قصة قصيرة بعنوان : وبين شاطئين حكاية عمر
بقلم / عبير الجندى
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
فتـاة جميلة .. ملامحها تبدو غارقة فى بحـرٍ من الألـم .. حـزن عميق يمـزق ابتسامتها
طفـولـة بريئـة مسروقـة .. وشباب مهـزوم بأحكـام القـدر..
شاءت أقدارها أن تتحمل أعباء أسرتها منذ نعومة أظفارها .. بدت متعبة من إلقاء حمل ثقيل على كاهلها .. لكنها كانت قويـة العزيمـة ..
كانت الرياح تُشاكلها تارة فتقعدها .. وتارة تُبكيها .. لكنها سرعان ما أن تعود كعود أصيل ثابت يقاوم صراعات الحياة..
وذات ليلة مقمرة خرجت تلك الفتاة الجميلة لشاطئ قريب من منزلها الصغير
وشوشة الأصداف عن حلمها .. من أجل ابتسامة تحت ضى القمر..
ثم عادت لمنزلها .. أعدت الطعام لوالدها وإخوتها .. ثم اختلت بنفسها فى حجرتها المنعزلة.. ومدت يدها لمكتبتها الصغيرة فأخذت تقرأ ديواناً للشاعر/ فاروق جويدة " فى عينيك عنوانى " .. وما إن همت فى القراءة حتى نهضت من جلستها لتفتح شرفة غرفتها لتستنشق نسيم الليل
وأثناء فتحها النافذة كان فى المنزل المجاور ابن الجيران يفتح نافذته ..فالتقت أعينهما لأول مرة .. كان القدر يرسل لهما خيطاً وليداً من الأمل .. تبسما بصمت لكن العيون كادت أن تفضح سر الإعجاب بينهما . كان سهماً نافذاً أصابا قلبيهما
قام الشاب بالتراجع فى غرفته ثم عاود فتح كتابه الذى كان يدرس فيه .. حين كان طالباً بالسنة النهائية من مرحلة التعليم الجامعى
وقد سبقته الفتاة وأسدلت ستائرها على شرفتها .. فعادت على مقعدها هائمة بهذا السهم الذى أصابها فأمسكت بالديوان مرة أخرى لكنها كانت غائبة عن الوعى والتركيز .. قامت فخففت مصابيح الحجرة من ضوئها.. وترجلت لسريريها فأغمضت عينيها فى حال اليقظة وإذ يأتيها هذا الشاب بخاطرها فارساً لأحلامها .. كان شاب وسيم يرتدى زيه الأبيض ..
يمُدُ يديه لها قد اخترتك حبيبتى .. اخترتك وليس فى قدرى اختيـار ..
أنتِ فتاة أحلامـى .. أنت سـر مناجاتى .. ياسمينتى وكل أزهارى
تبسمت .. وقالت : أيها النبض القادم من زمن البراءة ليجدد شريانى ...
قد انتظرك منذ قرون ... هنا فى أبجدية الحـب وفى قافيـة أحلامى...
هكذا بدأت حياتهم ..
عـاشـا محلقين فى سماء المحبين ..
كطيور النورس فى إشراق الصبح
نسمات عليلة فى سمـاء الصيـف ..
خيوط شمسٍ فى ليــال الحنيـن
..................................
وفى ليلـة من العنـاد
دب العتاب بينهما .. ولاحت فى الأفق ملامح الهجر
لم يعطيا الفرصة لنور جديد يجـدد إيقـاع الحيـاة
وفى لحظة غيـرة مجنونـة .. أعلنـت الفـراق
اختلت بنفسها .. وتلون ربيع عمرها بلون الضباب
ما ومض البرق حتى عاودها الرعد بهزيمه المخيف
..........................................
مرت أعوام وأعوام ... قادها القـدر لأن تتغير حياتها إلى شئ لم تعرف حينها إذا كان هذا بداية للنهاية أم بداية للطريق.. فارتضت .. واستكملت المسير
...........................................
غـادرت الفتـاة موطنهـا .. تاركة خلفها حكاية عمـر
وعلى مرافئ الحياة جلست على أريكتها تنظر من شرفة منزلها المطل على البحـر
استجمعت كل مشاعر الذكريات ... انتباها شعور بالحنين .. فانتفضت من جلستها
ارتدت معطفها ثم خرجت على شاطئ البحـر تعبت بقدميها برمـال الشـاطـئ
ثم راحت تهمس لأمواج البحر بأنين يعتصر قلبها ودموع كادت تحرق مقلتيـهـا
قائلـة :
أيهـا البحــرُ .. سأكتـب حروفـك علـى جـبيـن عمــرى
أيهـا البحــرُ .. مـا بين ضفتيك أنـا ومـن ملـك كل مشاعرى
أتيتك يـا بحـر.. أبحث عن موجة لينـة .. تحملنى لشواطـئ منسية
أتيتك لأحكى لك.. عـن أنين السنين ...عن قصة بدمع عينى مرويـة
يـا بحـرُ ..
لـم يبـق إلا أنـا وأنـت .. فأنت سكنى وراحتـى
أنت أحن علىَّ من أصدقائى .. أنت منطقى وعباراتـى
سأهـمس لـك بأسـرارى .. بأوجاعـى ومسـرّاتى
يـا بحـرُ ..
أقـف هنـا علـى جانـب منـك حبيســة الماضـى
تضيق أقلامى وتتعثـر حروفى بيـن أشـلاء أوجاعـى
وأتسـاءل .. أكنا تلاقينا منـذ زمـن لنفتـرق
أم افترقنـا .. لنلتـق فـى مـوعـد جديــد
وفى هذه الأثناء لمحت فى الأفق طائراً وحيداً وكأن صوته أنين لفراقه عن سربه.. اقترب منها .. وحام فوق وجودها .. وكأنها يسأل لما الشرود .. ولم البكاء ..
فقالت له :
أيها الوحيد المفـارق ..
فأنا أخاطب الشاطئ الآخر .. أحدثـه بينى وبين نفسـى
أتأمل فيـه الحلـم الضائع .. وأبعث إليه ببرقية وجـع
شردت الفتاة بموج البحر .. وراحت تتأمل تلاطمه لعل موجه تحملها إلى الشاطئ الآخر.
ثم استقلت بجسدها المجهد من التفكير على مياه الشاطئ حتى أغرقت المياه جزء كبير من ملابسها .. وغابت عن شاطئها وإذ بها تصل بفكرها لشاطئ الحب الجانب الآخر من البحر.. هرولت مسرعة حين رأت حبيبها ينتظرها كان الموقف مؤثراً اختلطت فيه الدموع بالابتسامات .. خطوات فوضوية تعثرات فى الرمال .. مقاومة منها لحلم الكبير حتى ارتمت بين أحضانه .. لحظات بسيطة وانتابها شعور مخيف .. لما لم يستقبلها حبيبها بالحنين .. لما لم يحملها بين أحضانه بقوه كما كانا بالماضى... انتفضت من بين يديه وقالت له : ماذا بك
رد عليها بصوت خافت قائلاً : تعالى نجلـس ... وأشار لها لمكان بعيد حيث بعض الأشجار.
هناك حين هذا المكان جلسا سويـا .. وتبدلت حالتها من الشوق إلى حالة لا توصف من التوجس .. خائفة مما سيقوله ودت حينها لو لم ينطق .. تبادل النظرات الصامتة .. اختلفت تلك النظرات عما كانت فى حلمهما .. لقد أخذت تنظر إليه .. وتتهرب عينيه من نظراتها.. وفجأة نادى عليها بصرخة إرهاق بإسمها .. هنا توقف نبض الفتاة شيئاً فشيئاً
فلأول مرة حبيبها ينطق إسمها دون أن يقرنه بكلمة " حبيبتى " حبست أنفاسها فى صدرها مخافة الاحتضار
ثم قال لها : انظرى إلى تلك المظلة البعيدة .. فنظرت ..
فقالت له : ماذا تعنى بهذا
قال : هناك تحت هذه المظلة تجلس حبيبتى..
غيمت على أعينها سحابة قاتمة من الصدمة حتى أبصرت لتلك المظلة وإذ بها تجد امرأة ترتدى قبعة شمس وتلوح للشاب بأن يأتى إليها
ثم نظرت الفتاة إلى من كان حبيبها دون أن تتكلم .. فوجدته مطأطئ الرأس ثم بصوت مكسور فقالت له :
أنسيت الحلم ونسيت الحياة .. كُنتَ لى حلماً وكنتُ لكَ الحياة
على قدر قد دنونا تحـت ضى القمـر
وعلى قدر افترقنا خلف ستار الشجـر
إذهب إليها..
اذهب إلى حلمك الذى غويت ودعنى أتجرع مرارة الشفـاة
وما إن استدار عنها حتى راحت فى نوبة كبيرة من البكاء الصامت
....................
وفجأة وجدت الفتاة نفسها بين مجموعة من الصيادين على ظهر مركب صيد يقومون بنجدتها ويحاولون أن يعيدوا أنفاسها للحياة بعد أن رآها أحدهم غريقة
فاستيقظت الفتاة .. وأدركت أن كل ما كان .. كان حلـم أخذها إليه موج البحر ..
وما إن استردت وعيها حتى مضت طريقها عائدة إلى منزلها تجر ورائها باقيا حلم مصلوب على ناصية الزمن .. حلم كان بقدر .. وانتهى بقدر ..
دخلت منزلها وهى مضطربة .. نبضات قلبها ضعيفة .. جلست تستعيد هدوئها على أريكتها بمنتصف المنزل واضعة يديها على رأسها قائلة : ( أفتقـدك ) .. حقاً افتقدك يا حكاية عمرى............... انتهت
ـــــــــــــــــــ
بقلم / عبير الجندى
ღ•::•ღ همسـღـات اســــتثنائــღــة ღ•::•ღ