“قسد” وتركيا يعطشون الحسكة
<!--<!--
“رأي اليوم” ابراهيم شير* كاتب واعلامي سوري
سياسة تعطيش الشعوب مهارة يتقنها الأتراك منذ قرون. فتاريخهم مليء بالحصارات وتعطيش وتهجير القوميات والطوائف التي تختلف معهم. فمن يعود بالتاريخ للخلف يرى أن الدولة العثمانية عطشت أكثر من مليون أرمني وهجرتهم من منازلهم ورمتهم في الصحراء مانعة عنهم الطعام والشراب لأسابيع وأشهر، وذلك بعد ارتكابها لمجزرة راح ضحيتها مليون مدني. ولو رجعنا إلى الخلف أيضاً نرى أن العثمانيين ارتكبوا نفس السياسة بحق أبناء الطائفة العلوية في سوريا، عندما حاصروهم ثم ارتكبوا أبشع المجازر وأكثرها وحشية بحقهم، ومن يريد أن يتذكر شيئا منها فليذهب إلى شارع التلل في مدينة حلب لأنه شاهد على تلك المجزرة، فقد تمت تسميته بهذا الاسم بعد مجازر وحشية بأبناء الطائفة العلوية الذين تم رمي جثثهم فيه حتى أصبحت تلال من أجساد المدنيين، ثم تم تهجير النساء والأطفال والعجائز إلى الجبال ومنع عنهم الطعام والماء سنوات وسنوات. أما في العصر الحديث فإن تركيا ارتكبت مجزرة بحق السوريين مستمرة منذ عام 2011 وإلى الآن.
على مدار سنوات الحرب السورية استخدمت تركيا وأدواتها في الداخل سياسة التعطيش بحق الشعب السوري الرافض لسياستها ومواقفها. فقامت الجماعات الإرهابية بمحاصرة الجزء الغربي من مدينة حلب وقطعت الماء عنهم لأكثر من عام، ونفس الأمر تكرر مع أهالي مدينة عفرين ثم مدينة دير الزور التي بقيت ثلاث سنوات بدون مياه ثم العاصمة دمشق عندما قطعت الجماعات المسلحة التي على صلة مع تركيا المياه عن العاصمة. ونهاية مسلسل حرب المياه كان مع مدينة الحسكة، مليون سوري فيها يعيشون دون ماء لنحو شهر.
في الشهر العاشر من العام الماضي احتلت تركيا ومن معها من جماعات مسلحة مدينة رأس العين في ريف الحسكة وسيطرت على محطة علوك بشكل كامل، وباتت تتحكم بالمياه في المحافظة ككل وقامت بقطع المياه عن المحافظة ومدنها بشكل متكرر حتى وصل عددها ثمان مرات، إلّا أنّ هذه المرة هي المدة الأطول وهي في فصل الصيف ما جعل الأهالي يعيشون في سجن كبير بمكان يشبه معتقلات هتلر النازية.
أما الجماعات الكردية المسلحة وعلى رأسها قسد التي تسيطر على المدينة واجهت القوات التركية وسياسة التعطيش بكل أنواع الغباء السياسي، فبدل أن تقف إلى جانب الجيش السوري الذي حماها من التوسع التركي في المحافظة، قامت بمهاجمته أكثر من مرة خصوصا داخل المربع الآمن وسط الحسكة، ولم تقبل قسد ومن معها عروض الدولة السورية التي قدمتها من أجل حل ملف المحافظة بشكل كامل، وهو ما سيقطع على الأتراك الطريق للتقدم وتعطيش وتجويع الحسكة. الآن ملف المحافظة إنساني بكل ما تعنيه الكلمة من معنى حيث يوجد نحو مليون سوري عَطِش، وهم من جميع القوميات عرب وكرد وأرمن ومارديل وغيرها الكثير والكثير. هؤلاء هم ضحية الحصار التركي أولا والصمت الدولي ثانيا وعنجهية قسد وحلفائها ثالثا.
للأسف لم نرَ أي تحرك دولي لكسر الحصار عن أهلنا في الحسكة، فالمجتمع الدولي غائب أو مغيّب عن أفعال تركيا. فلماذا لا نرى طلبا رسميا لعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن تقدمه روسيا أو الصين لبحث الوضع في الشمال والجزيرة وجرائم الاحتلال التركي فيها لا سيما قطع المياه وسرقة ثروات سوريا؟ لماذا لا يتم الضغط في المجلس من أجل إجبار تركيا على الإنسحاب من الشمال السوري؟ لماذا لا تضغط روسيا على تركيا لكي تفتح المياه عن المدنيين خصوصا أنّ هناك اتصال بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان أسبوعيا؟
الحل واضح وبسيط وهو من شقين الأول الضغط الدولي على تركيا لوضع حد لوجودها في الشمال السوري. والشق الثاني الضغط على الجماعات الكردية في الحسكة للتعقل والقبول بعروض الدولة السورية من أجل السلام في المنطقة، وإن رفضت التعامل معها بحزم من قبل الوسطاء لأن الارتهان للمشاريع الغربية خيانة وطنية، وقسد وغيرها باتوا مطية لتركيا لاحتلال الأراضي السورية، فبسببهم وبحجتهم دخلت إلى عفرين وشرق الفرات. أما من يطالب بتدخل الدولة السورية لحل أزمة المدنيين في الحسكة، عليه أولا أن يقدم ضمانات للدولة بأنها بعد أن تتدخل لن تستغل قسد ومن معها الموقف وتنقلب مرة أخرى ضد الدولة. إلى الآن لم تجف دماء شهداء الجيش الذين ارتقوا غدرا برصاص قسد والأسايش في منطقة كوكب في الحسكة، أو الشهيد الذي ارتقى بغارة أميركية في ريفها.
على أهالي الحسكة أن يكونوا على وعي كامل بما يحدث وأن يعلموا أن قسد ومن معها هم السبب في هذه المعاناة والأميركيين لم يحموهم من تركيا سابقا ولا من تعطيشها لهم الآن، أما الدولة السورية فقد قدمت لهم الدماء حتى تحميهم من تركيا والآن صهاريج المياه تنطلق من كل محافظات الوطن لكي تروي عطشهم رغم كل ما فعلته قسد وحلفاؤها.
ساحة النقاش