ليبيا..التدخل الخارجي والبحث عن شرعية الصراع الداخلي
<!--<!--
الأحد ١٩ يوليو ٢٠٢٠ - ٠٤:٣٨ بتوقيت غرينتش
ساهمت التركيبة الاجتماعية في ليبيا والتي يطغى عليها طابع القبائل المتعددة الإثنيات والإنتماءات في أخذ البلاد نحو صراع قد لا ينتهي قريبا بعد سنوات من المواجهات الدموية عقب الإطاحة بنظام معمر القذافي.
العالم- قضية اليوم *حسين الموسوي / قناة العالم
هذا الإنقسام الذي بدا جليا منذ تدخل حلف الناتو للإطاحة بالقذافي، انتج سلطة منقسمة على ذاتها، وبطبيعة الحال أوجد أرضية مناسبة للتدخلات الخارجية سواء على المستوى الإقليمي أو المستوى الدولي. ولأن دول الصف الأول إذا صح التعبير لا تحبذ المواجهة المباشرة فيما بينها بالنسبة للملف الليبي، (فرنسا، إيطاليا، روسيا، الولايات المتحدة) انتقلت مهمة هذه المواجهة إلى دول الصف الثاني أو الدول الإقليمية، وتحديدا مصر وتركيا.
بالنسبة لمصر أصبح الأمر يتعلق بمسألة أمن قومي على حدودها الغربية، خاصة مع تحول ليبيا إلى مسرح تمارس فيه جماعات إرهابية عديدة نشاطاتها. لكن المقاربة المصرية لمعالجة هذه المشكلة لم تستطع الخروج من سرب المحور السعودي الإماراتي الداعم لقوات خليفة حفتر وبرلمان طبرق. وبالتالي وجدت القاهرة نفسها غارقة أكثر في سياسة المحاور في الميدان الليبي، والتي لم تخدم مساعيها لمعالجة أزمة قوية تهدد أمنها من الجهة الغربية.
بالنسبة لتركيا، كان الصراع الليبي فرصة لدخول لعبة تضعها في نفس الحلبة أمام السعودية والإمارات. (لما بين هذه الأطراف من خصومة تحاول جميعها عدم تفجيرها بشكل فاضح)، إضافة إلى مصر التي توترت علاقاتها بأنقرة بعد عزل الرئيس محمد مرسي. فكان اتفاق التعاون العسكري مع حكومة الوفاق وإرسال قوات تركية إلى ليبيا ولعب دور محوري في قلب الطاولة على قوات خليفة حفتر التي كانت قريبة من السيطرة على العاصمة طرابلس، ليتحول المشهد إلى سيطرة الوفاق على معاقل رئيسية لحفتر والإقتراب من مدينة سرت الإستراتيجية.
وصلت الأمور بين الطرفين إلى تبادل الإتهامات، حيث وصفت أنقرة الدعوات لتدخل عسكري مصري بغير الشرعية، فيما ردت القاهرة أنّ التدخل التركي غير شرعي وأنّ الدعوات لتدخلها أتت من الشعب الليبي لمواجهة الإرهاب الذي يتصدر إلى ليبيا من سوريا وغيرها.
هنا لا بد من الحديث بشيء من الموضوعية عما يجري. بداية كان يمكن للأطراف الداعمة لقوات حفتر أن تقبل بالجلوس على طاولة الحوار مع الوفاق في الوقت التي كانت هذه القوات تفرض سيطرتها على مناطق عديدة وكانت لها اليد الطولى في الميدان.. رفض هذه الأطراف للحوار أعطى فرصة للوفاق لإعادة ترتيب أوراقها والحصول على دعم تركي قطري واستعادة توازنها عسكريا، حتى باتت هي من يرفض الحوار والمبادرات للحل لاسيما مبادرة القاهرة.
أما بالنسبة للأطراف الغربية، فيبدو الملف الليبي مناسبا جدا لترمي كل دولة باوراقها بشكل هادئ وبترقب لما ستصل إليه الأمور بين اللاّعبين الإقليميين. لكن وكما يظهر من مواقف هذه الدول فإنها لن تسمح بوصول الأمور إلى مواجهة عسكرية بين القاهرة وأنقرة إلّا إذا أصبحت عملية المقايضات مع هاتين العاصمتين في ملفات أخرى شبه مستحيلة. (على سبيل المثال الملف السوري بالنسبة لتركيا والضغط الروسي للحصول على تنازل من أنقرة في إدلب مقابل تليين موقف موسكو في ليبيا).
في ظل كل ذلك، الخاسر الأكبر هو الشعب الليبي الذي سيكون مسرحا لتصفية حسابات وعقد صفقات دولية قبل فرض حل سيكون سهلا بضغط من الغرب بعد حصول كل طرف على ما يريد. أما بالنسبة لمصر وتركيا، فإن الطريق الأنسب لتجنب السيناريو الأسوأ هو إعادة ترتيب أوراق كل دولة لأولوياتها والبحث عن الطريقة المناسبة لتامين مصالحها لاسيما بالنسبة للقاهرة وأمنها القومي على الحدود الغربية، وتوقف كافة الأطراف عن البحث عن شرعية للصراع الإقليمي على الأرض الليبية.
ساحة النقاش