كيف وأين احتمالات ردّ حزب الله؟
<!--<!--
عمر معربوني*كاتب وباحث لبناني في الشؤون العسكرية خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
الميادين نت = 28 آب 2019 على الساعة 14:47
انطلاقاً من هذا الالتزام وما أضاف إليه السيِّد من تحديد لمكان انطلاق الرَدّ والمساحة التي ستكون مكاناً للرَدّ وهي من لبنان وفي كل فلسطين المحتلّة.
قطَع السيِّد حسن نصرالله الطريق على أيّ تأويلٍ أو تخمينٍ بما يرتبط بالرَدّ على الاعتداءات الصهيونية وحَسمَ الأمر واضِعاً الرَدّ ضمن باب الضرورات التي تحمي لبنان، مؤكِّداً على حتميته ولو بعد حين مُحدِّداً المكان من دون إلزام نفسه والمقاومة بزمنٍ دقيقٍ تارِكاً الأمر للقيادة العسكرية للمقاومة لتحديد الهدف أو الأهداف، نافياً أن يكون الرَدّ في مزارع شبعا لأسبابٍ ترتبط بطبيعة الاعتداءات وحجمها ومخاطرها، فالرَدّ في مزارع شبعا محصور مكانياً في البُعد الموضعي ولن يؤدِّي إلى إيصال رسالة الردع المطلوبة للعدو الصهيوني رغم أنّه ليس مُستبعداً حصول ردّ واحد من مزارع شبعا ومكان أو أمكنة أخرى من لبنان.
الاعتداء الذي نفَّذته طائرات مُسيَّرة في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت هو في عُمق لبنان، والطائرات الحربية التي أطلقت صواريخها من فوق الجولان المحتل ووصل بعضها إلى المنزل الذي استشهد فيه مُقاتلان من حزب الله هو عند أطراف دمشق أي في العُمق الحيوي لسوريا.
على هذا الأساس فإنّ الرَدّ سيكون مُتناسِباً في المكان والزمان ليؤدِّي غرض الردع، وسيكون محصوراً بمواقع عسكرية ذات طابع حيوي والأهداف التي تحمل هذا الطابع داخل فلسطين المُحتلة كثيرة ومكشوفة بغالبيتها، وهو ردّ سيكون فاعِلاً وحاسِماً يضمن أمن لبنان وسيادته وسيكون بطريقةٍ تحرم القيادة الصهيونية من الاستثمار السياسي في الداخل الصهيوني، وسيفعِّل مُعادلات الردع ويُثبِّت قواعد الاشتباك لمصلحة لبنان والمقاومة ومحور المقاومة.
فعلى مدى عقود ومنذ نشوء الكيان الصهيوني وبسبب التفوّق الجوي لسلاح الجو الصهيوني، ركَّزت العقيدة العسكرية الصهيونية على مبدأ الحرب الخاطِفة والسريعة، وأبقت العُمق الصهيوني آمِناً لفترةٍ طويلةٍ حتى عام 2006 حيث تغيَّرت خلاله مفاهيم المواجهة وأدواتها وأصبحت ما يُسمّيه الصهاينة بـ"الجبهة الداخلية" مكشوفة وهشّة مقابل مستوى عالٍ من المرونة والفاعلية اكتسبتها المقاومتين اللبنانية والفلسطينية من خلال الاستخدام الفعَّال لصواريخ أرض – أرض ومنظومات المُضاد للدروع ومنظومات مُضادّة للقِطَع البحرية وغيرها، ما أفقدَ الجيش الصهيوني وجبهته الداخلية الحصانة التي بقيت راسِخة فترة طويلة من الزمن.
أما بما يرتبط بالرَدّ فهو كما أعلنه السيِّد حسن نصرالله سيكون ردّاً مُزدوِجاً يرتبط بالمُسيَّرات الصهيونية وبقتل عناصر حزب الله في سوريا.
وبخصوص المُسيَّرات فقد جاء ردّ السيِّد نصرالله واضِحاً أنّ لبنان لن يبقى مسرح عمليات لهذه الطائرات سواء كانت تؤدّي مهمات الاستطلاع أو مهمات قتالية كالمهمة التي كانت موكَلة للمُسيَّرتين اللتين سقطتا في الضاحية الجنوبية، حيث بات واضحاً أنّ كلا المُسيَّرتين كانتا تحملان مواد مُتفجِّرة وهو ما تمّ كشفه من خلال تفكيك "الدرون M- 600" الصغيرة التي تعطَّلت إمّا بفعل فُقدانها لإشارة الربط أو بفعل الحجارة التي رماها شبّان حيّ معوّض عليها، وهي في كل الأحوال انخفضت إلى هذا المستوى إمّا لزرع عبوة مُتفجِّرة أو تفجيرها في هدفٍ مُحدَّد.
وقبل الدخول في شرح ما إذا كانت المقاومة قادِرة على إسقاط المُسيَّرات الصهيونية لا بدّ من توضيح أمر دخل في دائرة الجَدَل حول المُسيَّرتين وما إذا كانتا فعلاً مُسيَّرات صهيونية بسبب عدم صلاحية الدرون الصغيرة لقطع مسافات طويلة، وعدم لحظها على الرادارات اللبنانية من اتجاه البحر وهي كلها تبريرات لا تنفي احتمالاً وحيداً وهو إسقاط المُسيَّرة الكبيرة للمُسيَّرة الصغيرة والتحكّم بها من الأعلى، وهو ما يُفسِّر انقضاض المُسيَّرة الكبيرة لتنفيذ المهمة التي عجزت عنها المُسيَّرة الصغيرة مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ المُسيَّرتين يتمّ التحكّم بهما بواسطة إشارات ربط عبر الأقمار الصناعية وهي أمور بسيطة تقنياً ومتوافرة لدى الجيش الصهيوني.
وعمّا إذا كان حزب الله قادِراً على التعامُل مع المُسيَّرات وإسقاطها فالأمر كما جاء على لسان السيِّد نصرالله مُتوافِر ومُمكن، حين أكّد أن المقاومة كانت قادِرة على إسقاطها منذ زمن ولم تفعل تحاشياً للدخول في جَدَلٍ سياسي بسبب الانقسام الحاصِل في لبنان حول سلاح المقاومة، ولكن الوضع تغيَّر الآن فالكيان الصهيوني يحاول في لبنان كما في العراق وسوريا إرساء وتثبيت قواعد اشتباك تتلاءم مع مصالحه وهو ما لن تسمح به المقاومة في لبنان والعودة بالأوضاع إلى ما قبل العام 2000.
على المستوى التقني يمكن للمقاومة إسقاط المُسيَّرات الصهيونية إما بالوسائل النارية سواء كانت مُضادَّات أرضية أو صواريخ مُضادَّة للطائرات، أو بتقنيات الحرب الإلكترونية وهي التقنية المُرجَّح استخدامها رغم امتلاك المقاومة للوسائِط النارية الكافية للتعامُل مع المُسيَّرات سواء كانت الصغيرة أو الكبيرة، ولكن إسقاطها بواسطة تقنيات الحرب الإلكترونية سيؤدِّي إلى نتائج مُضاعَفة في أهداف الردع مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية استخدام مُسيَّرات المقاومة بمواجهة المُسيَّرات الصهيونية والعديد من الوسائل والأساليب الإبداعية التي تمتلكها العقول المُخطِّطة في المقاومة.
على المستوى الثاني المُرتبِط بالرَدّ على استهداف عناصر حزب الله في سوريا، فالمقاومة ألزَمَت نفسها عبر السيِّد نصرالله بالرَدّ على أيّ استهداف لعناصر الحزب سواء حصل هذا الاستهداف في لبنان أو في سوريا أو في أي مكان آخر، وهو التزام لا يمكن للمقاومة أن تتنصّل منه لأنه يُفقِدها المصداقية والهيبة وهما عنصرا الفعل الأساس لها.
وانطلاقاً من هذا الالتزام وما أضاف إليه السيِّد من تحديد لمكان انطلاق الرَدّ والمساحة التي ستكون مكاناً للرَدّ وهي من لبنان وفي كل فلسطين المحتلّة.
أمّا كيفيات وأساليب وأدوات الرَدّ فهي جميعها مُتاحة لدى المقاومة ابتداءً من استهداف الدوريات الصهيونية على خط الحدود اللبنانية – الفلسطينية مروراً بمواقع القيادة والسيطرة، وصولاً إلى أيّ هدفٍ تختاره المقاومة في عُمق فلسطين المحتلة ترى أنّه يُحقِّق غاية الردع ويُثبِّت قواعد الاشتباك الحالية وربما تكسرها وتتجاوزها لإحراج القيادة الصهيونية.
وقد يتساءل البعض ما إذا كان ردّ المقاومة سيذهب بالأمور إلى المواجهة الشامِلة وهو احتمال وارِد وأنّ بنسبة مُتدنيّة بالنظر إلى طبيعة التعقيدات التي تُحيط بالوضع الصهيوني، سواء على مستوى الداخِل أو على مستوى التحوّلات الكُبرى والتبدّل في موازين القوى الحاصِلة في المنطقة والتي يسير خطّها البياني صعوداً لمصلحة محور المقاومة وهبوطاً بما يرتبط بالكيان الصهيوني وداعميه.
أمر أخير لا بدّ من ذِكره وهو أن الغالبية من القوى السياسية اللبنانية ترى في ردّ المقاومة ضرورة لحفظ سيادة لبنان، إضافة إلى الموقف الشُجاع والطبيعي لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والموقف المُعتاد لرئيس مجلس النواب نبيه بري، وموقف قيادة الجيش اللبناني وهي مواقف ستشكِّل مظلَّة رسمية كل من موقعه ستؤكِّد جدوى وأهمية مقولة الثالوث المُقدَّس الذي حمى وسيحمي لبنان، الشعب والجيش والمقاومة.
ساحة النقاش