجار السروفي تاسلي، و متحجرات النبات الاستوائي في بعض المواقع الغربية في الصحراء و تماسيح مستنقعات درعة المنقرضة بعيد 1934 ، تشهد كل هذه المعطيات بأن حال الصحراء شديد الاختلاف عما هي اليوم، و قد انعكس هذا التغير على العنصر البشري فهجرها تدريجيا نحو الحواف الشمالية و الجنوبية للصحراء”.[5]

ورد في إحصائيات أعداد النخيل بالمغرب، أن البلد كان يتوفر على 16 مليون نخلة، في الخمسينات من القرن العشرين.

بلغ عدد أشجار النخيل بإقليم طاطا مليون ونصف مليون نخلة نهاية الستينيات من القرن الماضي، وتقلص العدد إلى 860 ألفا عام 2010، و تقول مندوبية وزارة الفلاحة إن الإقليم يضم اليوم حوالي مليون ونصف مليون نخلة.

و هذه الأرقام ليست مستقرة و يمكن أن تتغير في أي وقت، بسبب تفشي مرض البيوض (هو مرض ناتج عن فطر أرضي سحي يدعى “fusariun oscysporum” وقد حددت درجة الحرارة المثلى لنموه بين 7 و 12 درجة مئوية، و يصبح سريعا ما بين 21 و 27 درجة مئوية و يتوقف عند درجة 73 مئوية) و حرائق النخيل وتهريب النجيل إلى المدن الداخلية و الساحلية وخلق واحات جديدة بالإقليم.

ويقول رقم غير رسمي و غير مؤكد من صحته لانتفاء مصادر ومراجع، أن إقليم طاطا كان يضم حوالي ثلاثون مليون نخلة في الثلاثينيات من القرن العشرين.

بينما يشير رقم آخر إلى أن الإقليم كان يحوي حوالي أربعة مليون نخلة زمن مجد واحات طاطا التليد، حسب ما يقول ناشطون مهتمون بالبيئة بالإقليم وفاعلون محليون في مجال الواحة.

يوجد بالإقليم 248 عينا و 1315 بئرا و 11 سدا تحويليا. و هذه الأرقام غير ثابتة لأنه يمكنها أن تتغير بين عشية وضحها ، في حالة حفر آبار جديدة وإحياء عيون جفت منابعها لعقود و بناء سدود جديدة.

خلص بحث أجري في عام 2006 إلى أن العيون من أهم مصادر المياه بواحات طاطا. إذ بلغ عدد الفلاحون الذين يسقون بمياه العيون 66.92 في المائة مقارنة بالفلاحين الذين يسقون بمياه الآبار، الذين قدرت نسبتهم ب 7.70 في المائة. أما الفلاحون الذين يعتمدون على البئر و العين في السقي فبلغت نسبتهم 25.38 في المائة”.[6]

حبت الطبيعة إقليم طاطا بفرشة مائية باطنية هامة، تستمد أساسها من مياه الأمطار و الثلوج المترسبة في أعالي جبال الأطلس الصغير و المنسابة على شكل عيون في أقدام الجبال و على جنبات الأودية و الأنهار، و على أساس هذه المياه تقوم الحياة في الإقليم و حولها يتركز الإنسان و نظرا لوفرة الموارد المائية في الإقليم أمكننا تقسيمها إلى شبكة مائية سطحية و أخرى باطنية.[7]

تقول الرواية الشفوية المحلية “إن إقليم طاطا يضم أكبر فرشة مائية بالبلد و تعده الأول من حيث غنى الفرشة المائية. بينما تقول رواية شفوية أخرى إنه يحتل المرتبة الثانية” .

 و تقول المديرية الإقليمية للتجهيز إنه ” يصعب معرفة كمية الفرشة المائية بالإقليم، لأن الفرشة المائية تختلف من منطقة إلى أخرى كما يختلف عمق الآبار من قرية إلى أخرى و من واحة إلى أخرى”.

 و أردفت أن ” الفرشة المائية ليست ثابتة وقارة، لذا يصعب إعطاء حكم على وفرتها من عدمه. يمكن أن نجد الماء على عمق أمتار قليلة في منطقة معينة، ونلفيه على عمق أمتار عميقة في منطقة تقع على مقربة منها”.

احتل إقليم طاطا المرتبة الثانية من حيث غنى الفرشة المائية بعد إقليم الداخلة الذي حل أولا، حسب ما ورد في دراسة أجراها باحثون أمريكيون عبر الساتيلت.

يعد جبل باني (يرجع تكوين جبل باني إلى حوالي 460 مليون سنة) سدا طبيعيا، نظرا للصخور المكونة له، و هي عبارة عن سلسلة من الصلصال. و هي صخور تمنع تسرب المياه.

أشار باحثون إيطاليون في دراسة أنجزوها على جبل باني عام 1995 إلى ضرورة بناء سدود كبرى بإقليم طاطا لتغذية الفرشة المائية. الأول بطاطا و تحديدا على مقربة من الطريق الجهوية رقم… الرابطة بين مركز مدينة طاطا و الجماعة الترابية تاكموت.

والثاني ببلدة أقا على مقربة من الطريق …رقم… التي تربط الجماعة الترابية لأقا  ( يعتقد أنها الجماعة الترابية لسيدي عبد الله بن مبارك ) بقرية إيمتك – الجماعة الترابية لتكزميرت- و تحديدا بمنطقة تعرف ب” سد أقا إيسيل”.

والثالث بمنطقة تعرف ب” سد أقا إيغان- جماعة أقا إيغان- . و الرابع بمكان يدعى ” فم تليت” – جماعة تليت.

أشارت دراسة لوكالة الجنوب (وهي دراسة جديدة غير منشورة حسب ما يعتقد) إلى ضرورة بناء و إنشاء السدود.

واقترحت الإتفاقية الموضوعاتية بناء سدود بإقليم طاطا. و يذكر انه تمت برمجت 12 سدا بكل من: واد مشكاو، أقا او تاميت، تركانت (على مقربة من واحة و مسجد و مدرسة عتيقة لطلبة دوار الزاوية) .

الشبكة المائية السطحية

تهم مجموعة من الأحواض الموجودة بالإقليم كحوض مساليت بطاطا و حوض الفوسي بأقا و حوض واد درعة، و قد تم إنشاء سدود لتحويل هذه المياه و استغلالها لسقي الأراضي الفلاحية التي يطلق عليها اسم أراضي الفيض.[8]

 الشبكة المائية الجوفية

تعتبر هذه الشبكة المنبع الأساسي للعيون و الآبار الموجودة بالإقليم يتراوح صبيبها ما بين 10 و 15 لتر في الثانية.[9]

يشهد إقليم طاطا اختلافا في التساقطات مما ينعكس على المردودية الفلاحية بالواحات، إذ بلغ معدل التساقطات بإقليم طاطا عام 1988 115 ملم ، و في عام 1998 و صل إلى 134 ملم ، و خلال موسم 2003 / 2004 بلغ معدل التساقطات 78 ملمترا. [10]

يشهد  الإقليم تساقطات ضعيفة لا تتجاوز 50 ملم في السنة و قد تنعدم في بعض الجماعات الترابية  حالة تمنارت، كما سجل في إحدى المواسم. ويعزى ذلك إلى الموقع الجغرافي لواحات طاطا و البعد عن البحر هذا فضلا عن زيادة الحواجز الجبلية التي تمنع وصول المؤثرات المحيطة، كما أن التساقطات تتميز بعدم الانتظام السنوي.

أثر توالي سنوات الجفاف وزحف الرمال والتصحر و الانجراف على واحات طاطا جنوب شرق المغرب، و شهدت واحات طاطا تغيرات مناخية أثرت على العيون و الآبار و الأودية و الأنهار. مما سيؤدي إلى زيادة التبخر ثم انخفاض نصيب الفرد السنوي من المياه.  مما دفع بسكان واحات طاطا إلى الهجرة إلى المدن الداخلية والساحلية إبان الثمانينيات من القرن العشرين.

واقع واحات طاطا لا يوازي عمقها الحضاري الضارب في القدم و الموغل في أعماق التاريخ.

لضمان استقرار الشباب بواحات طاطا لابد من خلق واحات جديدة و تأسيس مقاولات سياحية واحاتية تعتمد على زراعات غير شرهة للمياه و ملائمة للمنظومة الواحية.

غزوة البطيخ الأحمر للمنظومة الواحية الطاطاوية

تعرف واحات طاطا مناخاً حاراً يؤدي إلى نضج مبكر للمزروعات، وبالتالي التسويق المبكر، على النقيض من المناخ الرطب في بلدان المجال المتوسطي، إذ يصل المنتوج المغربي إلى الأسواق الأوروبية والعالمية أولاً.

سجل ناشطون محليون أن المساحات المزروعة البطيخ الأحمر و الأصفر بواحات طاطا، قد عرفت ارتفاعا مهولا و صعودا صارخا، و وصفوا الأرقام ب ” الخارقة” و دقوا ناقوس الخطر بخصوص تأثير زراعة البطيخ الأحمر على الفرشة المائية.

بينما حفلت مواقع النت بالإشارة إلى بلوغ الضيعات الفلاحية إلى موقع مدينة تامدولت الأثرية التي دمرت إبان القرن الرابع عشر الميلادي، وحدرت من إندثارها و محو معالمها الأثرية، وطالبوا من الجهات المعنية بالشؤون الثقافية بحماية المدينة الأثرية من الزوال.

 في كتابه الرهيب  تاريخ الأوبئة و المجاعات بالمغرب في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر، عد الباحث البزاز محمد الأمين بلاد طاطا من بين آخر المناطق التي توغل فيها وباء الكوليرا و تحديدا أكتوبر من عام 1868 م. ( الصفحة،227).

يرى بعض الشيوخ ممن عاصروا الأوبئة و المجاعات التي اجتاحت المنطقة إبان القرن الماضي، أنها لم  تستطع إبادة الأهالي و عجزت الحروب و الجراد عن إرغامهم على الرحيل، بيدا أن زراعة البطيخ الأحمر و الأصفر سيجبران الأهالي على الرحيل بعيد نضوب الفرشة المائية.

يظهر أنه لا الطاعون و لا الجوع و لا الحروب ، لم يرغموا سكان واحات طاطا على الرحيل ، بيدا أن البطيخ الأحمر الذي يوصف ب”الطاعون الجديد”، سيجبر الأهالي على الرحيل والهجرة بسبب نضوب الفرشة المائية . لذا فهو ضيف ثقيل غير مرحب به.

text-align: justify; direction: rtl; unicode-

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 506 مشاهدة
نشرت فى 22 سبتمبر 2020 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

280,907