http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

هكذا تخطط واشنطن لإشعال ثورة جديدة في سورية… ضربة مباشرة للاقتصاد الاجتماعي وتجويع السوريين ومنع اعمار البلاد وخلق حاضنة للاكراد

<!--<!--

– “رأي اليوم” – نبيل بكاني* صحفي وكاتب من المغرب

 دخلت، الأربعاء الماضي، حزمة عقوبات جديدة لعزل جميع من يتعاملون مع الحكومة السورية ونظام الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك بعد نحو ثمان سنوات من حرب الاستنزاف في سورية، التي عانى الشعب السوري من ويلاتها طيلة هذه المدة. وفي حين تلاقي هذه العقوبات ترحيبا كبيرا من طرف البعض، يحذر معارضوها من تداعياتها الجسيمة على الاقتصاد السوري المدمر أصلا، لما سينجم عنه من مزيد من الضرر للسوريين، خاصة في ظل انخفاض قيمة العملة المحلية.

العقوبات الأميركية الجديدة، تتجاوز دائرة العقوبات المفروضة منذ سنوات والتي تستهدف رموز النظام والحكومة في سورية، إذ تطال دولا وكيانات اقتصادية أجنبية، بدعوى أنها شريك للحكومة السورية، وبذلك تستهدف ضمن ذلك كلا من الصين وروسيا وإيران.

الهدف الواضح من حزمة العقوبات الأميركية الجديدة، هو إعاقة الإعمار في سورية، بمبرر أن الحكومة في هذا البلد صادرت الكثير من الأملاك العقارية لمهجَّرين، والتي ذهب بعض المعارضين إلى وصفها بأنها سياسة تطهير عرقي اعتمدتها الحكومة من أجل تغيير البنية الديموغرافية للمناطق المعنية.

هذه العقوبات، لا تهدف إلى إضعاف قدرات النظام في سورية لإرغامه على التسوية المشروطة فحسب، فدونالد ترامب يعرف أن سياسة الخنق الاقتصادي، لو كانت تجدي نفعا في الوضع السوري، لكانت نتائجها على موقف النظام في سورية، قد ظهرت قبل أعوام. وهنا نذكر بخطاب ترامب وهو يرد على انتقادات هيلاري كلينتون، المرشح الرئاسي في 2016، عندما قال إن أولوياته ليس تنحي الأسد وإنما القضاء على داعش، وذلك في فترة استقواء هذا التنظيم، مما يفسر سبب عدم اتخاذ إدارة ترامب، وقتها، لعقوبات كفيلة بخنق الحكومة السورية كالعقوبات الجديدة التي شرع في تطبيقها. لتبقى الغاية الثابتة من هذه العقوبات هي إعاقة أي عملية إعمار لسورية بما لا يضمن عودة سلسلة للسوريين اللاجئين في الخارج، بما يفيد من جهة، في ضمان سيطرة أميركية، ولو جزئية، في المنطقة الخاضعة للأكراد، بمساعدة قوات سورية الديمقراطية “قسد”، ومن جهة ثانية هذا التحكم في الديموغرافيا السورية ستكون له منافع للجانب الإسرائيلي في ضمان استضعاف سورية كما حدث مع لبنان التي هجًّر ثلثي شعبها مما سهل من التوغل الإسرائيلي خاصة في الجنوب اللبناني الذي انسحبت منه إسرائيل مرغمة عام 2000، كما أن عمليات الإعمار في جميع التجارب المماثلة تشكل، بداية، إن لم نقل الأرضية الأساسية لأي مصالحة، ولإجراء انتخابات أو استفتاء شعبي. فالتغيير السياسي والمرور إلى مرحلة انتقالية يحتاج إلى استعادة الأوضاع للهدوء وعودة المهجرين من مناطق اللجوء.

شهدت الأيام الماضية هبوطا حادا لليرة السورية لتصل إلى أدنى مستوياتها، فيما يترقب الجميع باقي العقوبات، والتي إلى جانب أنها تشكل تحريضا غير مباشر للشارع اللبناني المنتفض، ضد حزب الله الداعم للنظام السوري عسكريا، فإن انخفاض سعر الليرة السورية بالإضافة إلى العقوبات والقيود الاقتصادية الأميركية، من شأنه إحداث رجة داخل لبنان بسبب الارتباط الاقتصادي والحضور القوي للعديد من الشركات اللبنانية في سورية خاصة في مجال الإنشاءات والعقار. وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه العقوبات تهدف إلى منع أي نهوض جديد لسورية، لأن الجميع يعرف كيف ستكون قوة سورية على المستوى العسكري، بعد التجارب التي اكتسبتها خلال الحرب والدعم الروسي والإيراني في هذا الجانب، وهو ما يهدد ما يسمى أمن إسرائيل. ونذكر بتجربة قيام حزب الله وجناحه العسكري وتعاظم قوته بعد نهاية الحرب الأهلية اللبنانية.

العقوبات الأميركية تهدف بالأساس إلى توجيه ضربة مباشرة للاقتصاد الاجتماعي المرتبط مباشرة بالمواطن السوري، فضرب سعر صرف العملة الوطنية، بشكل غير مباشر، ينجم عنه تضخم الأسعار وتدهور لما تبقى من القدرة الشرائية للمواطن في هذا البلد، وبالتالي دفعه إلى “ثورة” جديدة، في ظل موجات الاحتجاجات الشعبية ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي التي مازالت تجتاح المنطقة منذ عام في عدد من البلدان العربية كلبنان والعراق والسودان والجزائر وغيرها، والتي يحاول الرئيس الأميركي توظيفها لصالحه. فبين المعلن والخفي للتحرك الأميركي في شمال شرق سورية، الذي يتزامن مع مظاهرات الشدادي بريف الحسكة، يبقى الهدف الأساسي هو استيعاب الأهالي لضمان هذه المنطقة تحت السيطرة الأميركية لما تحويه أولا من حقول نفط إضافة موقعها الاستراتيجي بين تركيا وأوروبا وروسيا شمالا، ويأتي ذلك تحت ذريعة مكافحة إرهاب تنظيم “الدولة الإسلامية”. والحديث عن رغبة ترامب في إرغام الرئيس السوري على التنحي، تبقى خارج أجندته، على الأقل قبل الانتخابات الأميركية وفيما تبقى من ولايته الرئاسية، والذي لن يتردد، إذا ما توفرت الفرصة، في التفاوض بشأن الخارطة السياسة لسورية سواء مع الحكومة السورية أو مع القوى الكبرى الداعمة لها، ومثال على براغماتية ترامب ما كشف عنه عدد من المسؤولين الإيرانيين عن دعواته طهران للتفاوض والتي وصلت إلى ثمان دعوات. فتحول سورية إلى دولة فاشلة لن يخدم مصالح الولايات المتحدة في الوقت الراهن، كما أن التغيير المفاجئ للنظام بتدخل شبيه بالذي حدث في العراق في 2003 قد يقود إلى تكرار نفس التجربة العراقية وما عرفته من تحكم إيراني بعد سقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين، لكن سياسة ترامب في المقابل، تهدف إلى إدامة الصراع وافتعال انتفاضة ثانية داخل سورية وخلق حاضنة تابعة الولايات المتحدة في شرق البلاد للقوات الكردية، وذلك لضمان مصالحها في إطار الهيمنة على جزء من حقول النفط وتعزيز نفوذها العسكري في هذه المنطقة عبر قواعد عسكرية تابعة لها كما فعلت في ألمانيا خلال الحرب النازية، وذلك للتضييق على الحضور الروسي والتركي.

عقوبات ترامب الهادفة إلى تطويع النظام السوري، وخلق بيئة جديدة تمكنه من تشكيل أداة ضغط للتدخل سياسيا في سورية وفرض تصور إدارته لأي تسوية للأزمة، وذلك بدفع السوريين إلى الانتفاض من جديد عبر سياسة التجويع التي تقرها واشنطن بواسطة هذه العقوبات مستغلة أزمة جائحة كورونا التي زادت من المتاعب الاقتصادية والمعيشية للمواطن السوري وتسببت في تراجع الاقتصاد الإيراني الذي يعاني أصلا من العقوبات الأميركية ما تسبب في انخفاض إجمالي الناتج المحلي بحوالي 15 بالمئة، والذي كان له انعكاس قوي على الدعم الذي كانت تقدمه طهران لسورية.

بعيدا عن خطابات الرئيس الأميركي التمويهية التي يريد بها تصوير العقوبات الاقتصادية الجديدة على أنها وسيلة لتحقيق رغبة المواطن السوري في إنهاء النزاع في هذا البلد، فترامب ومن أجل إرغام النظام السوري على القبول بالتسويات المطروحة، يكون قد استغل وضعا إنسانيا إقليميا ودوليا تسببت فيه جائحة كورونا، كان له أثر بليغ على الدول الحليفة للنظام السوري، وانعكاسا كبيرا على الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سورية، التي يعيش 80 بالمئة من مواطنيها حالة فقر مدقع، وهذا أمر لا يمكن لأي إنسان حر في هذا العالم أن يتقبله أو أن ينظر إليه كحل للأزمة أو كآلية للدفع بالجلوس على طاولة المفاوضات، وهو للأسف ما يسير في تأييده جزء كبير من المعارضة السورية، دون النظر إلى التداعيات الخطيرة على السوريين في الداخل، فالعقوبات الأميركية الجديدة تستهدف البنية الاقتصادية للدولة ككل ولارتباطاتها الخارجية وليس فقط الحسابات والمشروعات أو المؤسسات الاقتصادية الشخصية، ويأتي ذلك والجميع بات يعرف قدرة النظام والحكومة في سورية على المراوغة ضد العقوبات، بل وعقيدة حزب البعث التي تتبنى مبدأ التعنت ورفض الرضوخ للأمر الواقع. الأمر الذي يُنذر بأزمة كبيرة في البلاد ستدفع بمزيد من تدفق اللاجئين نحو تركية والغرب الأوروبي، ما يتطلب من أنقرة وبروكسيل والاتحاد الأوروبي ككل التحرك ضد العقوبات الأميركية وإعاقة تنفيذها.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 28 مشاهدة
نشرت فى 24 يونيو 2020 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

280,521