فض الالتباس بين حق الشعوب العربية في الحرية وحقها فى مقاومة إسرائيل
<!--<!--
“رأي اليوم” السفير د. عبدالله الأشعل*مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق
الشعوب العربية تطالب بالحرية من جلاديها وفى نفس الوقت لا تريد أن تكون هذه المطالبة سببا فى صدام بين الطرفين تتمناه إسرائيل، والمفارقة أن سبب المشكلة هو تمسك طائفة معينة بالسلطة فى كل بلد مما أعاق نشأة الدولة فى كل بلد عربي. فقد كانت الدكتاتوريات العسكرية والحزبية والأسرية وهى كل النظم العربية تعادى إسرائيل وهى التي جلبت الخراب لبلادها لأن هذه الدكتاتوريات أوقفت نمو بلادها وتطورها وقمعت شعوبها ودفعتهم إلى التخلف والقهر تحت ستار أنها تقف ضد إسرائيل وكان يتعين على هذه الدكتاتوريات وقد فشلت مرتين مرة فى تحرير فلسطين وتسببت فى احتلالها الكامل ومرة فشلت فى دفع العدوان الإسرائيلي على بلادها كما حدث فى مصر وسوريا 1967 وعندما قامت ثورة يناير والثورات العربية الأخرى كانت تريد الاستقلال عن واشنطن والتبعية ووصول الشعب بدل الطائفية إلى السلطة وتحقيق المواطنة الكاملة التي حرمت الطائفية كل المواطنين الآخرين منها وانفردت بخيرات الوطن وحصرته فى أتباعها وأعادت توزيع الثروة والقوة لصالح الطائفة وأنصارها.
ولذلك فإن كل الطوائف فى بلاد الثورات العربية تحالفت مع إسرائيل لقمع الثورات وتغيير الوضع المريح لها مما يفسر التقارب والحميمية بين قوى الثورة المضادة واتحاد مصالحها مع مصالح إسرائيل.
المفارقة الثانية هي أن الطوائف فى العراق ولبنان ضد إسرائيل ومعها حركات المقاومة اللبنانية حزب الله والفلسطينية حماس والجهاد وبقية الفصائل وكذلك إيران، وتعتقد هذه الطوائف وإيران أن الحراك مدفوع من أعداء النظام وتفسره إيران على أنه فى إطار الصراع بين الشيعة الذين تؤيدهم والسنة الذين تؤيدهم إسرائيل والسعودية وواشنطن فى سياق الصراع الأوسع الإيراني الأمريكي. وحتى لو كانت هذه الطوائف تؤمن بأن هذا الحراك هو التخلص من الطائفية وإنشاء دولة لأول مرة بعد الاستعمار وأن الدولة الوطنية كانت خرافة والصراع مع إسرائيل وتحرير فلسطين شعارات لتخدير الشعوب واستدامة الطوائف فى السلطة وأن أمن البلاد وسلامتها يتعرض لمؤامرة وهذه الطوائف هي التي تتصدى للمؤامرة فتكون جائزتها هي التسلط على الشعوب ومقدرات البلاد وأن هذا الحراك ليس مدفوعا من أحد، فإن هذه الطوائف القابضة على السلطة تقاوم الحراك والثورات وتساندها إسرائيل، وقديما وضعنا معيارا هاديا للحكم على أي حدث في المنطقة العربية تأييدا أو رفضا وقلنا أن أحد أهم المحددات هو الموقف الإسرائيلي، فقد اضطربت إسرائيل من الثورات العربية فى موجتها الأولى، وعارضتها وسارعت مع حلفائها الذين قامت الثورة ضدهم إلى إخمادها وإنكار حق الشعوب العربية فى الحرية لأنهم يطالبون أيضا بحرية الشعب الفلسطيني من جلاديه الإسرائيلي والفلسطيني على السواء المتحالفين لصالحهم ضد الشعب الفلسطيني.
أما الموجه الثانية فى لبنان والعراق، فلأنها موجهة ضد إيران وحلفاء إيران وهم معسكر المقاومة فإن إسرائيل تدعم الحراك ولكنها كما قلنا في مقالة سابقة تخشى نجاح هذا الحراك وفيه نهاية لإسرائيل وازدهار للمشروع الإيراني. فكيف نساند المقاومة وتجنبها شوائب الوضع المتشابك ونوحد رؤيتها للحرية فى الداخل ومن إسرائيل، فلا يمكن أن تشكل المقاومة فى شقيها الفلسطيني واللبناني طائفة وتتحالف مع نظام الطوائف فتنكر على المواطن حريته فى الداخل بينما تطالب بتحرير المنطقة من السرطان الصهيوني. فحزب الله جزء من نظام الطوائف اللبنانية ويعتمد من ناحية أخرى على إيران الداعم الأساسي للمقاومة ومنظمات المقاومة الفلسطينية تشكل جبهة عسكرية ضد إسرائيل ومدعومة من إيران، وفى نفس الوقت جبهة سياسية فى مواجهة السلطة وتنافسها على الناخب على أحقية أيهما بالحكم واختبار اتجاهاتهما ومنهجهما تجاه إسرائيل.
بالنسبة لحزب الله، له وجه لبناني داخلي ناظم للشيعة هو حديث بين الطوائف وهو أقوى الطوائف ولذلك فهو بحاجة إلى الجميع وإلى الحراك لكي تدعمه في مواجهة إسرائيل، أما إن انحاز إلى طابعه الطائفي فسوف يصطدم بالحراك وبأتباعه الكثر فى المنطقة العربية. ولاشك أن ثلاثة عوامل يستخدمها أعداؤه لمحاربته: الأول أنه شيعي أي على الجانب الآخر من المعادلة وهو ما تركز عليه السعودية، والثاني أنه مرتبط بإيران مما يجعله طرفا فى الصراع السعودي الإيراني والثالث أنه تدخل فى سوريا وخرج بسلاحه من الساحة اللبنانية ليلعب أدوارا إقليمية وليس عيبا أن يكون الحزب مدعوما من إيران ولكن العيب أن يكون ذراعا للسياسات الإيرانية فى المنطقة وأن تكون مقاومته ستارا لتحقيق هذا الهدف. وليس عيبا أن يدخل الحزب المشهد السوري فهي نظرة استراتيجية صائبة مادام الصراع مع إسرائيل قد امتد إلى سوريا، وكذلك ليس عيبا أن يكون الحزب حليفا لإيران فى معركتها ضد إسرائيل وواشنطن فهما أعداء المنطقة وسبب كوارثها وداعمي جلاديها، وحتى أن ينسق الحزب مع القوات الإيرانية لصد العدوان الإسرائيلي عن إيران لأن إيران هي قلب المعسكر المقاوم سواء دعمت المقاومة لتوسيع نفوذها وهذا حقها أو دعمتها إيمانا بنصرة الحق الفلسطيني، أي أنها حلت محل العرب الذين تخاذلوا وتركوا الفلسطينيين وحدهم. ولاشك أن وضع حزب الله أعقد كثيرا من وضع حماس وغيرها من منظمات المقاومة فلا حرج على عروبتها أن تستعين بالدعم الإيراني ومن يراهن على ذلك فليدعم هذه المنظمات لو جرؤ على ذلك، المشكلة أن اتهام حماس والجهاد بأنها تتبعان إيران لا يقدم بديلا سوى التخلي عن المقاومة تيسيرا على المشروع الصهيوني، وعدم قدرة السعودية على الفصل بين الصراع مع إيران ومساندة المقاومة وحبذا لو حلت السعودية محل إيران فى دعم المقاومة بدلا من تجريمها من خلال الجامعة العربية واتهامها بالإرهاب.
يجب فصل الطابع المقاوم للمقاومة عن بقية الأوجه الداخلية لها وفصلها عما يوجه لإيران من ملاحظات من أي نوع وإلا فإن الضغط عليها سيحولها بالفعل إلى أذرع لإيران ويفقدها الاستقلال الذي تتطلبه طبيعة المقاومة للانسجام مع بيئتها المحلية والإقليمية.
إن حق المواطن العربى فى التحرر من الطائفية المحتكرة للسلطة لصالح الطائفة يجب التسليم به فمقاومة إسرائيل معناها طلب الحرية للشعوب العربية والفلسطينيين، حيث إسرائيل هي سبب إحباط الثورات ومقاومة التغيير.
1 تعليق
سمير عزيزToday at 3:15 am (8 hours ago)
في الحقيقة كل القوى التي لها مصلحة في استمرار الوضع الحالي من التشرذم والطائفية والتخلف تقاوم انتفاضة الشباب الذي يسعى إلى بناء دولة المواطنة والرفاهية. فإسرائيل تريد دولا عربية ضعيفة ممزقة غير قادرة على مواجهتها ولذلك هي تسعى بكل وسائلها لديمومة الوضع الحالي. والولايات المتحدة الأمريكية تهمها مصالحها في المنطقة. ووجود حكومات ضعيفة ومجتمعات بائسة يخدم إستراتيجيتها في السيطرة على ثروات المنطقة وأهمها البترول، فهي التي نصبت الحكام الحاليين في بغداد ولن تجد أفضل منهم ممن يضمن مصالحها، والقول أنها مع السنة ضد الشيعة فيه عدم دقة لان من يهيمن سياسيا على السلطة في العراق هم الشيعة ولكن غالبية المنتفضين ضد السلطة هم من الشيعة أيضا. أما أن يكون هناك صراع أمريكي إيراني فهذا لا علاقة له بالمذاهب وإنما هو صراع مصالح بين طرفين كل منهما يسعى إلى أن يكون القوة المهيمنة في المنطقة. أما إيران فقد كشرت عن أنيابها وتستخدم كل الوسائل التي بيدها للانقضاض على الانتفاضات العربية خصوصا في العراق لأنها تعلم أن نهاية الحكام الفاسدين فيه وقيام حكم وطني يتخطى المحاصصة الطائفية هو نهاية لنفوذها وهيمنتها وأيديولوجيتها القائمة على إذكاء الصراع بين المذاهب الإسلامية. ولذلك رمت بكل ثقلها واستخدمت الميليشيات التابعة لها في العراق لترويع وترهيب وقتل واختطاف المتظاهرين السلميين. باختصار أنّ انتفاضة العراقيين هي مقاومة لأنها ترفض الهيمنة الخارجية مهما كان مصدرها. وان انتصارهم هو دعم للمقاومين العرب في كل مكان وخصوصا في فلسطين.
ساحة النقاش