أردوغان يسقط في امتحان التنقل بين روسيا وأميركا
يعيش الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فترة قد تعتبر الأسوأ في تاريخه السياسي، فهو لم يتعلم من تجاربه السابقة، ولم يدرك بعد أنّ اللعب مع القوى العظمى ليس مجرد نزهة، إنما يترتب عليه دفع أثمان باهظة قد تنهي ما تبقى من حياته السياسية بسرعة أكبر من المتوقع. الدرس الذي تلقاه الرئيس التركي من نظيره الروسي فلاديمير بوتين في العام 2015، لم ينفع على ما يبدو، لأنه حاول إعادة الكرّة بأسلوب آخر هذه المرة، إلاّ أنه من غير المتوقع أن تتغيّر النتيجة.
المصلحة العامة دفعت بأردوغان إلى الارتماء في أحضان الدبّ الروسي بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرض لها والتي اتهم فيها الولايات المتحدة والغرب بالتخطيط لها، وجنح نحو الروس حيث فتح لهم أبواب تركيا في المشاريع النفطية والخاصة بالطاقة وصولاً في فترة لاحقة، إلى قطاع الأسلحة عبر تحدي الأميركيين باستقدام نظام الدفاع الجوي الروسي "إس-400". إضافة إلى ذلك، دخل أردوغان مجال التنسيق التام مع موسكو في ما خص الوضع في سوريا، وأدار ظهره لمطالب الأميركيين والأوروبيين في هذا الصدد، إلى أن ظهرت مسألة إدلب. تعارض المصالح مع الروس أرخى بثقله على تركيا وبالأخص على رئيسها، الذي لم يتأخر في تغيير وجهته ليذهب نحو واشنطن علّها تساعده على التعامل مع قوى عظمى مماثلة، وأراد أن يزيد في المقابل من عوامل التدخل الأوروبي بدل استمرار دول القارة العجوز بسياسة "النأي بالنفس"، فلعب ورقته الأخيرة المتمثلة بالنازحين السوريين، معتبراً أنّ دفعهم باتجاه أوروبا سيحفّز الأوروبيين على رفع مستوى التنسيق مع تركيا ومدّها بالدعم اللازم للضغط على روسيا في موضوع إدلب. ولكن الرياح لم تسر كما تشتهي سفينة أردوغان، حيث اتّخذت أوروبا منحى مغايراً تماماً بعد اعتبارها أنّ طريقة ابتزاز أردوغان لها بمسألة النازحين هو أمر غير مقبول، وبالتالي فهي لن تدعمه، فيما يدرك الرئيس التركي جيداً أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليس في وارد مساعدته عسكرياً سوى من خلال بعض الدعم اللوجستي، ولكنه سيتخلّى عنه دون تردّد عند شعوره بأيّ سوء قد يلحق به، وهو على أبواب الانتخابات الرئاسية.
إزاء هذا الوضع، لن يجد أردوغان أمامه سوى العودة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لن يكون مسروراً حتماً بطريقة التعامل معه، ولن يستسيغ توجهه إليه بعد تفضيل الغرب عليه، وهو سيمسك بالأوراق جيداً، وبدا ذلك واضحا من خلال خطوته تعزيز التواجد العسكري الروسي في سوريا قبل ساعات قليلة على موعد اللقاء المرتقب بين الرجلين، وهو أمر إن دلّ على شيء، فعلى مدى ثقة بوتين بنفسه إلى حدّ إرساله رسالة واضحة أنّ اللعب مع الكبار ليس بالأمر السهل ويترتب عليه دفع ثمن كبير، وأنه إذا كان يتوقع أردوغان فرض شروط عالية السقف على روسيا، فعليه إعادة حساباته.
ليس العقاب العسكري فقط هو الذي سيؤلم أردوغان بعد أن منعت روسيا طائراته من إلحاق الأذى بالجيش السوري خلال المواجهات الدائرة، إنما هناك أيضاً ثمن سياسي يجب دفعه، وكله يتوقف على مقدار ما سيدفعه الأتراك كي يحافظوا على ماء الوجه بعد أن أغلقت أمامهم الأبواب، فهل تنسحب تركيا إلى حدودها أم أنها ستصل إلى تسوية بتخفيض مدى نفوذها في الأراضي السوريّة، وكم ستدفع جراء ذلك؟.
من الواضح أن حسابات أردوغان لم تتطابق مع حقول البيدر السوري، لانّ الدفع يجب أن يكون في روسيا وليس في سوريا، وهو أمر يجب التنبّه إليه والتعامل معه بحذر شديد.
ساحة النقاش