http://kenanaonline.com/AAC-ES-SMARA

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

لو ظن المطبعون مع الكيان المحتل أن ذلك سيزيدهم قوة فهم مخطئون.. لأنه كيان استعماري استيطاني وظيفي مأزوم جشع لكنه يحمل بذور فنائه.. ليس الموضوع سياسة.. إنه سرقة وطن من إخوة لكم.. وهذه بعض حكاياتي

<!--<!--

“رأي اليوم”  د. عبد الحي زلوم* مستشار ومؤلف وباحث

من في عمري عايش نصف فترة الانتداب البريطاني الذي جاء لبناء دولة لليهود في فلسطين، وعاش ليرى جيوشاً كان قادتها من الانجليز المعارين من جيش الإنجليز ل(يحرروا) ما قام جيشهم ببنائه! ‏‏وعشت رجبا ‏لأرى عجبا ‏من بعض أولياء أمورنا يقولون لنا أن لليهود  حق في اغتصاب أرضنا، وكما يقول الشاعر: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحُسام المُهندّ.

جاءت حرب 1948 ‏والذي يصر والدي طول حياته أنها كانت مؤامرة ولم تكن حرباً، ‏حين تخرجت من الثانوية وكان عمري حوالي 17 سنة قال لي والدي أنصحك أن تدرس في الولايات المتحدة لأنه لو تم احتلال ‏ما تبقى من القدس وفلسطين فلن نستطيع أن نرسل لك مصروفك لو كنت في بلد عربي، ‏لست أدري من أين أتت قناعة والدي هذه لكنها كانت يقيناً وليست قناعة فقط، لكنه كان يقول اللهم ولي  عليهم أتيسهم، فلما سألته لماذا يكرر ذلك أجابني (لأنه مفيش فايدة في جماعتنا).

‏ذهبت إلى الولايات المتحدة سنة 1954 وكان الانتقال من القدس إليها كالانتقال من الأرض إلى المريخ وكانت كل دراستي الجامعية هناك، ‏ولكي لا أعطي انطباع أنّ والدي كان قارئ فنجان أو مُحلل سياسي أو سوبرمان فواقع الأمر أنّه كان رجلا عادياً، كان والده أستاذ مدرسة أرسلته الدولة العثمانية لإحدى حروبها فأصيب بها، ولأن والدي كان أكبر ابناءه فقد خرج من المدرسة بعد أن تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن كما كان الحال في تلك الأيام  وتولى مسوولية العائلة.

‏ليس المقصود هنا أن أكتب سيرتي الذاتية ولكن أريد أن أكتب التاريخ كما شاهدته في قضيتنا، ولكي لا أطيل دعني أنتقل الى المؤامرة الاخرى سنة 1967.

***

العودة الى القدس:

قبل حرب (الست ساعات) سنة 1967 كنت في لوس أنجلوس كاليفورنيا أثناء تصاميم أول تكنولوجيا في صناعة النفط في العالم (التحطيم الهيدروجيني) والتي يمكن بواسطتها تحويل النفط الثقيل أو المنتجات النفطية الثقيلة إلى منتوجات خفيفة ذات جودة عالية وحسب الطلب كمًا ونوعا، بعد انتهاء المشروع رجعت إلى الوطن العربي مع عائلتي والتي كانت آنذاك من زوجتي وولدين، مررنا عن طريق شتوتغارت بألمانيا حيث اشتريت سيارة مرسيدس S 220 وقدتها إلى البندقية (فينيسيا) حيث شحنتها إلى بيروت وذهبت مع عائلتي في إجازة إلى القاهرة ثم إلى بيروت حيث استلمت السيارة وقدتها إلى القدس.

كانت الأجواء متوترة جدا، سألني والدي هل تظن أنّ هناك حرب قادمة؟ فقلت له نعم، فقال لماذا تعتقد ذلك؟ قلت لأنّ هناك بعض القرائن إذا تم ربطها مع بعض تعطيك الجواب، فقال وما هي؟ أجبته أنني شاهدت على أخبار المساء وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشي ديان وهو يدخل إلى البنتاغون محاطا بالصحافيين وهو يشيح بيده ووجهه عنهم قائلا أنا اليوم صحفي ولست مسؤولا فلذلك ليس لدي أي تعليقات، ثم قال المذيع إنّ ديان ذاهب إلى فيتنام لينقل تفاصيل عن الحرب هناك والتنسيق بين العمليات الجوية والمدرعات، وكذلك عن حرب المقاومة والعصابات، رأيته بعد شهر (لربما ديسمبر 1966) بنفس المنظر، يحاط بصحفيين ولم يقل أكثر من أني سأرسل تقريرا عن مشاهداتي إلى صحيفتي. في تلك الأثناء قرأت في إحدى أكبر المجلات الأسبوعية عن أخبار النفط  والغاز وهي  Oil and Gas Journal  أن وزارة الخارجية الأمريكية طلبت من شركات النفط الكبرى أن تعيد للخدمة ناقلات نفطها العملاقة التي لا تعبر قناة السويس لضخامة حمولتها وإنما تسير عن طريق رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، وفي أسبوع لاحق كتبت نفس المجلة أنّ آل روسشايلد قد دفعوا ثمن دراسة لمد أنبوب نفط من خليج العقبة (إيلات) إلى البحر الأبيض المتوسط لتجنب مرور ناقلات  النفط عن طريق قناة السويس، وقلت أنّ الآتي يعني إغلاق قناة السويس نتيجة حرب قادمة، في اليوم التالي اشتريت مجلة تايم، سألني الوالد وما الأخبار؟ قلت له إنهم يقولون أنّه في حالة حرب بين إسرائيل وجيوش جيرانها  الثلاثة فإن تقييم البنتاغون أنّ إسرائيل ستهزمهم في أقل من أسبوع، فكر الوالد قليلا وقال، ضحك علينا الأمريكان أيضا وأعطونا نصف مليون دولار بحجة تطويل مدرج مطار القدس، وتم تحويل  كل الرحلات منه وإليه إلـى مطار ماركا بعمان وبذلك تم إغلاق المجال الجوي فوق الضفة الغربية قبل بدء الحرب بأسابيع أو شهور قليلة، فكر والدي قليلا وأضاف “والله لو هدموا بيوتنا فوق رؤوسنا لن نتركها”.

بعد ذلك توجهت الى الكويت حيث أصبحت مديرا لعمليات أول مصفاة تكرير لشركة البترول الوطنية الكويتية والتي كانت أحدث مصفاة للتكرير في العالم.

***

العودة للقدس ثانية:

توفي والدي رحمه الله بعد حوالي سنتين من الاحتلال، ونتيجة إلى الظروف آنذاك كان عليّ أن أزور بلدي بتصريح من محتل، من الصعب أن أصف شعوري لكنه كان مزيجا من الغضب والحُزن، عند وصولي إلى القدس قمت بزيارة قبر والدي وجدي وبعض الرسميات الاخرى.

كان لوالدي أخ واحد وكان أيضاً تاجراً للأقمشة في القدس ولديه مشغل للملابس النسائية في رام الله، قال لي إنه ذاهب إلى تل أبيب في الغد وعنده زبون يهودي لبناني يشتري منه الملابس وسألني إذا أردت أن أرافقه لأرى فلسطين المحتلة سابقا فقلت له ولم لا؟ ذهبنا في اليوم التالي أولا إلى يافا حيث تناولنا الغداء في مطعم يونس، عند دخولنا تل أبيب فاجئني يهودي عراقي في الشارع الرئيسي كان يدفع عربة خضار وكان يغني بأعلى صوته مواويل عراقية، ثم وصلنا الى حيث اللبناني اليهودي، أول ما بدأ الكلام قلت لنفسي لو كان هذا الرجل في القاهرة أو في الرياض أو في دمشق أو في أي قطر عربي لن يستطيع أحد أن يفرق ويعرف أنه يهودي من الكيان المحتل ولربما يصبح رئيس دولة عربية كما كاد أن يصبح إيلي كوهين عميل الموساد رئيساً لسوريا!  سألته بعد أن قال أنه يشتاق إلى أيام لبنان الجميلة فقلت له لماذا تركتها إذن؟ فأجاب دعني أجيبك بهذه القصة: جاء والي أيام الدولة العثمانية إلى بلاد الشام فسأل أحدهم في دمشق من الذي جاء بي، الله أم السلطان، فقال له الله، فقال إقطعوا رأسه فهو غير موالي للسلطان، ثم ذهب إلى بيروت وسأل نفس السؤال فأجابه المسؤول الذي جاء بك هو السلطان، فقال اقطعوا رأسه فإنه ملحد، ذهب إلى حلب وسأل أحدهم من الذي جاء بي، الله أم السلطان، وكان الشخص قد سمع ما حدث بدمشق وبيروت فأجابه: ياريت ما جيت ولا بعتك الله ولا السلطان. فقال لي اليهودي اللبناني ياريتك ما جيت ولا الله جابني ولكن الظروف حكمت.

استأجرت سيارة في اليوم التالي واخذت العائلة والأولاد لزيارة شمال فلسطين بدءا بحيفا والجولان، نزلنا في فندق دان DAN على رأس قمة جبل الكرمل، من شرفة الغرفة أؤكّد أن منظر خليج حيفا كان لوحة من الجمال لم ارَ لها مثيلا، ومن شرفة تلك الغرفة أيضا يمكن رؤية حدود لبنان، ذهبنا إلى طبريا وأخذنا قاربا قاده يهودي تونسي، نفس ما قاله اللبناني قاله التونسي مضيفا أن اليهود الشرقيين مضطهدون وكأنهم درجة ثانية.

 ذهبنا إلى الجولان، ومن الصعب على العربي (أي عربي) أن يذهب إلى الجولان دون أن يعتصره الغضب والحزن والألم وهو يصعد إلى قمة هضبة الجولان ويرى استحالة احتلال تلك المنطقة من أي جيش في العالم لو كان هناك قلة من المقاومين إلاّ عن طريق خيانة عظمى، كانت الاستحكامات الإسمنتية تحت الأرض لا تخترقها أقوى قنابل تلك الأيام، كم كان منظر لافتة حديدية أمام معسكر جيش سوري محطمة ومكتوب عليها(أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)! لكن الخيانة بدأت ببلاغ عسكري من راديو دمشق إدعى سقوط مدينة القنيطرة التي كانت خلف صفوف الجيش السوري قبل أن تطأ أي قدم صهيوني أرض الجولان.

***

إنها سرقة وطن:

قبل أن نغادر القدس أخبرت زوجتي والدتها أنها تحب زيارة بيتهم الذي ولدت فيه في القدس المحتلة سنة 1948، ذهبت مع والدتها إلى بيتهم الذي بني بطراز هندسي أنيق في عشرينيات القرن الماضي. طرقوا الباب بهدوء، فخرجت من داخله يهودية، قالت والدة زوجتي بكل أدب، هذه ابنتي ولدت هنا وهي ترغب فقط برؤية مكان ولادتها وغرفتها، فقاطعتها اليهودية بشراسة قبل أن تكمل جملتها بسيل من الشتائم ما لا قبله ولا بعده وبعبارات وألفاظ منحطة من فوق الحزام ومن تحته، فسارعتا بالرجوع، وهنا أقول أعوذ بالله من شرّ بعض ساستنا من الذين كانوا شركاء في جريمة سرقة وطن بارك الله من حوله، لم يبق لأصحاب البيت الذي أرادوا فقط أن يزوروا مكان ولادتهم سوى صورة واحدة تم أخذها وهي في أدنى المقال. وبالمناسبة فإن أرض مجمع مستشفى هداسا  الكبير في عين كارم بضواحي القدس هو أرض جدها  المغتصبة.

أتمنى أن يتوب المطبعون قبل أن يأتي يوم لا تقبل فيه توبة ولا شفاعة!

***

الكيان المحتل يحمل بذور فنائه:

محاولات التطبيع والتحالف  مع هذا الكيان هي تحالف ما بين (المتعوس وخائب الرجاء). هذه الحقائق الموضوعية تثبت دقة هذا القول:

عوامل الفناء الداخلية:

فأولاً، فهو مجتمع متطرف وعنصري واستعماري استيطاني أثبت التاريخ فشل أمثاله كما في الجزائر وجنوب إفريقيا.

وثانياً، منذ نشأة الكيان وحتى اليوم فكل حكومة كانت أكثر تطرفا من التي سبقتها.

وثالثاً، انتقل الحكم من الأوروبيين (الاشكيناز) الأكثر تطورا ومدنية إلى حثالة من جاءوا من الأقطار العربية والإفريقية وهم يكوّنون الأغلبية اليوم.

ورابعاً، الديمغرافيا ستكون خنجراً في قلبهم فالعرب الفلسطينيون يمثلون الأغلبية السكانية في فلسطين ما بين النهر والبحر.

خامسا، يشكل العرب اليوم 20% من داخل الخط الاخضر، ويشكل اليهود الحريديم أيضا 20% وهما الأكثر إنجابا وستصبح نسبة هؤلاء المجموعتين أكثر من 55% بعد 15 سنة وكلا المجموعتين لا تؤمنان بوجود دولة يهودية، فاليهود الحريديم يعتقدون أنّ الصهيونية التي جاءت قبل أوانها هي خارجة عن النصوص التوراتية، ولو أضفنا إلى ذلك 10% من المعتدلين لأصبح تقريبا ثلثي السكان ثقافتهم وعقيدتهم تتناقض تماما مع المتطرفين الذين يزدادون قوة يوما بعد يوم، وهذا التناقض بدأ يبدو واضحا اليوم بحيث أنّ ثلاث انتخابات  لم تستطع أن تنتج حكومة، بقدر ما كان نتنياهو بارعاً في تكتيكات السياسة بقدر ما كان غبياً استراتيجياً سيسجل التاريخ أنّ  سياسته المتطرفة  كانت من سيعجل نهاية الكيان.

وبحسب الشرطة الإسرائيلية فهو نصاب ومحتال ومرتشي، وحسب جريدة هارتس فقد قال لمؤيديه أنه سيقوم بعصيان مدني إذا قامت المحكمة العليا بمنعه من الترشح لرئاسة الوزراء، أوليس ذلك هو بداية حرب أهلية؟

أما أسباب الزوال الخارجية:

أولا ألغت المقاومة بل أسقطت عقيدة جيش العدوان التي بني عليها وهي الحروب الخاطفة وأرض المعركة في أرض العدو، كما أن حليفه الاستراتيجي أي الولايات المتحدة هي اليوم مأزومة ومشغولة بنفسها وأحاديتها في انحدار.

والخلاصة:

‏مشروع الكيان الاستيطاني الاستعماري في فلسطين  لا يستند إلى أي أسس تاريخية أو سياسية أو دينية وإنما يستند الى مطامع إمبريالية.‏

واذا كان لليهود حق  في فلسطين ‏فإن لهم الحق في خيبر، وإذا قبل بذلك البعض فنحن لا نقبله، ألم تقل رئيسة الوزراء السابقة جولدا مائير عندما وقفت على خليج العقبة في مدينة أم الرشاش الفلسطينية والتي أعيد  تسميتها بإيلات: “إني أشتم رياح خيبر!”

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 20 مشاهدة
نشرت فى 22 إبريل 2020 بواسطة AAC-ES-SMARA

ساحة النقاش

الفرع المحلي للجمعية الوطنية لقدماء المحاربين بالسمارة

AAC-ES-SMARA
»

أقسام الموقع

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

280,601