النظام الانتخابي في الحياة الديموقراطية مثل محرك السيارة، كل دولة تحتاج نظاماً انتخابياً يناسب احتياجاتها وتركيبتها والمرحلة التي تمر بها من تطورها السياسي، تماماً كما تتطلب كل سيارة محركاً يناسب حمولتها وتصميمها.

لذلك، لا يمكن القول بأن نظاما انتخابيا بعينه هو الأفضل على الإطلاق، لأن النظام الانتخابي الذي قد يلائم مصر اليوم، قد لا يناسبها بالضرورة غداً، وهكذا.

ولما كانت عملية بناء الدولة الحديثة تتطلب قيام مؤسسات ديمقراطية جادة تهدف إلى ترسيخ وجودها في الواقع الاجتماعي والسياسي عبر القانون والدستور،  فإن النقاش يدور في مصر حالياً حول استمرار نظام الانتخاب الفردي المعمول به حالياً، أو تغييره والأخذ بنظام القائمة النسبية، أو اللجوء إلى حل وسط والدمج بينهما بالنظام المختلط.

وبداية نقول إن العملية الانتخابية تمثل موقعا مهما في سياق عملية التجديد في الحياة السياسية في أية دولة، باعتبارها أداة مهمة لبناء المؤسسات السياسية بشكل سليم وآمن، غير أن من الضروري أن تفرز العلمية الانتخابية خارطة القوى السياسية الحقيقية في المجتمع، وإلا فإن أي خارطة سياسية هزيلة ستسفر عنها الانتخابات ستكون لا معنى لها ولا جدوى.


ولذا فعلينا أن نستعرض أنواع الأنظمة الانتخابية ومميزات وعيوب كل منها، لنستطيع تحديد المناسب منها لنا في هذه المرحلة:

أولاً: النظام الفردي للانتخاب:

النظام الفردي يركز على الأشخاص أكثر من الأحزاب والبرامج، وفكرته هي تقسيم البلاد إلى دوائر كثيرة (222 دائرة في مصر الآن) تنتخب كل دائرة نائباً أو نائبين لتمثيلها في المجلس.

مزايا النظام الفردي:
-     زيادة ارتباط النائب بدائرته الصغيرة، وإعطاء قضايا الدائرة فرصة أكبر لتمثيلها مباشرة في البرلمان.

عيوب النظام الفردي:
-    يعطي المال وشراء الأصوات فرصة كبيرة للتأثير على نتائج الانتخابات.
-    يتيح للعصبيات والقبلية دوراً كبيراً في اختيار النواب في بعض الدوائر، استناداً إلى صلاتهم العائلية، بصرف النظر عن مؤهلاتهم وبرامجهم.
-    ينتج برلماناً لا يعكس الحجم الحقيقي لأصوات الناخبين؛ فمن الممكن أن يصل مرشح إلى مجلس الشعب بـ 10 آلاف صوت في دائرة صغيرة، فيما يفشل مرشح آخر رغم حصوله على ضعف هذا العدد لأنه في دائرة أكبر.

ثانياً: نظام القائمة النسبية للانتخاب:


يقوم نظام القائمة النسبية على تقديم كل حزب سياسي لقائمة من المرشحين في كل واحدة من الدوائر الانتخابية متعددة التمثيل، وفكرة الانتخابات بنظام القائمة النسبية هي التصويت على البرامج والأحزاب، وليس على الأشخاص.
ويقوم الناخبون بالاقتراع لصالح الأحزاب، حيث يفوز كل حزب سياسي بحصة من مقاعد الدائرة الانتخابية تتناسب مع حصته من أصوات الناخبين. ويفوز بالانتخاب المرشحون على قوائم الأحزاب وذلك بحسب ترتيبهم التسلسلي على القائمة.

وفي هذا النظام تكون الدوائر الانتخابية أقل عدداً وأكبر مساحة، مثلاً بدل أن تكون شبرا دائرة منفصلة تنتخب نائبين فقط، نضم إليها مجموعة من الأحياء المجاورة لتشكل دائرة كبيرة تختار 10 نواب مثلاً.

في هذه الحالة، سيطرح كل حزب أو مجموعة أحزاب قريبة من بعضها أو حتى مجموعة من المستقلين، قائمة بعشرة مرشحين للدائرة. وتتنافس قوائم الأحزاب المختلفة ويصوت الناخبون لاختيار القائمة التي تناسبهم.

وبعد انتهاء الانتخابات، توزع مقاعد الدائرة على القوائم بشكل يتناسب مع الأصوات التي حصلت عليها. ويشترط عادة لمنح القائمة مقعداً حصولها على حد أدنى من الأصوات، ليكن 5% على سبيل المثال.
وهنا يجب أن نورد مسألة هامة يجب أخذها بعين الاعتبار لتحديد طريقة عمل نظام القائمة النسبية، وهي أنه قد يفرض النظام المعتمد اجتياز نسبة حسم محددة للحصول على تمثيل في الهيئة التشريعية المنتخبة، وإذا كانت تلك النسبة مرتفعة (10 بالمئة، كما هو معمول به في تركيا على سبيل المثال) سيؤدي ذلك إلى استثناء الأحزاب الصغيرة وحرمانها من الحصول على تمثيل لها، بينما قد تسمح لهم بذلك نسبة حسم منخفضة (1.5 بالمئة، كما هي الحال في إسرائيل مثلاً). في جنوب أفريقيا لا توجد نسبة حسم، وقد أدى ذلك في انتخابات عام 2004 إلى فوز الحزب المسيحي الديمقراطي الأفريقي بستة مقاعد من أصل 400 مقعد رغم حصوله على 1.6 بالمئة فقط من أصوات الناخبين. وتختلف نظم القائمة النسبية فيما بينها استناداً إلى إمكانية قيام الناخب بالاختيار بين المرشحين بالإضافة إلى اختياره بين مختلف الأحزاب، أي إذا ما كانت القوائم مغلقة، مفتوحة أم حرة. ولهذا الخيار تبعاته المتعلقة بسهولة أو صعوبة التعامل مع ورقة الاقتراع.

مستويات نظام القائمة النسبية:



المستوى الأول:

تقسم الدولة إلى دوائر انتخابية كبيرة وواسعة النطاق الجغرافي من حيث حجم السكان وعددهم ويطلب من الناخبين اختيار عدد معين من النواب حسب ما هو مقرر لكل دائرة انتخابية، وفي هذه الحالة لن يصوت الناخب لمرشح واحد وإنما لعدد معين من المرشحين ضمن القائمة، والتفرقة بين الدوائر كما تشير الدراسات لا تعزى إلى جوهر نظام القائمة ذاته بقدر ما ترجع إلى عدد الدوائر في المحافظات والتي تم بناؤها على المتغير السكاني.

المستوى الثاني:
تكون الدولة كلها دائرة انتخابية واحدة وهنا يدعم الناخبون شعارات أحزابهم أو قوائمهم والتي سيكون عدد الأسماء فيها بعدد الدوائر في البرلمان لكون الأحزاب ستستفيد من أي صوت يؤيدها، وهنا سيتم استخراج ما يسمى بالقاسم الانتخابي من خلال قسمة عدد الأصوات الصحيحة لكل حزب على مستوى الدولة على عدد المقاعد في البرلمان وتحسب مقاعد الأحزاب في البرلمان كل على حدة، ويرى المختصون أن هذا المستوى من القوائم يصلح للدول صغيرة الحجم والتي تبرز فيها التباينات الاثنوغرافية بشكل كبير(كاللغة -الدين -السلالة -الجنس -القومية)، أو التي تجذر فيها الوعي الانتخابي القائم على البرامج.

 

أنواع القوائم فـي "القائمة النسبية":


هناك نوعين من القوائم المتعارف عليها بهذا الشأن وهي:
الأولى: القوائم المغلقة:

وهنا يقوم الناخبون باختيار إحدى القوائم الانتخابية المتنافسة ضمن الدائر الكبيرة ( المحافظة) وليس للناخب أن يعدل في الترتيب الوارد في القائمة ولا أن يستبعد أحد منها ولا أن يضيف إليها أحد وكل ما عليه هو أن يؤيد إحدى القوائم المعروضة كما هي مقدمة.
ويقوم كل حزب سياسي بحشد الناخبين لمساندة قائمته وتأييد مرشحيه في هذه القائمة، بعد أن يكون قد وضع مرشحا بارزا وكفؤا في رأس قائمته. ويعاب على هذا النوع من القوائم عدم إتاحة الفرصة للناخب للاختيار إذ يعد أسيرا لقرار حزبه.

الثانية: القوائم المفتوحة:

وهنا لا يتقيد الناخب بقائمة انتخابية واحدة وإنما يمكنه القيام بتشكيل قائمة تضم مرشحين بحسب حجم دائرته من جميع القوائم المتنافسة في تلك المحافظة، فإذا كان المطلوب منه في محافظة مثل العاصمة أن يختار 19 مرشحا بإمكانه اختيار أحسن 19 مرشحا من بين المرشحين في كل القوائم ويضعها في قائمة واحدة ويدلي بها في صندوق الاقتراع.

مزايا الانتخاب بنظام القائمة النسبية:

- دائما ما تكون المفاضلة بين المرشحين ضمن القائمة النسبية على أساس البرامج الانتخابية وليس على أساس الخدمات الشخصية، أي يكون النائب في البرلمان نائبا يمثل الوطن ولا يمثل دائرته المحدودة، حيث يرتقي هذا النظام بالمعركة الانتخابية إلى التنافس بالبرامج والأفكار، بدلاً من التركيز على الأشخاص.

- عدالة تمثيل الأصوات في مجلس الشعب، أي أن قيمة صوت أي ناخب متساوية، بصرف النظر عن حجم دائرته.
ويقلل نظام القائمة من دور المال وتأثير شراء الأصوات بسبب اتساع مساحة الدائرة وصعوبة توجيه هذا العدد الكبير من الناخبين.


- يسهل هذا النظام صعود أصحاب الكفاءات والمؤهلات والخبرات والفئات المهمشة مثل النساء والأقليات في البرلمان بدلا من بروز القوى التقليدية، وهو أمر يرى كثيرون أنه مهم في مجلس الشعب القادم الذي سيضع دستوراً يحكم البلاد لفترة طويلة.


- يسهم في إفراز سلطة تشريعية تضم ممثلين عن كل من مجموعات الأكثرية والأقليات في ذلك المجتمع. وذلك لكون النظام يعمل كحافز لدى الأحزاب السياسية لتقديم قوائم متوازنة من المرشحين يمكنهم من خلالها التطلع لدعم أوسع شريحة ممكنة من الناخبين.

- يسمح بتصعيد المرأة للبرلمان بشكل سهل وسلس لكون أسماء المرشحات ستدمج ضمن القوائم، بدون الحاجة إلى الكوتا.


- يسهم في بروز أحزاب بعدد كبير إلى البرلمان بدلاً من حصر البرلمان بين أربعة أو خمسة أحزاب فقط.


- يسمح للأحزاب السياسية أن تعزز من مكانتها في المجتمع وتتقوى شيئا فشيئا ولاسيما الأحزاب ذات المشروع الوطني.


- يصعب على المرشحين في ظله استخدام الرشوة الانتخابية وشراء الأصوات والذمم وذلك لاتساع مساحة الدوائر وكثرة عدد الناخبين.


- سيشعر الناخب بأهمية صوته في الانتخابات مما سيجعله يتمعن في الأشخاص التي سترد ضمن القوائم المتنافسة في نطاقه الجغرافي، ولن يستطيع أحد تزيف وعيه.


- لن يتماشى هذا النظام مع محدودية التربية السياسية والوعي الديمقراطي لأن التنافس سيتمحور حول البرامج أكثر من تمحوره حول الأشخاص، وهو أمر سينعكس ايجابياً في اتجاه التركيز على نشر الوعي السياسي بين الأحزاب السياسية.


- يسهم -إذا ما طبق وبجدية ونزاهة وبشكل سليم- في بروز تكتلات قوية في البرلمان قد تدفع باتجاه حكومة ائتلاف وطني تنقذ البلاد من تعقيدات المستقبل.


- الأخذ به سيخلق حراكا سياسيتا جديدا في المجتمع يختلف عن الحراك السياسي السائد في ظل النظام الفردي، الأمر الذي سيعمل على إنعاش الحياة الديمقراطية في البلاد.

عيوب الانتخاب بنظام القائمة النسبية:

ينتقد كثيرون في هذا النظام ضعف الارتباط بين النائب والناخب بسبب اتساع حجم الدائرة، وفي المقابل يرى آخرون أنه يتطلب مجهوداً أكبر من الناخب للاختيار، ووجود أحزاب قوية، ونتناول ذلك بالتفصيل الآتي:


•    ينتقد النظام لكونه يقضي عملياً على العلاقة بين الناخبين وممثليهم، حيث يعمل على صلات ضعيفة وعلاقة غير وثيقة بين الممثلين ومنتخبيهم. وفي حال استخدام القوائم المغلقة لا يملك الناخبون أية إمكانية لتحديد هوية ممثليهم، ولا تحديد من يمثل بلداتهم أو دائرتهم أو منطقتهم، كما لا يمكنهم رفض أو إقصاء ممثل ما قد يرون بأنه أخفق في تمثيل مصالحهم. وفي بعض الدول النامية، حيث يتمركز غالبية الناخبون في مجتمعات ريفية، تكون تبعيتهم وولائهم لمناطق سكناهم أقوى بكثير من ولائهم لأي من الأحزاب السياسية أو المجموعات الأخرى. إلا أن هذا الانتقاد يمكن حصره في التمييز بين النظم التي يقترع فيها الناخبون لصالح الأحزاب السياسية فقط، وتلك التي يقترعون فيها لصالح المرشحين الأفراد.

•    تركيز السلطة في أيدي القيادات الحزبية ومقراتها الرئيسية، خاصةً في ظل استخدام القوائم المغلقة. إذ يعتمد موقع المرشح التسلسلي على قائمة الحزب، وبالتالي حظوظه بالفوز، على مدى رضا القيادات الحزبية عنه والتي عادةً ما تكون علاقاتها بجمهور الناخبين على قدر أقل من الأهمية.


•    حاجة النظام إلى وجود شكل ما من الأحزاب السياسية أو التجمعات الانتخابية. وهو ما يجعل تنفيذ نظام القائمة النسبية صعب بشكل خاص في المجتمعات التي تفتقد للأحزاب السياسية الفاعلة، أو التي لا يوجد فيها إلا نواة لهيكلية حزبية هشة. وبينما يمكن السماح للمرشحين المستقلين المشاركة في الانتخابات في ظل تركيبات مختلفة من نظم التمثيل النسبي، إلا أنه أمر صعب التطبيق ويفرض مزيداً من التعقيدات خاصةً فيما يتعلق بالأصوات الضائعة وطرق احتسابها.

المصدر: • شبكة المعرفة الانتخابية • منتدى محاورات المصريين • د. عبد الجليل الصوفي من مقال بعنوان "القائمة النسبية.. الأهمية، الخصائص، المستويات، آليات فرز النتائج"- موقع الأهالي
  • Currently 2022/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
674 تصويتات / 1509 مشاهدة

ساحة النقاش

تسجيل الدخول