تُخطئ السعودية لو اعتقدت إنها و'إسرائيل' سِيَّان
<!--<!--
الإثنين ٢٣ سبتمبر ٢٠١٩ - ٠٧:٤١ بتوقيت غرينتش
المبادرة التي يسعى الرئيس الإيراني حسن روحاني إطلاقها من على منبر الأمم المتحدة، من أجل إرساء السلام والأمن والاستقرار في منطقة الخليج الفارسي، قد تكون الأخيرة، قبل أن تنزلق المنطقة إلى ما لا يحمد عقباه.
العالم - قضية اليوم - منيب السائح / العالم
من المؤشرات القوية التي تؤكد على أن المنطقة تُدفع دفعا نحو الحرب، هي التحركات المتسارعة التي تقوم بها أميركا لزج، من تعتبرهم حلفاءها، في أتون حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، تصب من ألفها إلى يائها في مصلحة "إسرائيل" ومصلحة أصحاب مصانع السلاح في أميركا.
من الواضح أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تعمل وبإصرار، على زج السعودية في حرب مباشرة مع إيران، وينكشف هذا الإصرار وبشكل ملفت من ردة فعل هذه الإدارة على الهجمات التي شنتها القوات المسلحة اليمنية على منشأتي بقيق وخريص النفطيتين شرق السعودية، حيث بادرت إلى اتهام إيران فورا، ودعت السعودية إلى الرد والدفاع عن نفسها، دون أن تنتظر أي حماية من أميركا.
ليس التحريض الأميركي الفاضح، هو فقط من قد يدفع المنطقة إلى المجهول، فطبيعة النظام السعودي، وخاصة شخصية ولي عهدها الغر محمد بن سلمان، هي أيضا، عوامل في غاية الخطورة، قد تزيد من نسبة وقوع الكارثة، إذا لم يعمل عقلاء آل سعود إلى التقليل من تأثير هذه العوامل على مجمل ما حدث وسيحدث في المنطقة.
هناك خطأ استراتيجي كبير ترتكبه السعودية، عندما تعتقد أن أميركا تنظر إليها كما تنظر إلى "إسرائيل"، وأنّ النظام السعودي يعتبر خطا احمر بالنسبة لأميركا، كما هي "إسرائيل"، وهذا الخطأ الفادح هو الذي جعل القيادة السعودية ترد وباستعلاء اليد الإيرانية الممدودة دوما للسلام، وترفض وباستعلاء كل المبادرات التي أطلقتها إيران لتشكيل منظومة أمنية تقوم على تعاون وثيق بين دول الإقليم.
هذه النظرة السعودية إلى مكانتها في الإستراتيجية الأميركية، كانت تبدو صحيحة إلى حد ما، لما قبل 30 عاما، عندما كانت أميركا في حاجة ماسة إلى النفط السعودي، والى حضورها الدائم في المياه الدافئة، في إطار صراعها مع الاتحاد السوفيتي السابق، أما اليوم فإن حاجة أميركا إلى النفط السعودي هبط إلى أقل من 50%، بالإضافة إلى انهيار الاتحاد السوفيتي، لذلك فقدت السعودية ما كانت تعتبره الضامن لأمنها، وهو النفط والأهمية الإستراتيجية.
أما العامل السعودي الثاني، الذي يتم استغلاله وبشكل بشع من قبل الإدارة الأميركية للتضحية بالسعودية خدمة للمصلحة "الإسرائيلية"، هو شخصية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الشاب المتعطش للسلطة، والحالم بحكم السعودية لخمسين عاما القادمة، والمعتقد اعتقادا جازما بقدرة أميركا على تحقيق أحلامه، في حال نفذ كل رغباتها دون أدنى اعتراض، ويبدو أنّ التسليم المطلق أمام السيد الأميركي، بأنّ وبشكل مذل في الصمت المطبق للقيادة السعودية أمام الإهانات غير المألوفة والمتكررة التي يوجهها ترامب دون مبرر للمك سلمان وولي عهده.
على القيادة السعودية، وخاصة العقلاء في هذه القيادة، أن يتوقفوا قليلا، أمام المبادرة التي سيطرحها الرئيس روحاني، والتي ستؤكد حتما على حقيقة أنّ أمن المنطقة لا يحفظه إلاّ أهل المنطقة، وان تواجد القوات الأجنبية فيها لن يكون في مصلحتها بل هو عامل عدم استقرار، وألاّ يبرروها، كما برروا جميع المبادرات الإيرانية السابقة، بأنها تأتي من موقع ضعف، أو أنّ إيران تريد أن تتخلص من الضغوط، أو أنها استعراضية، فلا الظروف ولا الوقت يحتمل هذه السياسة وهذه التبريرات، فتساقط عشر طائرات يمنية على أرامكو أوقف أكثر من نصف إنتاج السعودية من النفط، ترى كيف سيكون الحال في السعودية لو دفعت بها أميركا للحرب مع إيران، في إطار دعوات مضللة مثل تشكيل تحالف دولي لحماية أمن الملاحة الدولية، أو تحريضها على التعرض لإيران كرد على الهجمات التي نفذها اليمنيون ضد المنشات النفطية السعودية، دفاعا عن النفس.
رغم أننا لا نعول كثيرا على "حكمة" النظام السعودي، في الخروج من شرنقة دوره الوظيفي القديم الجديد، وأن يتعامل مع تطورات المنطقة من مصلحة سعودية بحتة، فها هو يرد وبغرور على مبادرة السلام التي أطلقها اليمنيون لحقن الدماء، بقصف مسجد في محافظة عمران اليمنية، وقتل خمسة مصلين، ومازال البحث جاريا عن طفلين تحت أنقاض المسجد، إلا أننا رغم ذلك نتمنى وجود عقلاء بين آل سعود، قبل أن يأتي اليمنيون على ما تبقى من نفط سعودي، وعندها لا تنفع السعودية عرض مسرحية "المسيرات القادمة من الشمال".
ساحة النقاش