لماذا لا زلنا نعتبر روسيا حليفا رغم اختلافنا مع بعض سياساتها وتكتيكاتها في سوريا؟!
April 23, 2019
<!--<!--
-“رأي اليوم”- محمد النوباني
إن السياسة تصبح في بعض الأحيان عبارة عن طلاسم بحاجة إلى مجهودات خارقة لفهمها واستيعابها وسبر أغوارها لأن ظاهرها قد لا يعكس باطنها وباطنها قد لا يعكس ظاهرها فتظهر للعيان على غير حقيقتها مشوشة وملتبسة.
ولكي أوضّح ما أريد إيصاله إلى القارئ فان روسيا مثلا دعمت بشكل واضح مؤخرا مواقف نتنياهو إزاء سوريا الأمر الذي كان يتطلب من إسرائيل مراعاة مصالح روسيا كنوع من رد الجميل ولكنها وكما ذكرت صحيفة “تيليبوليس″الألمانية اختبرت مؤخرا صاروخا أسرع من الصوت من فئة ارض جو يسمى “رامبيغ”لتدمير منظومات الدفاع الجوي الروسية في سوريا من طراز إس-300 الأمر الذي سيلحق في حال حصوله أضرارا فادحة بسمعة السلاح الروسي وبالتالي بمبيعاتها من الأسلحة ومصالحها الإستراتيجية.
وقي ذات السياق فإنه في الوقت الذي ظهرت فيه بعض المؤشرات على ان روسيا قد تكون معنية بإبعاد القوات الإيرانية وقوات حزب الله عن الأراضي السورية فإنها تحتفظ بعلاقات جيدة مع إيران وتعارض العقوبات الأمريكية عليها، وبعد يوم واحد من قرار إدارة ترامب تخصيص مبلغ عشرة مليون دولار لكل من يدلي بمعلومات عن أشخاص يمولون حزب الله فقد أعلن في موسكو عن ان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف سوف يستقبل في مويكو اليوم الثلاثاء النائب في البرلمان اللبناني عن حزب الله علي فياض الذي يقوم بزيارة إلى موسكو تلبية لدعوة من وزارة الدفاع الروسية للمشاركة في مؤتمر حول الأمن.الأمر الذي يتناقض أيضا جمع المساعي الأمريكية الإسرائيلية الهادفة إلى محاصرة الحزب وتجفيف مصادر دخله من غير إيران.
وإذا ما انتقلنا إلى صلب الموضوع الذي ننوي معالجته في هذه المقالة فان روسيا لم ترتكب تاريخيا جريمة واحدة ضد الشعوب العربية لا في العهد القيصري ولا في العهد الشيوعي وصولا إلى عهد بوتين كما فعلت بريطانيا وفرنسا وأمريكا التي ارتكبت أفظع الجرائم وسفكت دماء ملايين العرب والمسلمين من أجل مصالحها الاستعمارية في النهب والسيطرة مما جعل من صورتها في الوعي الجمعي العربي ناصعة البياض ومشرقة بعكس دول الاستعمار القديم والجديد.
وقد ربطت روسيا التي كانت عماد ورأس حربة الاتحاد السوفياتي السابق بالدول العربية المعادية للامبريالية علاقات صداقة وتعاون قوية وتحديدا أيام فترة حكم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر مما جعل الشعوب العربية تنظر إلى الروس نظرة احترام وتقدير على اعتبارهم حلفاء للعرب في معاركهم ضد الامبريالية والصهيونية ومن أجل التحرر والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.
ومن هذا المنطلق فان بعض العرب لم يستوعبوا بان تقوم روسيا الحالية التي هي بالنسبة لهم وريثة للاتحاد السوفياتي السابق، بالتنسيق مع إسرائيل لمنع التصادم الجوي في الأجواء السورية أو تقوم بتسليم رفات جندي السلطان يعقوب لنتنياهو قبل انتخابات الكنيست الإسرائيلي الأخيرة مما ساعده في اجتيازه للاستحقاق الانتخابي بنجاح، كما لم يستوعبوا عدم السماح للجيش العربي السوري باستخدام صواريخ منظومة أل إس-300 ضد المقاتلات الإسرائيلية التي تنتهك حرمة الأجواء السورية ومؤخرا عدم إدانة الروس الغارات الجوية التي تشنها الطائرات الحربية الإسرائيلية على أهداف سورية وإيرانية في سوريا لأن ذلك يتناقض مع صورة نمطية إيجابية حفرت في الوجدان العربي عن الروس.
ان انتقاد بعض مواقف روسيا إزاء الأزمة في سوريا وما قيل عن التزام قدمه بوتين لنتنياهو بضمان مصالح إسرائيل في أية تسوية سياسية محتملة للازمة السورية يقلقنا ويتطلب توضيحات من الحليف الروسي لأسبابه ودوافعه وهل هو تكتيك يصب في خدمة الهدف الاستراتيجي الروسي والسوري المشترك في استكمال الحرب ضد الإرهاب؟أم انه يعكس تحولا في الموقف الروسي لا يصب في خدمة ذلك الهدف؟
وغني عن القول بان هذا الموقف لا يلتقي ولا يتقاطع أبدا مع المساعي المشبوهة التي تبذلها بعض الدول والأطراف العربية للإساءة للروس من باب بعض الأخطاء التي يرتكبونها خدمة لأمريكا وإسرائيل بقدر ما يتناقض معه بالمطلق لان الهدف منه هو خدمة المصالح العليا للأمة العربية.
فبعض العرب يعادون روسيا لأنهم عملاء لأمريكا وإسرائيل، أي من منطلق الكراهية التاريخية لدولة عظمى ساندت بقوة عندما كانت مكونا أساسيا من مكونات الاتحاد السوفياتي السابق حركة التحرر الوطني والاجتماعي العربية من منطلقات مبدئية، ولعبت دورا حاسما في إفشال وإسقاط المشروع الصهيو- أمريكي -الغربي- الرجعي العربي الذي كان يستهدف إسقاط الدولة السورية من منطلق منظومة المصالح بعد ان عادت دولة عظمى على يد رئيسها الحالي القومي الروسي فلاديمير بوتين.بينما البعض الآخر يذهب إلى انتقاد تلك التكتيكات ليس لأنه يضمر أي عداء لروسيا وإنما لأنه يطمح بان تكون روسيا داعمة ومساندة للقضايا العربية كما كانت أيام الاتحاد السوفياتي السابق بل وأكثر.
ولكي ندخل في صلب الموضوع الذي نحن بصدده فان الشرق الأوسط بالنسبة لنا نحن العرب هو كل شيء أما بالنسبة لروسيا ورغم أهميته الكبيرة في الصراع الدولي من اجل إعادة صياغة شكل العالم فإنه ليس كل بالنسبة للروس رغم أهميته الكبيرة ولذلك فان روسيا قد تقدم على اتخاذ مواقف وممارسة تكتيكات قد تبدو لنا غير مفهومة أو حتى معادية لمصالحنا.
وهذه التباينات هي أمور طبيعية حتى بين حلفاء ولكن ما يجعل منها غير طبيعية هو عجزنا نحن العرب عن استثمار مواطن قوتنا للتأثير على الموقف الروسي بصورة تجبر روسيا على الإصغاء لمطالبنا وأخذ مصالحنا بعين الاعتبار كما تأخذ مصالحها.
ان قراءة الواقع كما هو يشير إلى أن روسيا هي دولة حليفة لمحور المقاومة والممانعة في المنطقة طالما ان هدف الجانبين هو استكمال تحرير الأراضي السورية من العصابات الإرهابية المسلحة وطرد كل القوات الأجنبية المتواجدة على تلك الأراضي من دون موافقة الحكومة السورية.
وما يشكل القاعدة المادية الصلبة لذلك التحالف أن روسيا تخوض صراعا على المستوى الكوني مع الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة صياغة شكل العالم، وفي هذا الصراع تعتبر إسرائيل جزء أساسيا من التحالف الأمريكي المناوئ للمصالح الروسية مما يرجح ان العلاقة الروسية الإسرائيلية ورغم تأثرها من الجانب الروسي بوجود لوبي صهيوني قوي في موسكو وبمسعى روسي لاستثمارها كمدخل لتحسين الأجواء مع واشنطن إلاّ أن بعدها تكتيكي وليس استراتيجي كما العلاقات بين روسيا من جهة وسوريا وإيران من جهة أخرى.
ويحضرني في هذا السياق ان التحالفات السياسية والعسكرية بين دول أو قوى سياسية لا تعني بالضرورة التطابق المطلق في كل شيء وإزاء كل شيء. فالاتحاد السوفياتي الذي كان يخوض صراعا ضاريا ضد الامبرياليات البريطانية والفرنسية والأمريكية اضطر لإقامة تحالف معها في مواجهة ألمانيا النازية والعسكرية اليابانية وايطاليا الفاشية في الحرب العالمية الثانية رغم العداوة الشديدة التي كانت تجمعهم بمعنى آخر فان التحالف عندما يكون على أساس مصالح وليس على أساس مبادئ فإنه يمر في حقل من التباينات والتعارضات وحتى الصراعات بين أطرافه المكونة إلى أن يتحقق الانتصار النهائي ليقطف كل طرف من أطرافه المكونة الثمار.
3 تعليقات
غلبان غلبان ...Yesterday at 9:59 pm
الأستاذ محمد، هناك مصالح روسية نفهمها جيدا ونستطيع استيعابها وهناك بعض الممارسات لا يمكن الموافقة عليها أو تبريرها…
*تسليم الجندي القتيل لا يدخل ضمن المصالح الروسية التي يمكننا فهمها …هذا العمل كان ضربة لنا ويجب أن يعرف الروس ذلك …نعم ليس هكذا يتصرف الحلفاء!…
*تكتيكات بوتين مع أردوغان تدعو للقلق …هو يريد أن يبعد أردوغان عن الأمريكان ويبيع الصواريخ والغاز …هذا أمر مشروع وحق له ولكن أردوغان يريد ثمنا أيضا …تجميد الوضع في إدلب بطلب واضح من أردوغان…أليس هذا على حساب الدولة السورية وقواتها التي كانت تسير نحو تحرير المدينة بدون عوائق…ألا يحق لنا ان نهمس أننا لسنا مرتاحون؟!
*رائحة الوساطة الإسرائيلية بين أمريكيا وروسيا بأن الجولان مقابل القرم أصبحت تزكم الأنوف…الروس صامتون؟!… ألا يحق لنا أن نضع أيدينا على قلوبنا؟!
*القصف الإسرائيلي لقواعد إيران وحزب الله في سوريا وبتنسيق مع روسيا أصبح واقعا مألوفا…نعم روسيا ترفض حصار إيران لان مصلحتها أن يبقى نظام إيراني على حدودها الجنوبية معادي لأمريكا وليس شاه جديد …أما في سوريا فإيران مطلوب منها ان تغادر وهنا يتشارك الأمريكان والروس والإسرائيليين والأتراك والعرب الرسميين في هذا المطلب …وهنا أيضا يصبح الاتفاق الروسي الإسرائيلي معلنا…هنا المباركة الروسية لقصف القواعد الإيرانية أمر غير مشكوك فيه …فهل هذا لمصلحتنا كوطنيين عرب ؟!
*على الصعيد الفلسطيني لا ننكر المواقف الروسية المتضامنة مع قضيتنا ولكن حقيقة لا ينكرها أحد أن التضامن الروسي ليس التضامن السوفييتي وفلسطين اليوم في موسكو ليست فلسطين الأمس…حتى دعوات قيادة حماس قبل فترة لزيارة موسكو كانت نكاية بنتنياهو الذي أسقط طائرة الخبراء الروس …أما اجتماعات الفصائل الفلسطينية في موسكو فكانت فكرة غير موفقة لأن الفصائل اتفقت ألاّ تتفق وكل مرتاح لسلطته … روسيا الحديثة موقفها من فلسطين لا يختلف كثيرا عن موقف السويد مثلا …(أنا لا أتحدث عن موقف بعض الشخصيات الروسية القومية وحتى الحزب الشيوعي الروسي الذين لا يخفون تناقضهم مع الصهيونية، بل أتحدث عن روسيا بوتين)…
*أزمة البنزين في سوريا بالرغم من أنها حصار أمريكي بغيض إلاّ انك تشعر وكأنها فرك إذن للنظام السوري من قبل موسكو، وإلاّ كيف نفسر الموقف الصامت جدا؟! …
*أخيرا أقول هذه الملاحظات أبدا ليست من موقع العدو لموسكو،لا بل العكس تماما، من موقع الحريص على وجود علاقات واضحة معنا كوطنيين عرب، كنا أمس وحتى الآن متهمين بأننا agent of influences, агенты влияние لموسكو …نعم موسكو حليفتنا ولكن هي ليست أعز علينا من القدس ودمشق وانتهى العصر الذي كان البعض يحمل المظلات في بلاد العرب حين كانت تمطر في موسكو …
محاضر وأستاذ جامعي فلسطيني /// شرق اسياYesterday at 6:48 pm
السياسة هي فن الممكن …ولكن لن نمنح الثعلب بوتين صك غفران لقد باع برخيص وقبض الثمن من الصهيوني نتنياهو ؟؟؟ لقد خسر بوتن المثقف العربي إجمالاً وخسرت روسيا تعاطف الشارع العربي ..؟؟ بوتين عين على الجولان والأخرى على جمهورية القرم ولاعب مهم في حلبة فنزويلا…؟؟ الزمن تغير ولن تعود عقارب الساعة للوراء ربما التاريخ يتجدد ولكنة لن يعيد نفسه .. قبور شهداء الثورة الفلسطينية هي رمز مقدس كما فلسطين لها قداستها …؟؟؟ روسيا قبضت الثمن من ازدواجية المعايير والعلاقة الشاذة بين دولة كيان العدو الصهيوني ورأس الحكم في الدولة السورية هناك تصفية حسابات بين أقطاب الصراع في معركة سوريا .. ؟؟ فليس دائماً سيدي حساب الحقل يأتي مطابقاً لحساب البيدر أعتقد ان الوجود الروسي أصبح يشكل مصدر إزعاج وعبء على المقاومة اللبنانية والفلسطينية؟ وهل سمير القنطار ومرض الدكتور رمضان عبدالله شلّح كانا يوماً جزأً من صفقة بين نتنياهو وبوتين هناك علامات استفهام كثيرة وملفات كثيرة سوف تتكشف تباعاً ؟؟؟ فمعركة سوريا كانت قدرة بكل المقاييس؟؟ أقطاب الصراع في معركة سوريا كالواوي الذي بلع منجل ……؟؟؟ لقد وقفنا في خندق روسيا في معركة سوريا وعشنا للحظات بعضاً من رومانسية الستينات والسبعينات ؟؟؟ بوتين الآن لا يهمه أحد؟؟ همة الوحيد ترميم ما تبقى من روسيا القيصرية…فلازال بوتين ذالك الضابط في المخابرات الروسية الكي جي بي الذي كان مجرد ذكر اسمه يسبب الرعب للكثيرين في أجهزة الاستخبارات العالمية وعلى رأسها جهاز الموساد .. فلا زال شبح معركة كابول جاثم على صدره ..فلن أتخيل يوماً أن يكون بوتين في معسكر المقاومة …؟؟ فهو صياد ماهر. فورقة فنزويلا ورقة رابحة بيده…؟؟ فصديق اليوم عدو الغد وعدو الأمس صديق اليوم … الخاسر الوحيد في هده المعادلة هو المواطن العربي والجغرافية العربية ….. ؟؟
صالح/سورياYesterday at 4:06 pm
دعم الرئيس بوتين للنتن هو خطوة تكتيكية مؤقتة وانتهت.أعتقد أن الرئيس بوتين يكره النتن كرهاً شديداً. بالعامية السورية: كره العمى.. كان ذلك واضحاً من طريقة السلام والنظرة، عند مصافحته، التي كانت تشير بوضوح إلى أنها غير ودّية.
ساحة النقاش