لا مقعد لعمّان في مؤتمر برلين.. هل فوّتت “الدرس القاسي”؟: دبلوماسي عربي يشير لغياب الأردن والسودان ويطرح سؤال “المرتزقة”.. ملاحظات حول الدور في ليبيا ونظرية “التكتيك” في العلاقات مع تركيا من جهة ومع الإمارات ومصر من أخرى.. أيهما أصدق؟
<!--<!--
برلين ـ “رأي اليوم” ـ فرح مرقه:
نعم، لم تجد العاصمة الأردنية لها أي مقعد على طاولة مؤتمر برلين الذي انعقد حول ليبيا الأحد، كما لا تجد لنفسها ذلك أيضا في الحلبة الدولية التي يشعلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والأوروبيون مع إيران. يحصل ذلك بينما تتأرجح فرص وجود مقعد أيضاً في ملف “صفقة القرن” التي يعاد الحديث عن طرحها خلال أقل من شهرين أي قبل الانتخابات الإسرائيلية المبكرة المتوقعة.
الأردن وفي المشاهد الثلاثة حصد كلفاً في مواقفه وحسب، ويبدو أنه وبرأي مراقبين مصريين أنّ على عمان اتخاذ مواقف حقيقية تنسجم مع المصالح العليا، وعلى طريقة وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، فإن الأردن يبدو “لم يتعلم الدرس القاسي من غيابه عن طاولات القضايا الكبرى” والتي هو معني بها بكل الأحوال.
في الملف الليبي، تابع الأردنيون وخلال أشهر تقارير الأمم المتحدة التي تدين الأردن بانتهاك حظر التسليح المفروض على ليبيا ولتورطه بدعم الجنرال خليفة حفتر والذي يحاول السيطرة على العاصمة طرابلس منذ منتصف العام الماضي (نيسان 2019)، كما تابعوا أيضا التسريبات حول زيارات الجنرال ذاته إلى العاصمة الأردنية ولقاءاته فيها تارة بمسئولين أمريكيين وأخرى بأردنيين، دون تفاصيل أو حتى بحث الأسباب التي تدفع عمان فعلا باتجاه طرف في ليبيا دون سواه.
لاحقا تتطور مواقف العاصمة الأردنية وعلى لسان عاهلها الملك عبد الله الثاني في كلمته للبرلمان الأوروبي والتي سبقتها المقابلة الشهيرة مع قناة “فرانس 24” الفرنسية، وهو يبدو ضد السياسة التركية خاصة في ليبيا، وذلك بعد أقل من عام من حفاوة استثنائية حظي بها العاهل نفسه في إسطنبول في زيارة بدت عائلية وتحمل الكثير من الرسائل، كما ان الموقف الملكي يبدو أيضا معقّدا بالنظر إلى أنه يأتي بعد نحو عام أيضا على جلسات استثنائية عقدها الملك لنخبة من رجال السياسة والإعلام أعلن فيها أنّ العلاقة مع تركيا “استثنائية”.
بكل الأحوال في النقطة الأخيرة، تركيا أيضا “لم تزعج نفسها” بالتواصل مع عمان كما فعلت مع الجزائر وتونس في ملف ليبيا، وهو التعبير الذي يستخدمه السياسيون الأردنيون وهم يهاجمون السياسة التركية “المصالحية والتكتيكية” مع عمان وعلى أرضية القضية الفلسطينية فقط، ويعتبرون أنّ أنقرة استغلت الأردن للحصول على مقعد في الملف. هنا نقطة لصالح عمان ضد تركيا، ولكنها بالضرورة لصالح عمان ضد حلفائها الآخرين أيضا في ملف ليبيا الذين لم يتحدثوا للأردن والحديث عن الإمارات ومصر ومن خلفهم فرنسا التي تستضيف الملك عبد الله الثاني قريبا.
من هذه الزاوية تحديدا تختلف تقييمات المحايدين والمعارضين للانتقادات ضد تركيا، حيث- برأيهم- ساعدت الأخيرة في منح عمان مقعدا مهما في ملف القدس وعلى الطاولات العربية والغربية وجنّدت عمليا كل إمكانياتها لصالح الأردن، وهو ما يؤكد المراقبون ان عمان اليوم تبدو فيه بلا سند بعدما أدارت ظهرها لأنقرة وفجأة.
هنا يُخفق الإعلام الرسمي والحكومة في تقديم روايات مقنعة لأسباب “تغيير الاتجاه” الأردني في السياسة الخارجية، ويُترك المجال مفتوحا لروايات تبدو أقرب لـ”حكايات الحارات” عن أسباب شخصية تحكُم سياسة الدولة في الملفات الكبيرة، وتُحرم عمان من مزايا أي موقف سياسي تتخذه حتى وإن كانت تلك الميزة هي مقعد مراقب لما يجري في دولة ترسل إليها العاصمة الأردنية العدة والعتاد العسكريين.
دبلوماسي عربي صرّح في كواليس العاصمة الألمانية أن “الأردن والسودان” (من الدول الداعمة لحفتر) لم تكونا في المؤتمر، الأمر الذي لو قيل على الملأ لبدا أشبه بتقليل لاحترام الأردن، فالسودان يقول كل رسميوه أنه لم يشارك مع أي طرف، ويعتبرون أي سوداني في ليبيا ضمن “مرتزقات الحروب”. هنا مجددا تغيب الرواية الرسمية الأردنية التي تشرح موقفها من ليبيا وما يجري بها والأهم التي تشرح وجود الأردن ضمن قوائم الدول الداعمة للجنرال خليفة حفتر.
على الأرجح، ووفق مراقبي السياسة الأردنية، تخوض عمان المعارك بهذه الصورة تحت شعار واضح، هو “انقلاب جديد على جماعة الإخوان المسلمين” والتي تدعم في الحالة الليبية الشرعية الدولية المعترفة بالرئيس الليبي فايز السراج. ورغم أنّ الدعم الأردني لحفتر متواصل منذ مدة تسبق هذا “الانقلاب” إلاّ أنّ حتى رواية من وزن الانقلاب على الإخوان المسلمين ليست موجودة في التعبيرات الأردنية عن السياسة الخارجية، الأمر الذي يجعل كل المتعاملين مع المشهد المحلي يواجهون تساؤلات من وزن“على أي ريح تعتمد سفينة السياسة الخارجية“ هنا لا احد يشرح ولا يبرر ولا يفسر.
بهذا المعنى، يكشف مؤتمر برلين بالنسبة للأردن أمرين: الأول انه غائب عن المكاسب بينما حاضر في الخسائر، وهذا رغم كل التحفظات الدولية على جدوى المؤتمر الألماني أصلا ونجاعة مخرجاته. الأمر الثاني، أنّ الشائعات مجددا تملأ فرغ غياب الرواية الرسمية الأردنية في الملف الليبي، وهنا أزمة سياسية إعلامية مجتمعية مركبة وجامعة وتتجاوز عمان في الملف المذكور لعمّان وعلاقتها مع نفسها أصلا.
بكل الأحوال، يبدو التقييم والتحليل للموقف الأردني في هذا الملف وحده صعبا وقد يظهر قاسيا، ولكن الإشكال الحقيقي أنه لا يتوقف عند ليبيا بل يتجاوزها إلى الموقف من الأزمة من إيران والموجودة عمليا على حدود الأردن وتهدده بإبعاد الأمريكيين من أراضيه، بينما هو يستعد لاستقبال المزيد منهم وفق معلومات “رأي اليوم”. كما ينسحب ذلك على مصلحة أردنية عليا عنوانها التصعيد الإسرائيلي مقابل تمسك عمان بصفقة الغاز التي تحظى بالغضب الشعبي طوال الوقت، هنا مجددا يعود سؤال “كيف يدير الأردن علاقاته الخارجية” بقوة. والاهم وعلى طريقة قرقاش متى ستتعلم الخارجية الأردنية الدرس القاسي؟.
ساحة النقاش