المُقاومة بغزّة والضفّة مرغّت أنف “سيّد الأمن نتنياهو” (!) بالتُراب عشية الانتخابات فاستغلّ الدعم الأمريكيّ المُطلَق للاعتداء على سوريّة لتحسين صورته المُشوهة… فهل سينجرّ محور المُقاومة لاستفزازات “لصّ تل أبيب”؟
<!--<!--
الناصرة – “رأي اليوم” – من زهير أندراوس:
جريًا على العادة الإسرائيليّة الممجوجة والتي باتت لا تنطلي على أحدٍ، زعم الناطِق العسكريّ الإسرائيليّ في بيانٍ رسميٍّ، وصفه الإعلام العبريّ، بأنّه غيرُ مسبوقٍ، زعم أنّ كيان الاحتلال هاجم في الليلة الواقعة بين السبت والأحد موقعًا عسكريًا بالقرب من قرية عقربا، الواقعة في مُحيط العاصمة السوريّة، دمشق، مُشدّدًا في الوقت عينه على أنّ الهدف من الضربة كان منع قوّة تابعة لفيلق القدس في الحرس الثوريّ الإيرانيّ، وميليشياتٍ “شيعيّةٍ” من تنفيذ عمليةٍ “إرهابيّةٍ” ضدّ أهدافٍ إسرائيليّةٍ بواسطة طائرات بدون طيّار، وهو الأمر الذي تمكّنت الاستخبارات الإسرائيليّة، كما شدّدّ الناطِق العسكريّ، من اكتشافه يوم الخميس الماضي، وتمّ إحباطه الليلة الماضية، على حدّ تعبير الناطق العسكريّ الإسرائيليّ، الذي التزمت جميع وسائل الإعلام العبريّة بنشر بيانه حرفيًا، الأمر الذي يؤكّد المؤكّد وهو أنّ الرقابة العسكريّة في تل أبيب تعمل على مدار الساعة لمنع “تسّرب” معلوماتٍ قد تُشوّش على الصورة العامّة التي رسمتها ماكينة الدعاية الصهيونيّة، لتصوير الكيان بأنّه يُدافِع عن نفسه من العمليات “الإرهابيّة”، وهو حقٌّ مشروع تضمنه المعاهدات والمواثيق الدوليّة.
بالإضافة إلى ما ذُكر أعلاه، كان لافِتًا للغاية أنّ الناطق العسكريّ في كيان الاحتلال الإسرائيليّ أكّد في بيانه “غيرُ المسبوق” على أنّ الحياة في شمال الدولة العبريّة تسير كالعادة، وأنّ جيش الاحتلال لم يُصدِر أيّ تعليماتٍ خاصّةٍ للمُواطنين خشيةً من ردٍّ سوريٍّ أوْ إيرانيٍّ أوْ من حزب الله، كما أنّ انتشار جيش الاحتلال في الشمال، أضاف بيان الناطق العسكريّ، لم يتغيَّر بعد العدوان السافِر الذي نفذّته إسرائيل في سوريّة، ومن المُمكِن التكهّن بأنّ صُنّاع القرار في تل أبيب توصّلوا إلى قناعةٍ تامّةٍ بأنّ محور المُقاومة والمُمانعة لن يجرؤ على الردّ على العدوان القذِر والسافِل، وعليه أصدروا الأوامر باستمرار الحياة في الكيان وكأنّ شيئًا لم يكُن.
ومع كلّ التعتيم الإعلاميّ الإسرائيليّ المقصود، والذي تمّ إقراره بعد دراسةٍ مُستفيضةٍ للوضع الأمنيّ في المنطقة، يُمكِن الخروج عن السرب ومُحاولة فكّ رموز العدوان وتوقيته وتبعاته، حيثُ يبقى السؤال المفصليّ والجوهريّ: هل يقوم محور المُقاومة والمُمانعة بالردّ على العدوان الإسرائيليّ، خصوصًا وأنّ هذا الكيان يُغالي في عربدته على سوريّة وعلى المُنشآت الإستراتيجيّة التابِعة للجيش الإيرانيّ، المُرابِط في بلاد الشام بطلبٍ من النظام الحاكِم في دمشق، بالإضافة إلى استهداف مواقع عسكريّةٍ تابعةٍ لحزب الله اللبنانيّ، الذي تعتبره إسرائيل في تقديرها الإستراتيجيّ للسنة الثالثة على التوالي العدوّ رقم واحد لكيان الاحتلال.
ولكي لا ندخل في متاهاتٍ نحن في غنىً عنها، لا بُدّ في هذه العُجالة من التطرّق إلى الوضع الداخليّ في إسرائيل: أولاً وقبل كلّ شيءٍ، بعد منع رشيدة طليب وإلهان عمر من دخول الكيان بأمرٍ من الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب، سارعت وسائل الإعلام العبريّة إلى تسمية إسرائيل بحكومة دمى أمريكيّة، مُحذِّرةً في الوقت عينه من العلاقة الخاصّة مع ترامب المعروف بالمزاجيّة والانفعاليّة، والذي من المُمكِن جدًا أنْ بنقلِب على نفسه في العلاقة الوطيدة مع رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو.
إذن، نحن أمام كيانٍ مدعومٍ كليًّا من رأس الأفعى، أمريكا، التي تكره العرب والمُسلمين أكثر من الموت، وبالتالي فهي على استعدادٍ لتمويل الضربات الإسرائيليّة في سوريّة، لأنّ الكيان ما هو إلّا مُقاولاً ثانويًا لأعظم دولةٍ في العالم من حيثُ القوّة العسكريّة، كما أنّه يجب أنْ نأخذ بعين الاعتبار وعلى محملٍ كبيرٍ من الجدّ أنّ العدوان السافِر في سوريّة تمّ قبل ثلاثة أسابيع من إجراء الانتخابات العامّة في الكيان (17 أيلول “سبتمبر” 2019)، ونتنياهو، الذي يُحارِب على كلّ الجبهات للفوز في الانتخابات معنيٌّ جدًا بتكريس وترسيخ شخصيته كسيّد الأمن في الكيان، وهذا العدوان يمكِن القول، لا الفصل، هو أكثر لاعتباراتٍ انتخابيّةٍ وليس عسكريّةً.
كيان الاحتلال مأزوم ومهزوز ولا نقول حتى اللحظة أنّه مهزوم، ومع ذلك، لا بُدّ من التذكير، هذا إنْ نفعت الذاكرة أنّ القوى اليمينيّة واليساريّة، إذا جاز التعبير في إسرائيل تتهّم رئيس الوزراء بأنّه يخضع لابتزاز حركة حماس، ويسمح للمبعوث القطريّ بإدخال الأموال إلى قطاع غزّة، أيْ أنّه يدفع “الخاوة” للمُقاومة الفلسطينيّة لأنّه يعلم يقينًا بأنّ هذه الخطوة تمنع الحرب التي لا يُريدها مع حماس وباقي تنظيمات المُقاومة في القطاع، بالإضافة إلى ذلك، لا غضاضة من الإشارة إلى أنّ أحد الفدائيين الفلسطينيين، تمكّن بسلاحه وعتاده، قبل أسبوعين، من اختراق السياج الحدوديّ مع القطاع، وبقي في الأراضي الإسرائيليّة أكثر من ساعتين حتى تمّ اكتشافه، ولكن التحقيق العسكريّ أكّد أنّ الجنود، الذي أُرسِلوا للتعامل معه والقضاء عليه هربوا من مهمتهم، وتمّت مُحاكمتهم، كما ذكرت صحيفة (يديعوت أحرونوت)، وهذه الحادثة مسّت مسًّا سافِرًا بـ”سيّد الأمن نتنياهو”، ويوم أوّل من أمس الجمعة، وفي عمليّةٍ نوعيّةٍ هي الأولى من طرازها باعترافٍ من كيان الاحتلال، تمكّنت المُقاومة الفلسطينيّة من تمريغ أنف “الجيش الذي لا يُقهَر” بالتراب، عندما نفذّت العملية بالقرب من مدينة رام الله، الأمر الذي شكّل ضربةً قاصمةً وقويّة لشخصية “سيّد الأمن نتنياهو”، المهزوزة أصلاً، ولذا بعد الأحداث الأخيرة مع المُقاومة الفلسطينيّة، وعلى الرغم من عدم تكافؤ القوى بين الطرفين، كان نتنياهو ومَنْ لفّ لفّه بحاجةٍ إلى عمليّةٍ استعراضيّةٍ في سوريّة لصرف الأنظار عن الإخفاقات في كلٍّ من قطاع غزّة والضفّة الغربيّة المُحتلّة، خصوصًا وأنّ مُحلِّل الشؤون العربيّة في هيئة البثّ العامّة الإسرائيليّة، سبه الرسميّة (كان) كشف النقاب مساء أمس السبت عن أنّ حركة حماس أرسلت وتُواصِل إرسال مُهندسي العمليات التفجيريّة إلى الضفّة الغربيّة.
والسؤال الذي سيبقى مفتوحًا: هل سينجرّ محور المُقاومة لاستفزازات الكيان الذي يسعى رئيس وزرائه نتنياهو لإشعال فتيل الحرب لكي يتهرّب من قضاء عدّة أعوامٍ في السجن بتهم تلقّي الرشاوى وخيانة الأمانة والاحتيال؟ نعم، الكُرة موجودة في ملعب سوريّة، إيران، حزب الله وحماس، ولكن القرار بتحريكها صوب إسرائيل أوْ عدمه، سيكون قرارًا إستراتيجيًا لا نعرِف تبعاته ولا ندري ما هي إسقاطاته على الشرق الأوسط برّمته!
ساحة النقاش