المقاومة وإسرائيل وجردة الحساب المفتوحة
<!--<!--
محمد علوش*معد ومقدم برامج سياسية في قناة الميادين.
الميادين نت = 27 آب 2019 على الساعة 14:55
إنّ استهداف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامّة في البقاع شرق لبنان بضرباتٍ جوية إسرائيليةٍ بُعيد ساعات من تهديد الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله إسرائيل، لا يمكن فصله، ضمن سياق أوسع، عما كانت تخطّط له الطائرتان المسيَّرتان في الضاحية الجنوبية قبل سقوطهما.
ولا عن استهداف إسرائيل لأفرادٍ من حزب الله في شقّة يمتلكها الحزب في سوريا بحجّة أنهما يتبعان لفيلق القدس ويستعدّان لاستهداف كيان الاحتلال بطائراتٍ مُسيَّرة انطلاقاً من سوريا.
وأيّاً ما كان السيناريو التي تنويه إسرائيل في الضاحية الجنوبية، فإن خطاب الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله من بلدة العين البقاعية أكَّد بما لا يحتمل اللبس دخول المقاومة مرحلة جديدة من الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.
قواعد الاشتباك التي عمل الاحتلال على تكريسها لسنواتٍ طويلةٍ بعد انقلابه على تعهّداته الدولية بعد حرب تموز 2006 لم يعد السكوت عنها ممكناً. فإسرائيل وسَّعت دائرة استهدافها وكثَّفت عمليتها العدوانية في لبنان من الضاحية الجنوبية إلى شرق لبنان، وسبق أن فعلت ذلك مراراً وتكراراً في كلٍ من العراق وسوريا وفلسطين باستهداف محور المقاومة.
هذا التطوّر نوعاً وكمَّاً، ليس بمقدور حزب الله التغاضي عنه تحت ذريعة عدم جرّ لبنان إلى حرب في ظل ضغوط اقتصادية واجتماعية خانِقة. فمَن يستهدف لبنان ويهدِّد استقراره السياسي والأمني هو مَن يستبيح سماءه وأرضه باعتداءاتٍ متكرِّرةٍ. وعدم ردّ حزب الله على العدوان زاد من شراسة العدو وتماديه بما يجعل المنطقة كلها تنزلق بشكلٍ أكثر مما هو متوقَّع نحو حرب مفتوحة. في هذه الحال، يصبح من الحنكة العسكرية قلب المعادلة وتصعيبها على الاحتلال بردعٍ هجومي هو في مضمونه مَنْع إسرائيل من جرّ لبنان إلى حربٍ مفتوحة.
الاستهداف الإسرائيلي للمقاومة توسَّع عملياً بدءاً من عام 2017 حيث تبيَّن لإسرائيل في حينه أن هدف إسقاط الدولة السورية فشل تماماً. وأن النظام بدأ يستعيد عافيته باسترجاع المناطق المسيطَر عليها من قِبَل فصائل مُسلّحة مختلفة. هذا التطوّر لصالح الرئيس الأسد وحلفائه، أقلق إسرائيل من أن يترجم انتصار محور المقاومة في الحرب السورية بتغيّرات جيوسياسية في عموم المنطقة. وبالتالي تحوّل الهدف الإسرائيلي من تغيير نظام الحُكم في سوريا إلى التركيز على النفوذ الإيراني في المنطقة بالتنسيق مع الولايات المتحدة. ترامب يتنصّل من الاتفاق النووي ويفرض عقوبات هي الأقسى في تاريخها ضد إيران. الأمر نفسه يحاوله مع حزب الله في لبنان بعد عجزه عن إبعاده عن التشكيلة الحكومية. إطلاق يد إسرائيل العسكرية في المنطقة. في اليمن يُحكى عن دعم استخباراتي تقدّمه إسرائيل هناك. في العراق تستهدف طائراتها العسكرية قيادات في الحشد الشعبي، في سوريا لا تتوقّف عن استهداف إيران والفصائل الموالية لها.
وهكذا تمّ فرز اللاعبين في المنطقة، جهة إقليمية ودولية تتماهى تماماً مع إسرائيل في أجندتها في مقابل جهة تقف على قمّتها إيران، أما روسيا اللاعب القوي في سوريا، فيجزم بعض المراقبين أنها عملياً نأت بنفسها عن الاشتباك الإيراني الإسرائيلي في المنطقة. وقد يرجع ذلك إلى اللقاء الأمني قبل أشهر في تل أبيب بين رؤساء أجهزة الاستخبارات الأميركية والروسية والإسرائيلية، حيث اعتُبر في حينه أن إسرائيل تلقَّت الضوء الأخضر لمواجهه التمركز الإيراني في سوريا. لكن ما هو مؤكَّد في العلاقة الروسية الإيرانية هو تطابق موقفي العاصمتين في دعم الدولة السورية ومواجهة التنظيمات المسلّحة. فلا تختلف موسكو كثيراً عن طهران في تصنيف قوائم الجماعات المتطرّفة في سوريا. فيما عدا ذلك، هناك كلام كثير لجهة تأكيد روسيا على ضرورة استقرار الأوضاع الأمنية في الجولان المحتل، وفي عدم تعليقها على الاستهدافات الإسرائيلية المتكرِّرة للأراضي السورية، سواء جاءت من البحر أو مُستخدمة السماء اللبنانية بعد استباحتها.
طبعاً، لإسرائيل حساباتها الداخلية والإقليمية. وإن كان مفهوماً لدى كثيرين دوافعها الإقليمية، فإن قلّة مَن يلتفتون إلى الدوافع الداخلية المتبدِّلة دوماً، والمتمثّلة راهناً برغبة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في تعويم نفسه في الانتخابات المزمَع إجراؤها في أيلول سبتمبر المقبل. فحاجة نتنياهو لأصوات اليمين الإسرائيلي كبيرة في ضمان إعادة تسميته رئيساً للحكومة، وتعزيز الشراكة مع الرئيس ترامب عرَّاب "صفقة القرن" لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
إزاء هذه التطوّرات، وبالنظر للمُعادلات التي تريد إسرائيل إرساءها في رسم حدود المقاومة وقوّتها، فإن أهم ما في كلمة السيّد نصر الله، في تقديري، هو كشفه بشكلٍ غير مباشر عن امتلاك حزبه صواريخ مُضادّة للطائرات الإسرائيلية بما فيها غير المسيَّرة. وإذا صحَّ هذا التخمين، فإن التفوّق الجوي المطلَق لإسرائيل أصبح في خبر كان.
ساحة النقاش